يكتسي موضوع “الدولة الاجتماعية” في السياق المغربي الحالي، راهنية فضلى تجد منطلقها الأساسي في التوجيهات والقرارات الحاسمة ، والخطب السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
خطب يعتبرها كل متتبع بمتابة الدروس، ليس فقط للفاعل الحكومي والسياسي ، بل كذلك الفاعل المدني ، والذي أضحى شريكا استراتيجيا للدولة ، في تنزيل سياستها العمومية في مختلف المجالات .
فمنذ أن تربع جلالة الملك محمد السادس ، على العرش في 30 يوليوز 1999 ، شهد المغرب تحولا جدريا ، شكل بداية ملكية ثانية ، ونقطة إنطلاق لتأسيس مرحلة جديدة بالمغرب للتعاطي مع المعضلة الإجتماعية، فكانت أول البذور ، الإعلان عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 18 ماي 2005، والتي تهدف إلى محاربة الفقر ، وتعزيز ما تحقق من مكاسب سياسية، عن طريق العمل على النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومحاربة الفوارق الطبقية والمجالية.
وتمحورت المبادرة في مرحلتها الأولى 2010-2005 حول أربعة برامج، استهدفت مختلف الفئات الاجتماعية، وتتمثل في إطلاق برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي، وبرنامج محاربة الاقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري، برنامج محاربة الهشاشة، إضافة الى برنامج يهم جميع الجماعات القروية والحضرية غير المستهدفة.
غير أن ضعف سياسة التنزيل أدى بهذه المبادرة الى محدوديتها على المستوى الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بالولوج إلى البنيات التحتية والخدمات الأساسية.
إذ أكدت دراسة وقع المبادرة الوطنية على مستوى العيش والتنمية الاجتماعية أن البرامج والمشاريع التي أنجزت في إطار المبادرة لم تحسن بشكل ملموس من وضعية أسر الجماعات القروية المستهدفة، ونفس الشيء تم تأكيده بخصوص الفقر المتعدد الأبعاد، إذ لا يوجد اختلاف في المؤشرات المتعلقة بالفقر التي ضلت متعدد الأبعاد بين المناطق المستهدفة وغير المستهدفة.
كما أن البعدين الرئيسيين للتنمية البشرية المتمثلين في التعليم والصحة، باعتبارهما عاملين أساسيين للحد من انتقال الفقر بين الأجيال، غير متأثرين بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.واستمر الحال على هذا الوضع الى أن تنامت المطالب الشعبية ساعية الى تحقيق هدف جماعي وهو بلوغ مصاف الدول الصاعدة أو “الدولة الاجتماعية” وكانت أولى هذه الخطوات بروز الحركات الاجتماعية (حركة 20 فبراير كحركة تحمل مجموعة من المطالب الإجتماعية) ،والتي ساهمت في الدفع نحو تغيير الأوضاع الاجتماعية، والاتجاه نحو إقرار الدولة الاجتماعية، وقد تم تفعيل الإرادة السياسية للدولة في هذا الشأن من أجل إقرار مقومات الدولة الاجتماعية، لما تكتسيه من أهمية بالغة لتحقيق الرفاه المجتمعي، على اعتبار أن السياسات الاجتماعية التي كانت سائدة شابها العديد من الاختلالات التي أعاقت الأهداف التنموية والاجتماعية للدولة.
فكان أول هذه الإصلاحات مراجعة الدستور والتركيز فيه على المسألة الاجتماعية وفق تصور جديد يستجيب لمفهوم الدولة الاجتماعية، وبهذا شكل دستور 2011 نقطة تفاعل ملكي مع مطالب شعبية جوهرها تحقيق الدولة الاجتماعية على أساس مطالب تتمثل في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
لهذا فإن الهندسة الدستورية تؤكد المسار المغربي لتحقيق هذا المبتغى، وبهذا التنصيص الدستوري يكون المغرب قد أسس لهذا التوجه من خلال التأكيد على مرجعيته التأسيسية في منطوق الدستور المغربي لسنة 2011 والذي يعتبر وبكل إمتياز كما أجمع عليه فقهاء القانون الدستوري بمثابة الوثيقة الحامية للحقوق والحريات والمؤطرة للتوجه الجديد للدولة المغربية على المبني على الديمقراطية والتعددية وإحترام حقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية والذي يتضح مما تم الإعلان عنه من خلال ديباجة الدستور نفسه و ومرورا بمجموعة من مواده ومنها المواد1 و8 و12 و16 و19 و31 و34 و135 …
الأمر الذي شكل خطة طريق وإرادة حقيقية نحو مواصلة المملكة المغربية إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، و مقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة الحقة، وهو المبتغى الذي يتطلب الإنطلاق من تحقيق العدالةالمجالية في توزيع الموارد الوطنية من طاقات بشرية وتعميم الاستفادة من الخدمات الأساسية وتقريبها من المواطنين مثل الطرق،التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباءوالخدمات الصحية من مستشفيات ومستوصفات، ومدارس وغيرها…
ويعد هذا الإصلاح العميق وفي نفس الإطار دائما ما يطلق جلالته مبادرات تنموية إجتماعية نوعيةوإستشرافية لمغرب الغد ، كالنموذج التنموي الجديد والسجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد وورش الحماية الاجتماعية، والتي بفضلها عرف المغرب تماسكا اجتماعيا خلال أزمات كبيرة وعالمية ، مثل أزمة كوفيد19 ، التي نجح المغرب في تدبيرها صحيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا وحقوقيا.
فكان لصاحب الجلالة الملك محمد السادس دورا أساسيا في تدبير هذه الأزمة التي هزت العالم ،بفضل توجيهاته السامية والرشيدة التي جعلت بلادنا من الدول القليلة التي توفقت في تدبير جائحة غير مسبوقة .
وتكرر الأمر نفسه في زلزال الحوز وقبله زلزال الحسيمة ، والذين عبر من خلالها المواطن المغربي عن تماسكه وتلاحمه وتضامنه وتطوعه الذي جعل تدبير مواجهة أزمة زلزال الحوز مغربي مأة في المأة ،أعطى من خلاله المواطن المغربي دروسا في الإنسانية.
ختاما يرى الكثير من محللي السياسة الداخلية للبلاد ، أن الملك محمد السادس نصره الله هو الحارس الأمين للجانب الاجتماعي والمدافع عن أولوية كل إصلاح يهدف إلى تحسين مستوى عيش المواطنين ويحمي الإقتصاد والاستثمار ويقوي من مكانة الطبقة الوسطى ويوسع من قاعدة التنشيط الاقتصادي ، دعما لمشروع الدولة الاجتماعية .
الأمر الذي إستدعى وبإشراف ملكي خلق اوراش مختلفة و فتح ملفات فساد ضخمة تنفس معها المواطن المغربي الصعداء ، فتحصين البناء الديموقراطي اليوم يستوجب نخبا جديدة قادرة على الدفاع عن هذا مشروع الدولة الاجتماعية، ومبلورة للاستشرافات الملكية التي حملتها خطب جلالته خلال 25 سنة من حكمه نصره الله ، أمام مختلف التحديات الإقليمية والدولية .