تعقيب على تصريحات الدكتور أحمد حرزني بخصوص الامازيغية

فوجئت كغيري من النشطاء الأمازيغ ،والمهتمين بالشأن الأمازيغي بشكل عام . بمداخلة الدكتور أحمد حرزني “فضلت صفة الدكتور احتراما لمكانته العلمية ولشهادة الدكتوراه التي تحصل عليها من الولايات المتحدة الامريكية منذ ربع قرن “يوم الاربعاء الماضي 17/10/2018 بمقر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ( IRCAM )بمناسبة الاحتفاء بالذكرى 17 لخطاب أجدير تحت عنوان “إعمال ترسيم الأمازيغية وآفاق مأسستها”

مداخلة وصلتنا منها بعض المواقف ، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يكتنفها الغموض او الالتباس ، مواقف جريئة و صريحة تعكس نظرة و مواقف الدكتور أحمد حرزني تجاه الأمازيغية ” لغته الأم” ،وتعكس كذلك مكانة الأمازيغية بمخيلة الدكتور بحيث تشغل حيزا مكانيا واسعا فيها .رغم تحفظه الظاهر كل الوقت ، هذا التحفظ المبني على مبدأ ‘التقية ‘ السياسية والأيديولوجية، لاعتبارات المناصب الرسمية التي تقلدها ويتقلدها لغاية كتابة هذه الأسطر .

وقبل تحليل تفاصيل تصريحات الدكتور أحمد حرزني والمغالطات التي شابتها ، يتوجب أولا ان ننوه بحكمة عميد المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، الأستاذ أحمد بوكوس الذي لم يمنح الفرصة لأي سجال مرتبك بين النشطاء الامازيغ الحاضرين و بين الدكتور أحمد حرزني . وهذا ينسجم مع مواقف الحركة الأمازيغية وخطابها المؤسس على إيلاء العناية للمعطيات العلمية الواضحة في النقاشات ، لتأكيد الوقائع والبرهنة على مدى صحتها من عدمها، وهذا ما لمً يتوفر مناخه في سياق تصريحات الدكتور أحمد حرزني.

وأول مغالطة استعملها الدكتور أحمد حرزني في تصريحه ، وهو عندما استبق الحديث بتوظيف مغالطة ( أنا امازيغي أصيل ) وهي مغالطة عدم الترابط المنطقي بين النتائج و المقدمات، علما أنه من شروط الحجة الصحيحة هي :

صحة المقدمات ..و صحة الترابط المنطقي بين النتائج و المقدمات

ومقدمة حجة الدكتور قد تبدو صحيحة، من الوهلة الأولى فالأمازيغي أصيل بطبعه ، غير انه لا ترابط منطقي بين المقدمة والنتيجة ،التي تؤكد أن دكتورنا لا يمثل الامازيغية ولا علاقة له بها إلا بيولوجيا ، وكذلك لا يربطه بها إلا لسان مُدرج مثقل بعبق الأمازيغية .

فخصوم الأمازيغية من الأمازيغ أنفسهم غالبا ما يعرفون أنفسهم على أنهم أمازيغ ( أُصلاء ) ، وبما أن الأمازيغي أصيل ، فإنهم كذلك اصلاء وبذلك يوظفون هنا مغالطة أخرى ،وهي مغالطة التماثل والتي تتخلص في انه إذا أعطينا صفة الأصالة للدكتور فقط لأنه أمازيغي ، فهذه مغالطة منطقية لأنه ليس شرطا أن يكون الأمازيغ كلهم أصلاء ..

 

وبعد التوسل بالمرجعية الأمازيغية يستفيض الدكتور المختص في علمً الاجتماع والدارس للانثربولوجياً، أي علومً الإنسان وسلوك البشر في مغالطاته ، ويُفعّل ( لكن الاستدراكية ) ليقول بأنه رغمً كونه أمازيغي ” أصيل” ( لكنه) ضد ترسيم اللغة الأمازيغية لأن المغرب حسب تعبيره “بلد فقير ولا يمكنه أن يتحمل التكلفة المالية للغتين رسميتين”

وهنا وجب التذكير بأن الدكتور كان عضوا باللجنة الاستشارية لمراجعة دستور 2011 والتي كان قد قام بتنصيبها الملك محمد السادس آنذاك ، هذا الدستور نفسه الذي كانت من نتائجه دسترة اللغة الأمازيغية وجعلها لغة رسمية ، ومن هنا ندركً التناقض الصارخ في مواقف الدكتور او ربما “تقيته” آنذاك ، بل بنصبه العداء للامازيغية قد تخندق في خندق أعداء الوطن ، وتخندق ضد المكتسبات الديمقراطية ، عندما يعارض أو يتأفف من توجهات وتوجيهات عاهل البلاد ، فترسيم الامازيغية تعزيز للديمقراطية في هذا البلد ، هذه الديمقراطية نفسها التي يدافع عنها الدكتور ، ولكنه في هذا الموضع أصبح يدافع فقط عن ديمقراطية انتقائية مبنية على الأهواء والمصالح .

وعندما يتحدث الدكتور حول كون المغرب بلد فقير ، ولا يمكن له أن يعتمد لغتين رسميتين نظرا للتكلفة المالية الكبيرة لهذه العملية، نقول له الدكتور حرزني تناسى التكلفة المالية الكبيرة لهيئة الإنصاف والمصالحة والتي استفاد منها هو شخصيا لكونه كان معتقلا سياسيا سابقا ، فلماذا لم يفكر ساعتها أننا بلد فقير وقام بالتنازل عن التعويض المادي الضخم خصوصا وانه اعترف لاحقا بأنه اخطأ بمعارضة نظام الحسن الثاني ، والمارق شرعا وحسب القوانين الوضعية كذلك لا حقوق له !!

فلماذا يقبل الدكتور تعويضا ماليا كبيرا ويعتبره حقا من حقوقه وينكر في نفس ألان ذلك على الشعب المغربي الذي يريد حقا من حقوقه الهوياتية العادية جدا والمتمثلة في ترسيم اللغة الامازيغية ،

أين “جبر الضرر الجماعي وإنفراد المغرب بذلك ” الذي كان يصدح به الدكتور ايام رئاسته للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ؟!!

أليس إيلاء العناية لهوية شعب بأكمله جبرا للضرر المعنوي في حد ذاته ؟!! وتقوية المكتسبات الديمقراطية في البلد ؟!!

أليست الأنشطة التي يحضرها الدكتور بصفته الرسمية كسفير متجول بسفارات وقنصليات المملكة ببلدان العالم نوع من الترف الذي يرهق مالية المملكة ” الفقيرة”؟!!! هاتهً الأنشطة التي لا تنفع المواطن العادي البسيط في أي شيء ، بل تسرق له ملايين الدراهمً من حقه بداعي ” نشر صورة جميلة حول المغرب ” والدكتور متواجد في أفخم الفنادق العالمية فرح بما أتاه الله من فضله على حساب ميزانية بلد ” فقير ”

الدكتور الذي غابت في سياق مداخلته تفاصيل ومعطيات متعددة وكثيرة بفعل العمى الأيديولوجي وربما عمى الألوان ( الأصفر..الاخضر…الأزرق) ، لديه تكوين علمي محترم بالولايات المتحدة الأمريكية وبالمغرب ، فكيف يدعو لإزاحة حرف التيفيناغ وهو المختص في تاريخ الشعوب وسلوكياتها ؟!!! وهو نفسه من يدعو للانفتاح على الثقافات الأخرى من اجل التلاقح الحضاري!! وهو نفسه من يربط اللغة بالوطن !!

فقد سبق للدكتور أن بيّن أهمية اللغة بالنسبة للوطن ، وطبعا أهمية اللغة العربية على حساب اللغة الامازيغية التي اعتبرها لغة أجنبية ، هي ولغات أخرى أجنبية في مقال له منذ سنوات بعنوان (المواطنة: أبعادها التاريخية وواقعها الراهن)

(..لازلنا لا نعلم علم اليقين اذا كانت اللغة العربية فعلا لغتنا الرسمية ، وناشئتنا يتربى جزء منهم في لغة اجنبية وأكثر فأكثر في لغات اجنبية ، بينما السواد الأعظم منها يفتقر الى كل أمن لغوي ، وهذا لا تخفى خطورته البالغة ، فمن لا لغة له لا وطن له …)

الدكتور حرزني الذي تحجج بالفقر لمعاداةً الامازيغية ، مع أن أيديولوجيته تفضحه حين يحاول صناعة فكرة مخيفة بأن الامازيغية ستكون بديلة للغة العربية. وهذا طرح مستحيل التطبيق في المغرب ولا يمكن تقبله حتى بشكل نظري لاعتبارات عدةً ، من بينها التنوع الثقافي واللغوي والمكانة الدستورية للغة العربية في المغرب ، انها ببساطة مغالطة رجل القش وهي المغالطة القائمة على أساس تحريف حجة الخصم التي يدافع بها عن وجهة نظره من خلال صناعة فكرة مخيفة كما قلنا مشابهة للفكرة المطروحة من قبل الخصم.

مثال :

المقابل الأول : برأيي يجب زيادة ميزانية وزارة الصحة ….

المقابل الثاني : وهل تريد انقاص ميزانية وزارة الدفاع….

وأتذكر سنةً 2007 لما استقبل صحافي الجزيرة احمد منصور الدكتور أحمد حرزني من خلال برنامجه ( بلا حدود ) وفي كل سؤال حساس يطرحه احمد منصور بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان يرد عليه الدكتور بلغة خشبية :

انها مجرد ادعاءات أين المعطيات والأرقام..أنا أؤمن فقط بالمعطيات والأرقام ..

وها نحن بدورنا نطالب من الدكتور صاحب المعطيات والأرقام أن يمدنا بنفس المعطيات والأرقام حول ما قاله بالنسبة للامازيغية وحرف التيفيناغ وهذا ما طالبه به الأستاذ أحمد عصيد عندما صرح بأن ” السيد حرزني يتحدث دون معطيات، فهو لا يملك أية تقارير أو دراسات تساند ما يطرحه……..و كون العديد من المتحدثين عن الأمازيغية يتكلمون عنها عبر مزاجهم الفردي، ولا يستندون إلى أدنى أطروحات علمية وأكاديمية..”

وأظن أن المسألة التي لا زالت لم تجد طريقها إلى ذهن الدكتور أحمد حرزني بشكلها السليم والصحيح . أن عصر الاصطفاف الايدولوجية ومصادرة حق شعوب ب “عينها” قد ولى وحان الوقت لخدمة الوطن ،والمصالح العليا للوطن وللمغاربة كل من منصبه وموقعه، وليس عبر السياحة الرسمية على ظهر الشعب المغربي ” الفقير “.

*أگلدون اذبكريم *ناشط امازيغي وكاتب رأي

 

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *