د. محمد اشتاتو – أستاذ جامعي وخبير تربوي دولي
لقد شكلت نتائج المنتدى الدولي حول التربية للجميع (داكار 2000) انطلاقة جديدة للعمل الدولي في مجال تطوير الأنظمة التربوية ومواءمتها مع متطلبات التنمية المستدامة في بداية الألفية الثالثة، كما كان هذا الملتقى محطة حاسمة، أتاحت الفرصة لتقييم جهود الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية من أجل مبدأ التربية للجميع الذي سبق أن دعا إليه مؤتمر جومتيان سنة 1990.
وقد تم من خلال هذا الملتقى تجديد الدعوة لمواصلة الاهتمام بضرورة توسيع قاعدة التعليم لتشمل جميع أفراد المجتمع، وتعزيز آليات التنفيذ والمتابعة على المستوى الوطني والدولي، وتحديد نهاية سنة 2015، موعدا لبلوغ الأهداف المرسومة وتحقيق التربية للجميع. وموازاة مع مبدأ تعميم التعليم، أكدت نتائج ملتقى داكار ضرورة تكثيـف الجهود من أجل تحسين جودة التعليم، ليصبح تعليماً هادفا وقادراً على الاستجابـة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في تعزيز قيم التفاهم والتسامح والسلـم والحوار.
وقد جاءت نتائج هذا الملتقى الدولي مؤكدة ضرورة تحقيق مبدأي التعليم للجميع والتعليم الهادف، وأولوية انتقال العملية التعليمية من مجرد الحفظ والتلقين، إلى الفهم والإبداع والتطبيق، وتنمية القدرات الخلاقة لدى المتعلم، وتنشئته تنشئة متبصرة بحقائق عصره ومحيطه المادي والبشري. وقد حققت الدول خلال السنوات المنصرمة جزءا كبيرا من الأهداف المرحلية التي رسمتها لتفعيل مبدأي التعليم للجميع والتعليم الهادف ، خاصة في مجال التكامل بين برامج محو الأمية وتعليم الكبار وبرامج التعليم الأساسي، وفتح القنوات بين التعليم النظامي والتعليم غير النظامي، في إطار تحقيق التعليم للجميع.
كما تمت بلورة صيغ تعليمية للفئات المهمشة، لتهتدي بها الدول في مجال العنـاية بتعليم الفئات ذات الاحتياجـات الخاصة، وتطوير عدد من المناهـج الدراسية وتحديثها، وتحسين استخدام التكنولوجيا التربوية لتطوير الأداء المدرسي، وإعداد المعلم في مجال التعليم عن بعد والتعليم المفتوح من خلال تحسين فاعلية الأداء في مختلف المؤسسات التربوية والارتقاء بجودة التعليم، والحرص على إثارة حوافز المتعلّم والمعلم، والتخطيط لتحقيق النجاح، والتعلّم للإتقان، وإيجاد بيئة تعليمية مناسبة، والحرص على التنوع التعليمي والتعليم التعاوني، والتعلّم بمساعدة وسائل التكنولوجيا التربوية الحديثة.
التعليم الهادف للجميع:
شهد العقدان الأخيران من القرن العشرين، تطورات متلاحقة في مختلف مجالات النشاط البشري، وسادت في المجال التربوي تجديدات كثيرة، لعل من أبرزها توجيه العمل التربوي نحو تحقيق مبدأين أساسيين هما : التربية للجميع، والتعليم الهادف. ولقد استطاع المبدأ الأول أن يستقطب اهتماماً إعلامياً كبيراً، وذلك نتيجة لمؤتمر جومتيان، وما أثير فيه من أفكار أهمها الرؤية الموسعة للتعليم، وتلبية الاحتياجات الأساسية للتعليم ثم أخيرا الإعلان العالمي للتربية للجميع، ونتيجة أيضا لآليات التنفيذ والمتابعة على المستوى الوطني والمستوى الدولي.
