أكدنا في عمود سابق نشر يوم الثلاثاء 11 مارس 2014 أن نشر الأحكام القضائية المعيبة، التي تريد جمعية “حقوق عدالة” تعميمها، أمر لا يهم القضاة لوحدهم، لكونهم طرف في معادلة صناعة القرار القضائي رغم مسؤوليتهم الكبير في ذلك، أي أن عملية التقييم وتحقيق هدف تجويد الأحكام يهم أولا الاطلاع على محتويات ملف كل قضية للتعليق عليها من طرف متخصصين في المجال، وليس فقط الاكتفاء بالحصول على نسخة الحكم التي لا تعطي صورة واضحة وإجمالية على الملف، خصوصا أن نتيجة الحكم يمكن أن تربط بمساعدي القضاء الذين يحتمل أن لا يحترموا ولا يتقيدوا بالإجراءات الشكلية، مما يجعلهم يخسرون الدعاوى.
وثانيا هل عملية نشر الأحكام المعيبة ستنحصر على الأحكام والقرارات التي تكتسي قوة الشيء المقضي به، أم تلك التي مازالت منشورة أمام القضاء، علما أن التوجه السائد داخل جمعية “حقوق عدالة” هو نشر حتى الأحكام الابتدائية، وبالتالي ماذا عن طرق الطعن؟ وثالثا هل يمكن الاستماع إلى قاضي مصدر الحكم لأخذ وجهة نظره، ولو من باب الاستئناس في إطار تبرير موقفه، وبالتالي ما هو السند القانوني لعملية الاستماع هاته، ورابعا لماذا لا يتم فتح ورش تحديد المسؤولية عن الأحكام المعيبة والرديئة ليس فقط من خلال ما سينتج القضاة، وإنما الاعتماد أيضا على الكم الهائل من الأحكام المتوفرة، ثم تحديد كلفة ذلك بالنسبة للمتقاضين وخزينة الدولة التي تؤدى من جيوب المواطنين، دون الحديث عن الأموال المرصودة من القروض والهبات الدولية.
في هذا السياق فإن عملية تجويد الأحكام القضائية تحت مسميات شتى رُصدت وترصد لها أموال طائلة، إلا أننا مازلنا ندور في البحث عن إصلاح منظومة العدالة التي لم يرد وزير العدل والحريات كشف كلفته، بل إنه بمجرد الإعلان عن خلاصات نتائجه طار رفقة بعض مساعديه إلى ستراسبورغ لعرض هذه النتائج والبحث عن التمويل، علما أنه في غياب الاعتمادات المالية ـ المفترض أن تكون جاهزة وواضحة ـ سيظل الأمر مجرد سراب.
وحتى لا نتيه نعود لنؤكد أن عملية نشر الأحكام القضائية المعيبة والجيدة أمر مهم جداً، ولا علاقة له بالمس باستقلال القضاء، لكن يتعين أخذ الحذر وتعبيد الطريق لتفادي الحوادث.
وبهذه المناسبة ندعو وزير العدل والحريات انسجاما مع شعارات إلى التحديث والتخليق، وإعمال الحكامة، والحكامة الجيدة، وترتيب الجزاء على المسؤولية، إلى الكشف عن الأموال العامة التي رصدت والمرصودة بهدف تجويد الأحكام القضائية، بما في ذلك القروض الدولية والهبات، مع تحديد أسباب تعثر بعض المشاريع، من قبيل ما نشير إليه أدناه.
إن الأحكام المعيبة تهم ليس فقط القاضي وإنما يحتمل أن يكون الخلل في الإجراءات الشكلية أو الموضوعية لعمل المحامي، أو الخبير، أو الموثق، أو العدل، أو كاتب الضبط، أو أعوان التنفيذ، أو الشرطة القضائية، والوكيل القضائي للمملكة، وباقي الإدارات الموكول لها الترافع أمام القضاء… إلخ، كل في حدود مسؤوليته.
وهنا لابد من فتح النقاش حول الأحكام المتعلقة بعدم القبول ورفض الطلبات، وتفعيل التدابير القانونية عن الأخطاء المهنية التي يمكن أن تمس مصالح المتقاضين أو الأموال العامة.
ماذا عن مصير ملايير الدولارات والدراهم لتحديث المحاكم؟
أفاد مصدر أن موقع “الحياة” ليوم 15/4/2001 أوردت الخبر التالي المتعلق هو الآخر بتجويد الأحكام القضائية موضوع حدثنا اليوم:
” وقّعت وزارة العدل المغربية عقداً مع شركة “مايكروسوفت” الأميركية /فرع شمال إفريقيا، لتزويد المحاكم المغربية بعشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر من نوع “بي. سي” ودعمها ببرامج معربة لإدارة قضايا النزاعات تضم موسوعات القوانين المختلفة وشبكة محلية للربط بين مختلف مرافق الوزارة التي بات لها موقع على الانترنت عنوانه: www.justice.gov.ma .
وقال بيان للوزارة إن الاتفاق يشمل تجهيز المكاتب وتدريب المهندسين وإقامة أنظمة معلوماتية حديثة داخل جميع المحاكم المغربية وإنشاء عناوين إلكترونية للقضاء ومواقع محلية لفروع الوزارة للتعريف بنشاطها.
وقال وزير العدل عمر عزيمان لـ”الحياة” إن الاتفاق مع “مايكروسوفت” يهدف إلى تحديث آليات القضاء في المغرب وعصرنة المحاكم ووضع القوانين المختلفة تحت تصرف الجمهور لإضفاء العصرنة والشفافية على قطاع العدل وجعل القضاة والمحامين ملمين بالتكنولوجيات الحديثة.
واعتبر عزيمان أن “القضاء عن بعد” بات ممكناً بفضل أنظمة المعلومات، مما يساعد في تقريب الادارة من الفاعلين الاقتصاديين وتسهيل أمور المتقاضين وإضافة مزيد من المصداقية لجلب الاستثمارات وجعل التكنولوجيا في خدمة التنمية البشرية.
ويمتد عقد العمل مع “مايكروسوفت” نحو خمس سنوات وتبلغ كلفته 22 مليون دولار، وهو أضخم برنامج معلوماتي باللغة العربية من نوعه في المغرب.
وكانت “مايكروسوفت” فرع شمال إفريقيا حصلت مطلع السنة الجارية – 2001- على صفقات مماثلة مع عدد من المؤسسات العامة في المغرب بقيمة نحو 50 مليون دولار شملت المكتب الوطني للسكة الحديد ومكتب الماء الصالح للشرب ومكتب الكهرباء وبعض الادارات الحكومية.
وقال مدير الشركة في المنطقة “جان فيليب كورتوا” إن شمال افريقيا والشرق الأوسط مرشحة لتصبح واحدة من أكثر المناطق طلباً للتكنولوجيا في السنوات القليلة المقبلة وتوقع أن يرتفع الطلب إلى 20 في المئة سنويا“.
إلى هنا ينتهي الخبرالصادر عام 2001، والأكيد أن توقعات المسؤولين عن استثمارات شركة “مايكروسوفت” قد حققت أرباحها، لكن ماذا عن الأموال التي استثمرت في تحديث المحاكم المغربية، بدءا مما عشته شخصيا في التسعينيات، حيث أحدث ما سمي ب “صندوق لتوسيع المحاكم وتجديدها”، الذي كانت تقتطع لفائدته آنذاك 20 في المائة من مداخيل المحاكم، وقدمت أيضا قروضا وهبات دولية لنفس الغرض في عهد وزراء العدل اللاحقين للدكتور عزيمان، وهم المرحوم محمد بوزبع، وعبدالواحد الراضي، والمرحوم محمد الطيب الناصري، وحاليا المصطفى الرميد.
ولكي نبقى في حدود موضوعنا نتساءل، لمجرد التساؤل لا غير، ماذا عن مصير الصفقة الآنفة الذكر المتعلقة ب 22 مليون دولار؟ وهل هناك فعلا، مثلا قرض للبنك الدولي بقيمة 7،6 مليون دولار”70 مليون درهم” كان قد منح في عهد وزير العدل عزيمان لإصلاح القضاء” تحديث المحاكم، والمحاكم التجارية، والمعلوميات “؟، ثم لماذا تعثر أيضا مقترح إنشاء قاعدة إلكترونية للأحكام القضائية، التي كان سيمولها الاتحاد الأوربي، وذلك بعد أشهر من تعيين وزير العدل المرحوم محمد بوزبع، علما أن هذه القاعدة كانت تهدف إلى التعليق على الأحكام القضائية، وتمكين عموم المتقاضين من الاطلاع عليها والاطلاع على الاجتهاد القضائي، وتجويد الأحكام القضائية.
في هذا السياق ما زلنا نتذكر القيل والقال بشأن تجهيز المحاكم بالحواسيب في عهد وزير العدل بوزبع، والمكاتب والكراسي، وما زلنا نحلم مع وزير العدل والحريات المصطفى الرميد بإحداث محاكم رقمية في أفق 2020، كما أكد ذلك بعظم لسانه، في وقت ما زالت بنايات المحاكم يرثى لحالها، وبعض قاعاتها مزينة بحواسيب معطلة، وأماكن استقبال المتقاضين مهجورة من العاملين فيها.
ودون التفصيل في وضعيات بنايات المحاكم، وما تحدث عنه وزير العدل بشأن: ” تحديث آليات القضاء في المغرب وعصرنة المحاكم ووضع القوانين المختلفة تحت تصرف الجمهور لإضفاء العصرنة والشفافية على قطاع العدل وجعل القضاة والمحامين ملمين بالتكنولوجيات الحديثة” نتساءل: ماذا عن مصير ملايير الدولارات والدراهم المرصودة في هذا المجال؟
ألا تستحق مثل هذه المعطيات فتح الملف، بدءا من تعطيل مشاريع وقضية الحواسيب؟