شهدت مؤخرا قرى ومداشر منطقة القبائل بالجزائر احتفالية “لوزيعة ” أو ” السهمة ” تسمى باللغة الأمازيغية ” ثيمشرط “، فلا زال القبائل يحافظون على هذه العادة المتوارثة أبا عن جد ، يحتفلون بإحيائها في الأعياد والمناسبات الدينية وقبل مواسم الحصاد والحرث وقطاف الزيتون..
تكون ” لوزيعة ” عرسا للتكافل الاجتماعي بين القرويين، يساهمون جميعا في شراء الخراف والعجول فسميت “السهمة” ، ثم يوزع لحمها على السكان، فسميت “لوزيعة”.
منطقة القبائل تشتهر بالزيتون، فيحيون عادة ” لوزيعة ” قبل قطاف الزيتون، وقد أشرف على تنظيمها ” تاجمعت ” وهو مجلس الأعيان لأعراش القبائل، والعرش هو العائلة الكبيرة الممتدة لجد واحد، وعادة أعضاء “تاجمعت ” يتشكل من وجهاء العرش ولاتوجد بينهم نساء.
ويتولى “تاجمعت” إدارة شؤون العرش الاجتماعية والاقتصادية، وحل النزاعات، وإقامة الأعراس الجماعية للشباب، وغيرها من شؤون الحياة لدرجة لايوجد فقير ومحتاج في أعراش القبائل.
وتعتبر ” ثيمشرط” أو ” لوزيعة ” أو ” السهمة ” من عادات وتقاليد الأمازيغ سكان منطقة القبائل ، يتوارثونها أبا عن جد، وهي عادةٌ للتقرب من الله بنحر الخراف والعجول يوم الجمعة للبركة باعتباره يوم مقدس للمسلمين، وتوزيع لحومها بالتساوي على السكان.
محاند أمقران أحد وجهاء تاجمعت لقرية ” أحريق” في ولاية تيزي وزو، التقته مصر العربية وتحدث عن العادات والتقاليد الأمازيغية، ودورها في تعزيز أواصر المجتمع بالمحبة والتعاون وقال ” إن لوزيعة عادة الجدود نورّثها لأبنائنا جيلا بعد جيل ليبقوا يحبون بعضهم، ويتعاونون مع بعضهم لأن الحياة بدون محبة وتعاون تكون صعبة وموحشة، وهذه العادة نتبرك فيها كل موسم زراعي ، سائلين الله الصحة والعافية والرزق الوفير”.
وأضاف أمقران: هناك عادات أخرى عند القبائل مثل “النّاير” ، رأس السنة الأمازيغية تصادف 12 يناير ، يكون بداية موسم الحرث عند الأمازيغ ، نحتفل به ليكون الموسم جيدا، وهذه العادات هي التي حافظت على لُحْمَة الأمازيغ وتعاونهم على مر السنين”.
ويتولى ” تاجمعت ” جمع ثمن الماشية بتحديد مبلغ المساهمة ، يكون في متناول جميع السكان، وقد يصل عدد رؤوس الماشية إلى أكثر من عشرين رأسا من خراف وعجول ليكفي جميع السكان ، والميسورون منهم يساهمون بمبالغ أكبر لإحياء هذه الاحتفالية الروحية بإعداد الطعام التقليدي ” الكسكسي” بلحم ” لوزيعة ” يولمون جميع السكان وضيوف من أعراش مجاورة ويزودوهم من لحوم “لوزيعة”.
بعد الانتهاء من توزيع اللحم ، يجتمع سكان القرية في حلقة يترأسها أحد الشيوخ ويتوجهون بالشكر لله على هذه النعم، راجين من الخالق أن تدوم عليهم و تحفظها من الزوال، ويدعون إلى السعي للمعروف وتوثيق أواصر المحبة والتعاون والتضامن والتسامح ما بين الناس و لم الشمل.
في يوم الجمعة المولي لجمعة احتفالية ” لوزيعة ” يبدأ التحضير لقطاف الزيتون بتنظيف كروم الزيتون من الحشائش اليابسة والأغصان اليابسة في أشجار الزيتون، تسمى هذه العملية ” أفراس” ، يقوم بها أفراد العائلة ‘ فيتعاون الجميع بما يُعرف ” التويزة ” تقليد يعزز أواصر المحبة والتضامن بين السكان للقيام بهذه المهمة الصعبة وماتحتاجه من أيدي عاملة كثيرة ،لأن طريقة قطاف الزيتون لازالت تقليدية، يضربون الأغصان بما يشبه المشط الكبير فتتساقط حبات الزيتون على أفرشة خاصة تحت شجرة الزيتون لجمع المحصول.
ولا يتأخر عن حضور هذه الاحتفالية التضامنية لا شيخ ولا شاب ولا امرأة و لا صغير من سكان المنطقة ، فيسارع الجميع ، يتنافسون على تقديم ما في وسعهم لإحياء هذا العرس الاجتماعي الكبير ببهجة ومحبة.
أميمة أحمد – الجزائر