تاريخيا، وفي معظم الحضارات القديمة، كثيرا ما كانت تعتبر المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، ومثالا للعار والفضيحة، الى درجة دفن هذا المخلوق حيا، ظنا منهم آنذاك أن الأنثى لا تجلب إلا الخزي للعائلة.
أطلقت مجموعة من الأمثلة المسيئة للمرأة، ففي الحضارة الأسيوية كانت المرأة جالبة للحظ السيء، ويقال: “إن لم تضرب زوجتك لمدة ثلاثة أيام، ستتحول إلى ثعلب “.
لكن كان للشعب الأمازيغي رأي آخر، فالمرأة في الثقافة الأمازيغية كانت ركيزة شمال أفريقيا. لعب أدوارا مختلفة بصمت بها نفسها، فقد كانت أما، مستشارة، عضوة بالبلاط الملكي، وحتى حاكمة حامية للشعب الأمازيغي، ومستشهدة في سبيل الوطن والأرض والأصل، ناهيك عن أمثلة عديدة لآلهات إناث منهن الآلهة تفنوت (آلهة النار)، تانيت (آلهة الأمومة والخصوبة).
في اللغة الأمازيغية المتداولة حاليا، تعني كلمة تامغارت ‘ المرأة’، لكن في الأصل تعني كلمة الرئيسة أو الحاكمة، باعتبار المجتمع الأمازيغي آنذاك كان مجتمعا أميسيا بالدرجة الأولى، فكلمة ‘ أكما ‘ وهي ‘أك ‘ و ‘ ما’ تعني أخي من أمي، كذلك بالنسبة للأخت ‘ أولتما’، لهذا فالمرأة الأمازيغية كانت مسؤولة على جميع التدابير الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية أيضا داخل القبائل الأمازيغية، فلم يكن أبدا محتقرات أو تم التنقيص من قيمتهن بشكل أو بآخر.
وإن كان هناك حام للثقافة الأمازيغية، فهو بالتأكيد تامغارت، فقد حملت الثقافة وترجمتها في الصناعات الخزفية والأوشام، وأدمجتها في أغنيات وأهازيج تحت لواء الصوت الأخاذ والحنجرة القوية، وكذا لساعات طوال أثناء نسيج الزرابي خلف النول.
فعلى مدى الأزمنة والقرون، تميزت الثقافة الأمازيغية، بالطابع الشفوي، اذ أن الفلكلور أنقذ نظامها اللغوي، وكانت المرأة مركز هذه الثقافة الشفوية، وموزعها، والقائم الأمين عليها.
وإن كانت لنا الفرصة لإدراج أحد هؤلاء الأيقونات، فلا بد من الوقوف عند الملكة الأمازيغية “ديهيا”، وهي قائدة عسكرية حكمت منطقة شمال أفريقيا ، و أخذت على عهدها حماية التراب الوطني بعد مقتل أبيها ، فلقبت بالكاهنة أو الساحرة ، هناك من اعتبرها مجرد ساحرة بكيان شرير ، لكن أغلب المؤرخين أقرو على أن هذا اللقب جاء بعد عدم قبل البعض أن يقادوا من قبل امرأة.
الشيء الذي لم يمنعها من القيام بالبلد بكل تفاصيله، و مجاراة الحروب بكل شجاعة و بسالة، فقد كثر المؤرخون والكاتبون الذين ذكرو “ديهيا”.
قال عنها المؤرخ ابن خلدون “ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها” كتاب العبر الجزء السابع ص 11. وُلدت عام 680م وخَلَفت الملك “كُسَيلة” في حكم الأمازيغ وحكمت شمال أفريقيا مُشَكِّلة مملكتها اليوم جزءً من المغرب الكبير قديما، متخذة من مدينة خنشلة في جبال الأوراس العالية عاصمة لها. حيث قال البكري “… وفي هذا الجبل الأوراس كان مستقر الكاهنة…” . كما حدد ابن الأثير انتماءها إلى البربر قائلا ” وكانت بربرية وهي بجبل أوراس”.
تبقى الملكي ديهيا أحد أعلام المرأة الأمازيغية في وقتها ، لكن هذا لا يقصي و لو بقليل المرأة الأمازيغية في كل زمان و مكان ، بشهامتها ، ثقافتها ، تراثها و صبرها اللا محدود بجميع مناطق أفريقيا الشمالية ، سواء تحدث عنها التاريخ و أقامت على بلاد بأسرها أو تحدت صعوبة المناخ ووفرت لقمة العيش لعائلتها، تبقى البطولة و الشهامة هي نفسها ، و تبقى المرأة في الثقافة الأمازيغية و مكانتها ، درسا واضحا ، لجميع الثقافات العالمية ، حول حقيقة المرأة و مكانتها المجتمعية الرفيعة.
إكرام كوحل/ صحفية متدربة