أما المبدأ الثاني وهو التعليم الهادف، فقد حظي باهتمام أقل وأحيانا لم يحظ بعمل إيجابي مؤثر حتى الآن. وذلك على الرغم من أهميته القصوى في تحقيق فاعلية الأداء لمختلف مؤسسات التربية، بل جهود التنشئة الاجتماعية، ويستند العمل في هذا المبدأ إلى أن العبرة في الإنجاز التربوي ليست بالكم وحده، إذ من الضروري الارتفاع بجودة التعليم إلى أقصى حد، لأن ضعف مستوى التعليم يعوق التنمية البشرية، ويقلل الطلب على فرص التعليم المستمر، ويُنقص المخرجات ويضيع الموارد.
ويتحقق التعليم الهادف بالحرص على تحقيق فاعلية التعليم، ويؤثر في ذلك مجموعة من العوامل أهما: زيادة زمن التعليم، والحرص على إثارة حوافز المتعلّم والمعلم، والتخطيط لتحقيق النجاح، والتعلّم للإتقان، وتخطيط الدروس، وإيجاد بيئة تعليمية مرتبة، والحرص على التنوع التعليمي والتعليم التعاوني، والتعليم بمساعدة الحاسب الآلي ووسائل التكنولوجيا التعليمية، واندماج الآباء والأولياء في العملية التربوية … الخ.
إن العامل الأول لتحقيق التعليم الهادف والذي اعتمدته العديد من الدول في برامجها ومشاريعها التربوية هو تأسيس التربية على قاعدة سليمة من المفاهيم والأهداف، أي أن تكون موجهات السياسة التعليمية محددة وأصيلة. وذلك أن كل مفردات العملية التربوية : المناهج والكتب وتكنولوجيا التعليم، وطرق التعليم والتعلّم، والمعلمون، والإدارة التربوية، وتطبيقاتها في جميع مراحل وأنماط التعليم النظامي وغير النظامي، كل هذه المفردات وتطبيقاتها ليست إلا وسائل لترجمة المفاهيم وتحقيق الأهداف وتفعيل البنى التنظيمية.
ومن الظواهر السالبة التي تعانيها السياسات التربوية والنظم التعليمية في كثير من الدول ، أمران : الأول أن السياسة والنظم ليست أصيلة، بل منقولة من دول أخرى، غالبا ما تكون هي دول الاستعمار السابقة، والثاني أن هناك ازدواجية بين التعليم المدني (الحديث) والتعليم الديني (الأصيل)، مما يؤدي بصورة عامة إلى عدم تكافؤ الفرص بين مخرجات النظامين، وإلى ضعف وحدة المجتمع، بل إن هذه الازدواجية تصل في بعض الدول إلى ثلاثية، فهناك بالإضافة إلى هذين النمطين، مدارس للتعليم باللغات، يختلف مستوى مخرجاتها عن النمطين الأولين. ويتمثل الأساس الأول للإصلاح التربوي وتحقيق التعليم الهادف في علاج هذين الأمرين، وذلك بمساعدة الدول على إجراء مراجعة شاملة للمنظومة التربوية من أجل تحديد المفاهيم والأهداف وتجديد البنى التنظيمية لتحقيق التعليم الهادف.
المناهج والكتب المدرسية وتكنولوجيا التعليم:
إن تحقيق التعليم الهادف، يتطلب إصلاحاً شاملاً لكل عوامل التربية، وعلى رأسها المناهج والكتب المدرسية وتكنولوجيا التعليم، حيث تشكل هذه المفردات الثلاث المدخلات المادية الأساسية لعملية التربية. ويرجى في هذا المجال تكييف الوسائل لتحقيق الغايات والأهداف. ولاشك أن هناك ارتباط عضوياً بين الفلسفات والمفاهيم والنظم من ناحية، وبين المناهج والكتب وفرص استخدام التكنولوجيا التربوية من ناحية ثانية. كما أن هناك ارتباطاً عضوياً بين الخبرات المتراكمة لدى المؤسسة التربوية في مجتمع ما والمستوى الكيفي والكمي لهذه العوامل الثلاثة (المناهج والكتب وتكنولوجيا التربية).
والمطلوب أن تتصف أنشطة العمل في هذا المجال بثلاث سمات أساسية. أولا أن تتسق مع أهداف السياسة التعليمية وتنظيمها. وثانيها أن تتكامل فيما بينها، وثلاثا ألا تتخلف عن الاتجاهات التربوية الحديثة. ولبلوغ ذلك يتحتم تطوير الكتب المدرسية، وتطويع تكنولوجيا التربية للاحتياجات التعليمية، والاستفادة من الوسائل التكنولوجية باعتبارها وسائل تعليمية في مختلف مراحل التعليم.
وقد يتم تحقيق هذا الهدف من خلال :
- المناهج العصرية :
- بناء المناهج الدراسية في مختلف مراحل التعليم وفي مختلف المواد الدراسية على أسس علمية وتربوية تيسر تحقيق التعليم الهادف؛
- عصرنة المناهج بحيث لا تختلف عن معطيات التقدم العلمي والتكنولوجي؛
- اتساق مناهج المواد المختلفة في إطار النظرة التكاملية إلى فروع العلم والمعرفة.
- الكتب المدرسية :
- تحسين النظم الإدارية لإعداد الكتب المدرسية؛
- تحديث الكتب المدرسية ؛
- تشجيع إنتاج كتب مدرسية متميزة.
- تكنولوجيا التربية:
- تحسين استخدامات التكنولوجيا التربوية في ترقية الأداء المدرسي لتحقيق التعليم الهادف؛
- تصميم وإنتاج بعض وسائط تكنولوجيا التربية؛
- تعظيم استخدامات تكنولوجيا التربية في برامج إعداد وتدريب المعلمين.
طرق التعليم والتعلّم :
يجدر الإشارة إلى أن تحولاً كبيراً قد طرأ في العقود الأخيرة على محور الاهتمام في عملية التعلّم والتعليم. ففي ظل فلسفة نقل المعارف والحقائق والمفاهيم، تمحور الاهتمام بالتعليم لتحقيق أكبر قدر من اكتساب المعرفة. أما الآن فإن الهم الأكبر للعاملين في المجال التربوي هو التعلّم وذلك تأسيساً على أربعة أمور، الأول أن تنمو قدرة الدارس على اكتساب الخبرة لينتقل من موقف المتلقي السلبي إلى موقف المشارك الإيجابي، والثاني أن يرتكز الاهتمام على طرق التعلّم أكثر من التركيز على مادة التعلّم، والثالث أن يتيسر للدارس الاستمرار في التعلّم من خلال اكتساب مهارات التعلّم الذاتي، والرابع أن تتاح فرص تطبيق أنماط جديدة للتعليم كالتعليم عن بعد.
ولا يعني ذلك كله إهمال التعليم، فالموقف التعليمي (تعليم – تعلّم) موقف تشاركي تفاعلي، لابد فيه من العمليتين معاً، وقد تطورت عملية التعليم تطورا كبيرا في العقود الأخيرة، ليس فقط بسبب التقدم في استخدامات تكنولوجيا التربية، بل بسبب الخبرات المتراكمة في مجال طرق التدريس على وجه الخصوص، وفي هذا المجال انصب الاهتمام على مهارات التدريس، والتعليم المصغر، والطرق التفاعلية في التعليم كحل المشكلات، وتمثيل الأدوار، الخ…
ويتم تنفيذ ذلك من خلال البرامج التالية :
- مهارات التدريس وتطبيقاتها:
- تحسين مستوى الأداء التعليمي في جميع مراحل التعليم؛
- اكتساب أطر التوجيه والتدريس خبرات في استخدام مهارات التدريس في المواد المختلفة.
- طرق التعليم :
- الاستفادة من طرق التعليم المتطورة في جميع مراحل التعليم النظامي وبرامج التعليم غير النظامي؛
- اكتساب مسؤولي إعداد وتدريب المعلمين مهارات استخدام طرق التعليم المختلفة في تدريب المعلمين.
- التعليم الذاتي والتعليم عن بعد :
- إعداد مستلزمات برامج التعليم عن بعد؛
- توطين التكنولوجيا التربوية اللازمة لتنفيذ برامج التعليم عن بعد؛
- تبني برامج التعليم عن بعد.
المعلّم:
تتعدد مستويات الموارد البشرية اللازمة لتحقيق التعليم الهادف، ابتداء من واضعي السياسة والمخططين، والمديرين، والمشرفين الفنيين، ووصولا إلى المعلمين، وصحيح أن المعلم يقبع في نهاية السلم الوظيفي بين المستويات الوظيفية، إلا أنه يحتل قمة الاهتمام من حيث أثره في تحقيق أهداف السياسة التعليمية، إذ تتمثل في أدائه المحصلة النهائية للنظام التعليمي ككل. ولقد تغير عمل المعلم، من كونه الطرف الرئيسي في عملية التعليم باعتباره حامل المعرفة وممثل الخبرة المتراكمة، إلى كونه مدير عملية التعليم باعتباره مصمم الموقف التعليمي ورائده، إلى كونه ميسّر عملية التعليم باعتباره موجها لجهود الدارسين لاكتساب الخبرة، وفي كل الأحوال فإن النظم التعليمية في كل أنحاء العالم ليس بوسعها الاستغناء عن المعلم على الرغم من التقدم الهائل في التكنولوجيا التربوية، ولا يقتصر دور المعلم على أدائه المهني فقط، وإنما يمتد إلى دوره الاجتماعي باعتباره قدوة لتلاميذه من ناحية، وباعتباره رائداً في إطار المجتمع المحلي من جهة أخرى. وقد تمكنت الدول المتقدمة من تثبيت هذه المعطيات من خلال :
- إعداد المعلمين:
- تحديث نظم إعداد المعلمين (تأهيلهم قبل الخدمة) لمختلف مراحل التعليم؛
- تحقيق تبادل الخبرات في مجال إعداد المعلمين؛
- تيسير إعداد المعلمين للعمل التكاملي في مدارس المرحلة الابتدائية.
- المعلمون أثناء الخدمة:
- تحسين المستوى الإداري والتنظيم المالي لمراكز تدريب المعلمين أثناء الخدمة؛
- تحديث وتقنين برامج تدريب معلمي المواد المختلفة أثناء الخدمة؛
- اكتساب مسؤولي التدريب أثناء الخدمة مهارات في تخطيط برامج التدريب وتقييمها.
- المستوى المهني والاجتماعي للمعلمين :
- تهيئة فرص الارتقاء بالمستوى المهني والاجتماعي للمعلمين؛
- تعزيز التعاون بين منظمات المعلمين واتجاهاتهم؛
- تفعيل دور المنظمات غير الحكومية في تخطيط النظم التعليمية وإدارة مؤسساتها.
الإدارة التربوية:
تحتل الإدارة التربوية موقعاً رئيسياً ضمن العمليات في أي نظام (مدخلات، عمليات، مخرجات) بل أن كثيرا من المفكرين يعتقدون أن أهم الفروق بين نظام ناجح وآخر غير ناجح يكمن في مدى كفاءة الإدارة، ويصدق ذلك طبعاً على الإدارة في النظام التعليمي، فالإدارة هي المسؤولة عن تحويل أهداف السياسة التعليمية وعناصر خطة التعليم إلى إجراءات تنفيذية، وكذلك عن تنظيم العلاقات بين العاملين وتحديد أدوارهم، وعن تهيئة المناخ الملائم لإتمام العملية التربوية، وهناك حلقات من الإدارة في التعليم تبدأ من الإدارة على مستوى المؤسسات التعليمية. ولقد تطورت هياكل الإدارة التعليمية والإدارة المدرسية نتيجة التقدم في علوم الإدارة من ناحية، وفي علوم التربية من ناحية ثانية، وفي التقنيات الحديثة من ناحية ثالثة، إلا أن الإدارة التعليمية في كثير من الدول لم تتطور بالقدر الكافي سواء لعدم إعطائها الاهتمام المناسب أو لعدم إعداد القائمين بها وتدريبهم.
وقد أدركت الدول المتقدمة الدور الرئيسي الذي تلعبه الإدارة التعليمية في تحقيق التعليم الهادف، وعملت على تطوير الإدارة التربوية وتحديثها، بحيث توظف لخدمة العملية التربوية مع تحقيق أقصى استفادة من الإمكانات المتوفرة وذلك من خال البرامج التالية :
- هياكل الإدارة التعليمية والمدرسية :
- تحديد المسؤوليات لأطر الإدارة التعليمية والمدرسية في مستوياتها المختلفة؛
- نشر الوعي باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في ممارسات الإدارة التعليمية والمدرسية؛
- تبادل الخبرات في مجال الإدارة التعليمية والمدرسية.
- اختيار الأطر الإدارية وتدريسها أثناء الخدمة :
- تحديد أسس اختيار أطر الإدارة التعليمية وتأهيلها لمستويات الإدارة التعليمية المتنوعة؛
- اكتساب المسؤولين عن تدريب الأطر الإدارية في التعليم خبرات في تخطيط برامج التدريب وتقويمها؛
- اكتساب أطر الإدارة التعليمية المهارات اللازمة لأداء عملهم وتحديثه.
استشراف المستقبل في مجال التعليم الهادف للجميع :
و يتم ذلك من خلال السعي مستقبلا في مجال التعليم الهادف إلى صياغة نظام تعليمي تستجيب مضامينه ومناهجه لاحتياجات الدول الحقيقية، ويحتوي على عناصر التجديد ومتطلبات العصر، ويقدم الخدمات التعليمية النظامية وغير النظامية المتعلقة بالتعليم الأساسي للجميع، بعيدا عن التهميش والإقصاء، موفرا تكنولوجيا الإعلام والاتصال لجميع الفئات المتعلمة، لتحسين التعليم والرفع من جودته وفعاليته، والبحث عن طرق تعليمية بديلة أقل تكلفة، وأكثر مرونة وتنوعا.
ولبلوغ هذه الأهداف الإستراتيجية، يرجى تقديم الدعم والاستشارة الفنية للدول لمساعدتها على تنفيذ خططها الوطنية الخاصة بتعميم التعليم، وتعزيز التعليم الأساسي للفتيات وإتاحة الفرص المتكافئة لتعليم الذكور وتعليم الإناث، وتشجيع السياسات التعليمية للجميع المندرجة في إطار خطط تنموية مندمجة واستراتيجيات للحد من الفقر. كما يرجى عقد اجتماعات خبراء إقليمية ودولية لدراسة القضايا المتعلقة بالتعليم الهادف، واقتراح الحلول العملية لتحقيقه، وإعداد الدراسات والبحوث ذات الصلة، لوضعها رهن إشارة المسؤولين والفاعلين التربويين. ويمكن بلوغ ذلك من خلال المحاور الأساسية التالية :
1- تطوير النظم التربوية:
يتطلب تطوير النظم التعليمية لتأمين احتياجات التعليم الأساسي، وتحسين مضامينها ومواءمتها مع متطلبات التنمية الشاملة، تصميم مناهج جديدة تقوم على تكامل المعارف التربوية وتحديث وظائفها، وطرائقها وأدوات تقييمها، متضمنة المتغيرات الدولية في مجالات التربية، ومستفيدة من التطورات التكنولوجية والمعلوماتية، سعيا إلى جعل التعليم في متناول الجميع وتنمية مهارات التفكير، بعيدا عن التهميش والتقليد الذي يحد من القدرات الإبداعية. وتعتبر المناهج والكتب المدرسية وتكنولوجيا التعليم، بما توفره من تجديد مفهومي للعملية التعليمية ووسائل وتقنيات سمعية بصرية حديثة إسهاما رئيسياً في تحقيق المهارات المطلوبة والأهداف السلوكية المنشودة.
ويمكن تنفيذ هذا التطوير المنشود من خلال البرامج التالية :
- الكتاب المدرسي ومناهج التعليم الهادف.
- تكنولوجيا التربية في خدمة التعليم الهادف.
2- التجديد التربوي:
يتنامى الوعي إزاء التحديات الحضارية والتكنولوجية بأهمية البحث والتخطيط التربوي، الذي تؤكد الدراسات المتخصصة دوره الرئيسي والمباشر في تطوير النظم التربوية والارتقاء بها إلى المستوى المنشود. وإذا كان اللحاق بركب التقدم في إطار ثوابت الهوية الوطنية يتوقف على تجديد النظم التربوية الواعية بالتحديات والمستجيبة للاحتياجات والحامية للهويات، فإن العناية بمراكز البحث التربوي والباحثين، وتكامل جهودها مع المؤسسات التربوية، يعتبر من الأولويات الكبرى في مشروع النهوض الحضاري، يوازيه في الأهمية التخطيط لتحسين العملية التربوية وتطويرها، باعتبارها عملية مستمرة قابلة للتقويم، من خلال فهم الواقع، وتحديد مشكلاته، ورسم الأوليات، لتصبح البرامج التعليمية أكثر مواءمة للاحتياجات الفعلية. ذلك أن مشكلات التعليم تعود في معظمها إلى عدم العناية الكافية بالبحث والتخطيط التربوي لتحديد إستراتيجية واضحة المعالم، تستطيع تحديد الأهداف التي تروم النظم التربوية تحقيقها.
وحرصاً على تعزيز الجهود في مجال دعم القدرات الوطنية وتوظيف نتائج البحوث التربوية لتجديد النظم التربوية مواكبة للتطورات المعاصرة واستفادة من المكتسبات العلمية للتخطيط التربوي، بما يستجيب للاحتياجات التعليمية المتزايدة، فالمطلوب تنفيذ البرامج الكبرى التالية على وجه السرعة :
- تطوير مراكز البحث التربوي.
- البحث التربوي والتجديد التربوي.
- التخطيط التربوي والاحتياجات التعليمية.
- التخطيط التربوي والإدارة والتقويم.
3- تكوين المعلم وهيكلة الإدارة المدرسية :
تؤكد البحوث التربوية المتخصصة أن وجود المعلم الذي يتوفر على الكفاءة المهنية والمعرفية والسلوك الملتزم المتميز، يعد من أهم العوامل الفاعلة في تطوير العملية التربوية. ومهما ازدادت التطبيقات التكنولوجية في المجال التربوي، ومهما تطورت النظم التعليمية، مثل مدرسة المستقبل (المدرسة الذكية smart school) التي يتقلص فيها دور المعلم، فإن المعلم سيبقى له الدور الأساسي في توجيه المتعلّم وإرشاده مما يتطلب تحسين برامج إعداد المعلمين، وتقويم كفاياتهم، لتحديد احتياجاتهم التدريبية، وتعزيز برامج التدريب أثناء الخدمة، وتوسيع مجالاتها، وتنويع أساليبها، والعمل على تطوير المحتوى والطرائق لتستجيب للاحتياجات الفعلية للنمو المهني للمعلمين، و يجب أن يشمل هذا الاهتمام الأطر التربوية من مديرين وموجهين تربويين، لتفعيل العلاقات الإيجابية بينهم وبين المعلم، وتغيير طبيعتها. واعتبارا لأهمية هذه القضايا يجب تنفيذ البرامج التالية :
- تحديث نظم إعداد المعلم.
- تحسين المستوى المهني والاجتماعي للمعلم.
- تدريب الأطر الإدارية التربوية أثناء الخدمة.
- تطوير هياكل الإدارة التعليمية والمدرسية.
- تكوين المشرفين والموجهين التربوية.
4- اقتصاديات التربية والتعليم:
صارت معظم الدول وخاصة المتقدمة منها صناعياً، تخصص جزءا كبيرا من موازناتها للتربية، ويرجع ذلك إلى التوسع الكمي وزيادة الطلب على التعليم، ورغم الاقتناع بأهمية قطاع التربية، فقد دعت بعض الدراسات المتخصصة إلى ترشيد الإنفاق على هذا القطاع بصفة عامة، والبحث عن مصادر تمويل جديدة، وتوجيه مزيد من الإنفاق على عناصر الجودة النوعية في النظام التعليمي، وتوسيع قاعدة المشاركة الوطنية في تحمل نفقات التعليم من خلال دعوة المؤسسات والشركات وجمعيات النفع العام إلى المساهمة في تمويل التعليم، وتأكيد المسؤولية المشتركة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، لتخفيف الأعباء التعليمية على الدولة، وربط التعليم باحتياجات المجتمع المدني، وانسجاما مع نتائج منتدى داكار الذي أوصى بربط المجتمع المدني بصياغة السياسات الوطنية ربطاً وثيقاً لضمان تعليم أساسي ذي نوعية جيدة للجميع، أصبح لزاما تنفيذ البرامج الآتية :
- حث القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم.
- تشجيع مبادرات الهيئات والمنظمات الأهلية للاستثمار في التعليم.
- توظيف مصادر التمويل المتنوعة في اقتصاديات التعليم.
5- طرق التعليم والتعلّم الحديثة:
تقدر قيمة التعليم الهادف والمتطور بتعدد قنواته وتنوع وسائله واستمراره مدى الحياة ولا يتم ذلك إلى بالتركيز على قدرات المتعلّم لتنميتها تنمية ذاتية، من خلال توظيف ما تقدمه الثقافة الحديثة من وسائل تعليمية متعددة الوسائط، تستطيع أن تنقل المتعلّم من موقع المنفعل والمتلقي إلى موقع الفاعل والمشارك في العملية التعليمية، وتنمي لديه مهارات التعلّم الذاتي عن طريق تنمية البواعث الإيجابية والرغبة الذاتية في التعلم. وبذلك أصبح من الضروري الاستفادة من هذه التقنيات واستيعابها لتطوير أساليب التعليم، والوصول بالتعليم إلى مختلف المناطق، بما فيها المناطق الريفية النائية، والبعيدة عن مراكز التجمع العمراني، وذلك من خلال البرامج التالية :
- المبادرات الوطنية والدولية في مجال التعليم عن بعد والتعليم المفتوح.
- التكوين في مجال التعليم عن بعد والتعليم المفتوح.
6- تعليم التكنولوجيا والمعلوماتية:
في ظل تطوير العلوم والتكنولوجيا الذي يعرفه العالم اليوم تزداد أهمية تعلّم التكنولوجيا باعتبارها تطبيقات منهجية المعرفة العلمية لاغنى عنها لتحقيق التنمية المستدامة، وقد أكد المؤتمر العالمي للعلوم (بودابست، يونيو 1999) على الحاجة الملحة إلى تزويد المتعلمين الصغار بالمعارف العلمية والمهارات اللازمة المتعلقة باستخدام التقانة وتطبيقاتها لتحقيق التنمية الشاملة. ومن أهم هذه التطبيقات استخدام التقانة في المجال التربوي كوسيلة فعالة في التخطيط والإدارة والتقويم والمتابعة. ولكي يتحقق ذلك لابد من إدخال الحاسوب، كمادة وكوسيلة تعليمية في التعليم الفني وفي التعليم العام، مما سيساعد على الإقبال على التعليم وتنمية الطاقات والمواهب. ويستوجب ذلك وضع استراتيجيات واضحة للاستفادة من الثقافة الحديثة في التعليم ودمجها في العملية التعليمية، وتوفيرها في المؤسسات التعليمية.
يمكن متابعة الدكتور محمد اشتاتو على “تويتر“: Ayurinu@