افتتحت يوم الأربعاء 10 أبريل بالرباط، أشغال ندوة دولية تحت عنوان “المنفى ليس مملكتنا: تأملات في أدب المهجر”، تنظمها أكاديمية المملكة المغربية في إطار أنشطة كرسي الآداب والفنون الإفريقية التابع لها.
وتهدف هذه الندوة الدولية إلى تقديم فهم للتحديات الحالية المرتبطة بالهجرة، والإحساس بالانتماء، والهويات المتعددة، وتوفير فضاء لاستكشاف الروابط بين المنفى والثقافة والأدب على الصعيد الدولي، والوقوف على أبرز مستجدات أدب المهجر وتأثيراته المتعددة في الثقافة والهوية واللغة.
وفي كلمة بالمناسبة، قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل لحجمري، إن المنفى هو تجربة مؤلمة للبعض، وفرصة للتجديد بالنسبة للبعض الآخر، لكنه “يحيل في كل الحالات، على قطيعة تعيد تعريف العلاقة بالعالم والآخر، والذات”.
وأبرز لحجمري في كلمة تلاها بالنيابة عنه عضو أكاديمية المملكة، محمد الساوري، أنه “في التاريخ الإفريقي، كما في أماكن أخرى، للمنفى أسبابه، من قبيل الحروب، والأزمات السياسية، والاستعمار، ومحو ما أرساه التاريخ والجغرافيا، وما جاءت الجغرافيا السياسية لزعزعته”، معتبرا أن المنفى، عندما لا يكون قسريا، وعندما يكون بمثابة استكشاف يهدف إلى التعبير عن عظمة الخلق، أو مقدمة لاكتشاف سحر العالم، يمكن أن يكون، أيضا، خيارا من أجل الانطلاق نحو آفاق أخرى، والانفتاح على رؤى جديدة.
وأضاف أن المنفى مهما كانت دوافعه، فإنه يغير الأفراد بشكل لا رجعة فيه، ويجعلهم يطرحون تساؤلات حول معنى الانتماء، ومفهوم “الوطن” نفسه.
وأكد لحجمري أن المنفى يشكل مصدرا للإلهام بالنسبة للأدب، بحيث يجد الكتاب المنفيون فيه وسيلة لتجاوز ألم الرحيل، وإيصال صوتهم، وإعادة وضع موطئ قدم لهم من خلال الكلمات، لافتا إلى أن كتاب المنفى، بالخصوص، يحملون ذاكرة مزدوجة ترتبط في الآن نفسه بوطنهم الأم وبلد الاستقبال.
من جانبه، قال رئيس جامعة توسكيجي بالولايات المتحدة الأمريكية، مارك براون، إن الموضوع الذي اختير لهذه الندوة يتقاطع مع مسار الجامعة التي أسست بعد 16 عاما من إلغاء العبودية بالولايات المتحدة من قبل بوكر تي واشنطن، وساهمت في التصدي لمجموعة من التحديات التي عاشها العالم من قبيل الحرب العالمية الثانية، والقضاء على شلل الأطفال، وإجراء أبحاث حول السرطان.
وأبرز بروان أن بوكر تي واشنطن، الذي يعد أحد أبرز القادة والمفكرين الأمريكيين من أصول إفريقية الذين ناضلوا من أجل النهوض بتعليم الأمريكيين السود، كان يؤمن بأن وحدة جميع الشعوب ذات الأصول الإفريقية ضرورية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والسياسي.
من جهته، أكد رئيس اللجنة الدولية للعلماء والخبراء الأفارقة، البروفيسور غريغوار بييوغو، أن سؤال المنفى يسكن الأدب منذ العصور القديمة، لافتا إلى أن إلهام المنفى متعدد الأبعاد ويتقاطع فيه ما هو تاريخي واجتماعي، ونفسي، وسيكولوجي، وفيزيولوجي، وسياسي.
وقال بييوغو إن قصص المنفى تحكي عن التاريخ القاسي والعفوي لفصل الإنسان عن وطنه، وأرضه الأم، وجذوره الأولى، “إنها قصة الابتعاد عن الذات، وإعادة اكتشاف حدود أخرى وأماكن جديدة”، مشيرا إلى أن الابتعاد عن الأصول يخلق حنينا نحو الوطن الأم ويدفع إلى لقاء عوالم أخرى.
وتتواصل أشغال هذه الندوة الدولية التي يحتضنها مقر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، يوم غد الخميس بمشاركة مجموعة من الجامعيين سيقدمون رؤى فريدة حول المنفى والهجرة والأدب.
يذكر أن كرسي الآداب والفنون الإفريقية التابع لأكاديمية المملكة المغربية تم إطلاقه سنة 2022، ويهدف إلى الإسهام في تقريب المسافات من خلال الأدب والفنون وربط الشمال بالجنوب.