في حديثه عن دور المثقف في ظل التحولات الرقمية، أكد الأستاذ سعيد بنيس أن المثقف، في الماضي، كان ينتمي إلى فئات مجتمعية وهيئات مهنية محددة، كالمهندسين، الأطباء، المدرسين، الباحثين، الاقتصاديين، الكتاب والفنانين، مما جعل من المسألة الثقافية آنذاك شأنًا نخبويًا. ومع ظهور التحول الرقمي، وما صاحبه من تعزيز لهامش حرية التعبير في العالم الافتراضي، شهدنا طفرة نوعية في التفاعلات والنقاشات عبر الإنترنت، أدت إلى بروز ظاهرة “المشاعية النخبوية الثقافية”.
وأشار بنيس إلى أن الانتقال إلى ما يمكن وصفه بـ”زمن ما بعد الحقيقة” جعل الفعل الثقافي أكثر عرضة للأخبار الزائفة، مما قد يخلق ما أسماه بـ”المأزق الثقافي والقيمي”. ويزداد هذا المأزق تفاقمًا مع انخراط “المثقف الرقمي” الذي قد يغيب عنه الوعي التنويري، والهم الثقافي، ودوره في التنشئة المجتمعية.
وأضاف أن بروز زوايا افتراضية، وانتشار قنوات شخصية على منصات مثل يوتيوب، بات يُمكّن أفرادًا من تقديم أنفسهم كمثقفين، مدعومين بجماهير تؤمن بأفكارهم دون التثبت من عمقها أو جدواها. في هذا السياق، شدد بنيس على ضرورة عودة المثقف الكلاسيكي إلى الساحة الثقافية، مع الانخراط في العالم الافتراضي الذي بات يشكل جزءًا لا يتجزأ من الواقع، خاصة بعد التحول من مجتمع التواصل الواقعي إلى مجتمع الاتصال الرقمي، حيث أصبح الأفراد والقراء افتراضيين أكثر من كونهم واقعيين.
وأوضح أن هذا الوضع يفرض على المثقف الكلاسيكي استعادة وظيفته الأساسية، التي تتجلى في تصويب الانحرافات، والمساهمة في التنشئة الثقافية، لمواجهة ما وصفه بـ”أزمة الاحتباس القيمي”. كما دعا إلى ضرورة خروج المثقف التقليدي من برجه العاجي للانخراط في ما أسماه بـ”البرج الافتراضي”، بهدف معالجة الإشكالات التي أفرزها المجتمع الرقمي، وإعادة ضبط موازين القيم التي أصبحت تعاني من اختلالات خطيرة.