تراجيدية أسرة ريفية زمن الهروب الكبير (عام نذاوريوين 59/58)

ليلة الهروب الكبير من آيت بوخلف، كان الجو ماطراً والبرد قارساً، أبناؤه الثلاثة لم يبلغ أكبرهم سن التاسعة، كانت نعاجه قد نفقت جراء قصف طائرات النظام، ولم يتبق في حضيرته سوى حماره وكلبه، ليلتها كانت زوجته تعاني من ألم حاد مصحوب بحمى، ومع ذلك أطفأت تنورها وجمعت الخبز الساخن في منديل نقي، وسرحت الكلب، وجهزت الحمار للانطلاق في إطار الهروب الكبير.

أركب أبناءه وزوجته على الحمار بعد التزود بما يحتاجونه من زاد، فانطلق لوجهة غير معلومة رغم أنه كان في قرارة نفسه ينوي زيارة شقيقته بقبيلة تمسمان، كان يسارع الخطى رغم علمه بأن دابته لا تتحمل الثقل، من حين لآخر كانوا يسمعون هدير الطائرات في تلك الليلة الحالكة فيتوقفون كلما اقتربت فوق سمائهم باعتبار أن القوات الجوية بقيادة ولي العهد آنذاك المولى الحسن كانت تقصف – دون رحمة – أي شيء يتحرك على الأرض.

كانوا يتحاشون المرور عبر المسالك المعروفة خوفاً من فيالق القوات البرية، يمرون عبر الأحراش الصخرية والشائكة، قطعوا دواوير آيت عزيز وإزغاين وتبقالت، كانوا يسرعون الخطى لاجتياز وادي النكور قبل مطلع الفجر، وعند وصولهم إلى سوق الإثنين القديم قرب بلدة بني بوعياش حالياً، لمحوا طيفاً خرج من أحد الدكاكين الطينية بمدخل السوق، ظنوا أنه أحد الثوار، لكنهم ارتابوا من تحركاته وطريقة رصده لهم سيما حين رؤوه ينظر إلى حقل الصبار المقابل، وقد رصد الزوج فيما قبل تمركز كتيبة للمشاة هناك، فغير الاتجاه رغم علمه بخطورة اقترابه من مكان قيادة الجيش المخزني القريبة.

غيروا الاتجاه يميناً إلى أن وصلوا وادي “سفتولة ” أو “تلات آيت فروين” فمروا تحت القنطرة التي بناها الإسبان دون أن يفطن بهم الجيش النظامي، وقبيل بزوغ تلابيب الفجر كانوا عند ضفة وادي النكور، ورغم أن الأمطار كانت خفيفة بل كفت عن الهطول قبل أكثر من ساعة، إلا أن الزوج كان يتوجس من عبور النهر وهو الملم بالأحوال الجوية سيما وأن عرضه لا يستهان به، ورغم ذلك – ومع اقتراب شروق الشمس – نكز حماره المتعب، وعند بلوغه وسط النهر، سمع خرير المياه فارتآى له جبل من السيول الجارفة، لا وقت للتفكير، حاول جر دابته ممسكاً بزوجته، جرف التيار حماره وأبناءه الثلاثة، تمسكا هو ورفيقته بشجرة لوز وسط السيول الهائلة الآتية من شقران وأربعاء تاوريرت، إلى أن عبرا الى الضفة الأخرى، أشرقت الشمس ولم تشرق على أولاده وحماره الذين أمسوا طعماً للأسماك في مصب النهر بالبحر الأبيض المتوسط.

عند وصولهما إلى منزل شقيقة الزوج في تمسمان، بدأ البكاء والعويل لهول الصدمة، دخلت الزوجة في غيبوبة لم تستفق منها أبدا إلى أن فارقت الحياة وتم دفنها هناك بإحدى مقابر تمسمان، آمن الزوج بقدره، فقرر الانضمام إلى الثوار إلى أن استشهد بإمزورن بعد أن تلقى تسع رصاصات في صدره من بنادق قوات المخزن، فأسدل الستار عن حركة ” أمزيان ” وتم إصدار ظهير العسكرة!

شهادة تاريخية عن قصة واقعية

محمد الحنودي

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *