بقلم: أيور يوسف لعفو
في مثل هذا اليوم 16 أبريل 1908
مع بداية احتلال إقليم توات وإنشاء مركز القيادة العسكرية في بشار التي سميت كلومب بشار بدأت صيحات التهديد الفرنسي يلوح في الافق على حوض كَير و زيز، حيث بدأت الزوايا بإرسال الرسائل للقبائل و تعبئة المريدين للجهاد في سبيل الله ضد الاحتلال المسيحي الفرنسي و تزكيتهم بأن المعركة ستكون مقدسة و في صالحهم رغم السياسية التي شهدته المنطقة من صرعات بين حلفين أيت ياف لمان و أيت عطا و بين الزوايا التي تدعوا للجهاد و المخزن حيث راسل هذا الاخير الرسائل و الخطب للشيوخ القبائل و المقدمين الزوايا بعدم الجهاد، بمقولة تذمر منها الناس المنطقة وفي “مراعاة الجار و لو جا” كناية عن الفرنسيين مما جعل المسألة معقدة و بدأت قبائل تتخلى عن الجهاد و اخرى تتردد و خرى عزمت على مضي قدما.
لاكن منذ بداية سنة 1908 بدأ مقدم الزاوية الدرقاوية حماد أولحسن سغروشني من أيت سبع بتعبأة القبائل بالخطر المقدم عليهم إن لم يوقفوا المد الفرنسي و هو بدأ يقوم بتحركات لبوذنيب-القوات الفرنسية- بعد احتلال موغل و بوكيس و بوعنان و عين الشعير، من هنا بدأت القبائل تجمع شتاتها و تستعد للمقاومة تاركة السياسة جانبا حماية لأراضيها.
في بداية فبراير إلى أبريل من سنة 1908 بدأت كل قبيلة تستعد لجمع فرسانها و محاربيها لذهاب لمحاربة الغزو الفرنسي و هي عازمة من عدم وصولهم إلى أراضيها، سمينها معركة الاحلاف لأنها اجتمع فيها كل الاحلاف القبلية من الموجودة في الاطلس المتوسط و الكبير الشرقي و الصحراء مكونة جسد واحد لكسر شوكة العدو و الحد من طموحاته من هاته الاحلاف نذكر منها ( حلف أيت يافلمان كلهم، حلف أيت عطا كلهم، حلف أيت سغروشن كلهم، حلف أيت أومالو منهم أيت سخمان و زيان، أيت إدراسن فيهم أيت مكيلد و أيت يوسي) [1] كل واحد منهم يتزعمهم شيخ قبيلتهم أو شيخ الحرب ” أمغار نلبارود” و مقدمهم الروحي و محفز الحركة مولاي حماد أولحسن، حيث قدروا ب 5000 مقاوم و زادوا عن ذلك بعد 15 يوما من بداية المعركة مدججين بأنواع البندقيات و الخناجر و السيوف و البارود.
كان مقصدهم الاول منكَوب-قرب الحدود حاليا- في سهل تملالت أقاموا معسكرا هنا بعد شهرين من الطريق قاطعين مسافة جاوزت 120 كيلومتر تقريبا، و بدأوا بتقصي عن العدو و مدخراته التي تأتي من عدة جهات وحيث رسل لهم حماد أولحسن تهديدية مفادها “إما أن تسلموا أو تدفعوا الجزية”[2]، و من هنا نستند عدة تقارير تحدثت عن بداية الغزو كما كتب القبطان “دوماس” من فوج المدفعية التاسع؛ المنشور سنة 1909م تحت عنوان: “على تخوم جنوب وهران”.
“كشفت الحوادث في سنة 1908 بتخوم جنوب وهران أفكارا خطيرة غير مسبوقة صادرة من شريف متشدد مسموع الكلمة ما يزال حيا رغم تقدمه في السن يسمى مولاي أحمد أولحسن الذي نادى بالحرب المقدسة ضدنا في الوسط الشعبي المجاور لزحفنا، وقد انتشرت الحركة بعيدا عن مكان تواجده وكانت النتيجة ثورة مسلحة حقيقية في جهتنا خاصة تستوجب الدفاع وصدّ مهاجمي مواقعنا وبذلك قمنا بدورنا للتحرك نحوهم في عقر دارهم لمعاقبتهم، وفي هذا الكتاب نتعرض للوقائع المتوالية لتحركنا في هذا البلد دون أن نتطرق لما وقع قبل بداية العمليات في معركة المنابهة بتاريخ 16 أبريل 1908 التي مثلت بداية حقيقية لعملياتنا في هاته المناطق، تلك المعركة التي جرت في ظروف أكثر ملاءمة لمن يريد دراسة ذلك، ففي رمضان عام 1325هـ وبالضبط في ليلة القدر الموافق لما بين 10 أكتوبر و8 نونبر شرع المسمى آنفا في التبشير بالحرب المقدسة ضدنا معلنا أن الله سيعينه في المعركة علينا (لأن بنادق النصارى) ستطلق ماء في حين أن بنادقنا ستحمل لهم الموت) (ص06)، وهكذا أصبح ينادي للحرب المقدسة ضد تواجد الفرنسيين واحتلالهم للأراضي المغربية (جنوب وهران التي يقصد بها من فيجيج إلى بوذنيب وتافيلالت عامة).وفي بداية فبراير 1908م بدأ الحشد وكان ضئيلا إلا أنه في الأيام الأولى من مارس، بدأ يتصاعد ويشكل هاجسا حقيقيا، حيث بدأ انزعاجنا يظهر بشكل حقيقي (ص:6)، وأصبح صعبا تحديد زمن مضبوط لتحرك محتشدين حول مولاي حماد أولحسن الذي أخذ يتهيأ في الزحف نحو الشرق أي نحونا؛ هذه الحركة التزمت بالانضباط والتؤدة وبطء الحركة وإقامتها مددا مختلفة في الأماكن التي تتوقف فيها انتظارا لوصول المتأخرين والمتطوعين الجدد”. [3]
و قد شاركت قبيلة أيت إزدك اليافلمانية بدورها في المعركة وما ذكرنا هاته القبيلة إلى من خلال غيابها في أي محافل كانت ثقافية أو تاريخية، و نذكر أنها كانت على رأس الحلف و قاومت بجدارة و دونت اسماء بعض شيوخها و مقدميها و فرسانها بأحرف من الفخر و التقدير و تأتي كالتالي: [4]
-شيوخ القصور الزدكية
تزكين إكرامن-كرامة أمغار عدي أوزعيظ و الفرسان موحى اوحساين و موحي أوعزيز يرفاقهم رجال قصور كَرامة
تمراكشت لحسن أومحمد أدرغال و رجال القصر
تزروفت علي أوشرة و رجال القصر
…
-شيوخ الفروع الزدكية
أيت مومو: عمر أوعيسى أمغار أيت براهيم و حمو أوسمور أمغار أيت حاحو
أيت فركان: فشميح أمغار أيت فركان، علي مرغاد و لحسن أصافي أمغار إخرمجيون (من بطن ايت فركان)
أيت تلت: موحى أوبراهيم أمغار ايت إحى أوخليفة، شيخ حساين أوصاف أمغار أيت موسى أو علي، و موحى أوراغ أمغار أيت واليل
-شيخ قبيلة أيت إزدك
موحى أوسمور من أيت مومو بطن أيت حاحو
حيت شاركت كل الفروع الثلاث و بطونها المذكورة و غيرها مثل أيت عتو فرع أيت مومو و أيت وليل فرع أيت إحى أوخليفة و أيت عشا فرع أيت فركان…بمشاتهم و فرسانهم.
بعد وصول القوات الفرنسية من كل حدب وصوب بحيث شكلت فرق بداية من 7 أبريل، تحركت أربعة مجموعات (كولون) فرنسية لإغلاق الشمال الغربي والغرب والجنوب الغربي المنفتحة على سهل منـﮕوب، و شكلت مركز للحماية على قوس ضخم في شمال ميسيسا (كولون قدم من بركنت)، ونهاية تالزازا (كولون أتى من كلومب بشار) مارا من وسط: واحدة في شمال بوعرفة (كولون قدم من عين الصفراء)، والآخر من آﮔـلات عبد الجبار (كولون قدم من بني ونيف) حيث كان تعدادهم قرابة 3000 مدججين بكل أنواع الاسلحة الحديثة أن ذاك من مدفعيات و بنادق و الرشاشات…أطر و قاد الفيالق الفرنسية الملازم كانونج، في 10 أبريل أراد الملازم التعرف عن الحركة من قريب مرفوق ب 25 فارس كان مصدومين بضخامة الحشود المقاومين و هم معسكرين لا يأبهون لشيء.
في 15 أبريل قام الحركة باستطلاع من خلال فارسين من مكَيلد، بعدها تم النزوح إلى موضع المنابهة قرب قصر موغل-الجزائر حاليا- بعد مرور من واد عيسي إلى مكسم حليم و فم شكَاكَ ليتم مباغتة القوات الفرنسية في 16 أبريل 1908 حيت انقسم المجاهدون لمجموعتين يقودهم شيوخ القبائل فطوق المجاهدون مخيم العقيد بيرون من جميع الجهات شمالا و شرقا و جنوبا و غربا , و جرت بين الطرفين معركة طاحنة اشتبك فيها المقاتلون بالسلاح الأبيض و البنادق …كانت من أشد المعارك حيث عبر موريس تنبرنار احد مديري الاستعمار الفرنسي “أخطر معركة تعرضنا لها منذ بداية المسألة المغربية وتكبدنا خلالها خسائر جسيمة…”غنم فيها المجاهدون أسلحة كثير، فحاول الفرنسيون التفاوض برد نفسهم عن بوذنيب لاكن دامت المعركة طيلة اليوم باستمرار حيث دارت معركة أخرى بالكون في 17 أبريل 1908 التي حمي وطيس فيها أيضا.
استشهد عدة مقاومين فيها قرابة 300 “المصادر غير موجودة حاليا عن اسمائهم”، أما الفرنسيين فقد وصل عدد قتلاهم 700 تقريبا منهم الملازم كانونج و 101 جريح و 9 ضباط. لاكن بعد التعزيزات التي أتت للقوات الفرنسيين جعل المجاهدين رغم فوزهم في المعركة يتراجعوا لبوذنيب لتكون تاريخ أخر لمعركة أخرى لم يعطيهما التاريخ حقه.
من هنا نستفيد من هذه المعركة الخالدة التي جمعت جميع القبائل في صف واحد من أجل شيئ واحد و هي هاته الارض الطاهرة التي استقوها بدمائهم رغم اختلافاتهم وخلافاتهم.
المصادر:
[1] [4] وثائق محمد إبن حماد أولحسن كتب أسماء بعض المقاومين المجاهدين من كل القبائل المشاركة
[2] (soyez musulmans ou tribulaires) ص7
[3] المنشور سنة 1909م تحت عنوان: “على تخوم جنوب وهران”.
جريدة السبيل 16 سبتمبر,2012
مقاومة الجنوب الشرقي المغربي للاحتلال الفرنسي : بوذنيب نموذجا- الدكتور محمد البكراوي
التاريخ السياسي للمغرب