تقديم كتاب “المغرب وحرب التحرير الجزائرية: جوانب من الدعم والتضامن المغربي مع الجزائر” لعبد الإله كنكا

د. محمد أحميان: أستاذ التاريخ المعاصر كلية الآداب – وجدة

تعززت الخزانة التاريخية المغربية مؤخرا، بصدور كتاب “المغرب وحرب التحرير الجزائرية: جوانب من الدعم والتضامن المغربي مع الجزائر“. وهو في الأصل أطروحة جامعية، نوقشت بكلية الآداب بتطوان، تحت إشراف الأستاذ محمد خرشيش. وقد نشر العمل ضمن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيس التحرير، والذي تم إخراجه في طبعة أنيقة.

يطرح الكتاب بين دفتيه العديد من القضايا، التي تهم العلاقات المغربية الجزائرية إبان حرب التحرير، مُستجليا مظاهر وأوجه الدعم والتضامن الذي قدمه المغاربة لإخوانهم الجزائريين. اعتمادا على مادة مصدرية مهمة ومتنوعة، مما جعل العمل يتميز بالجدة والأصالة. وقد أظهر الباحث، دراية كبيرة في تناول مختلف القضايا التي تثيرها إشكالية الموضوع، وفق منهج صارم، ويظهر ذلك من خلال طريقته في المعالجة والنقد والتحليل.

على المستوى الشكلي: يقع الكتاب في 505 صفحة من الحجم المتوسط، موزعة على مقدمة وقسمين، ويضم كل منهما فصلين، إلى جانب خاتمة وبيبلوغرافيا غنية، كما عُزّز الكتاب بالعديد من الخرائط التوضيحية والجداول والصور. 

أهمية الكتاب وقيمته: حاول الباحث من خلال هذا العمل، تسليط الضوء على المغرب وحرب التحرير الجزائرية. وللإحاطة بإشكالية الموضوع تم استغلال مادة مصدرية متنوعة وفي غاية الأهمية، منها ما تزخر به ربائد الأرشيف المغربي والفرنسي والسوسري وكذا الجزائري، والتي تضم وثائق ومستندات كثيرة ومتنوعة تغطي جوانب تاريخية عديدة، مكنت الباحث من مقاربة الموضوع من جوانب مختلفة.

القضايا المحورية للكتاب: استطاع المؤلف على امتداد قسمي الكتاب والفصول الأربعة المؤثثة له، من ملامسة مجموعة من القضايا والإشكاليات المتصلة بمسألة الدعم والتضامن المغربي مع الجزائر، إبان حرب التحرير الجزائرية. ومن القضايا البارزة التي تم معالجتها، يمكن تقسيمها إلى قسمين: 

القسم الأول: المحطات الأساسية للدعم والتضامن المشترك المغربي-الجزائري

  • قبل سنة 1956: تميزت هذه المرحلة بالتنسيق المشترك بين الحركة التحررية المغربية ونظيرتها الجزائرية عبر مستويات عدة، منها:
    •  تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة، وذلك عقب تشكيل جامعة الدول العربية، مما شجع قادة الحركة الوطنية لبلدان المغرب العربي، من تحويل نشاطها من العواصم الأوربية إلى القاهرة. فعملت على تنسيق جهودها للنضال من أجل الاستقلال.
    •  تأسيس لجنة تحرير المغرب العربي، بعد إنزال الخطابي بالقاهرة واعتماد الكفاح المسلح لتحقيق استقلال بلدان المغرب الكبير. وقصد تحقيق ذلك، تم الشروع في تكوين ضباط عسكريين في الأكاديميات العسكرية للدول العربية المستقلة آنذاك (العراق، سوريا …)، تحضيرا لانطلاق الثورة المسلحة. وفي هذا الإطار، وصل الهاشمي الطود وحمادي لعزيز إلى المغرب والجزائر للاتصال بقادة الأحزاب السياسية لإقناعها بأهمية الخيار المسلح في تحقيق الاستقلال.
    • نشأة جيش تحرير المغرب العربي قصد تحقيق تضامن حقيقي بين الحركات التحررية في هذه البلدان.
  •  بعد استقلال المغرب: تخوف قادة الثورة الجزائرية من توقف الدعم والمساندة من قبل المغاربة بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، مما قد يخنق نشاط جبهة التحرير الجزائرية. غير أن الرد كان سريعا من السلطان سيدي محمد بن يوسف، الذي طمأن قادة الثورة الجزائرية على التزام المغرب المستقل على استمرار الدعم للقضية الجزائرية على مستويات عدة.

 القسم الثاني: تعدد مظاهر الدعم والتضامن المغربي للقضية الجزائرية

  • الدعم الدبلوماسي:
    • التقاء سيدي محمد بن يوسف سنة 1956 بمدريد بوفد من قادة الثورة الجزائرية وتأكيده على استمرار الدعم للقضية الجزائرية، ونفس الأمر أكده جلالته في خطاب وجدة 1956.
    • دفاع المغرب على القضية الجزائرية في المحافل الدولية، إذ أسهم المغرب في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في بلورة موقف المجموعة الاوراسيوية لصالح حرب التحرير في الجزائر، من خلال التأكيد على حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره.  
    • خطاب وزير الخارجية المغربي أحمد بلافريج أمام مجلس الأمم المتحدة الداعي إلى دعم القضية الجزائرية وإيجاد حل للقضية الجزائرية.
    • انتداب محمد الخامس سنة 1960 لولي عهده مولاي الحسن لتمثيله في الأمم المتحدة، وطالب بحق الجزائر في السيادة والاستقلال.
    • تأكيد المغرب في مجموعة من المؤتمرات الإقليمية (مؤتمر طنجة لوحدة المغربي 1958، ثم مؤتمر الدار البيضاء للوحدة الافريقية 1961) على دعم القضية الجزائرية.
    • توفير جوازات السفر لقادة جبهة التحرير قصد التحرك بحرية في الخارج.
  • الدعم العسكري: اتخذ هذا الدعم لحرب التحرير الجزائري أشكالا مختلفة، منها إمداد الثور بالسلاح، وإعداد مراكز التدريب العسكري خاصة في المغرب الشرقي: بركان أحفير تاوريرت، بوعرفة، الناظور..؛ إلى جانب توفير عدة مراكز صحية لجيش التحرير الجزائري. وقد شكلت المنطقة الشرقية مجال حيويا لقادة الثورة الجزائرية، خاصة في ظل تواجد الحماية الإسبانية في شمال المغرب، والتي تغاضت الطرف في كثير من الأحيان على هذه الأنشطة في منطقة نفوذها. كما تم اتخاذ وجدة مقرا لقيادة الولاية الخامسة.
  • الدعم الإعلامي: عمل الإعلام المغربي على رفع معنويات الشعب الجزائري وتغطية نشاط جبهة التحرير الجزائرية، إلى جانب استقرار الإذاعات الجزائرية في المغرب، وكذا بث “صوت الجزائر” على أثير الإذاعة الوطنية المغربية.
  • الدعم الإنساني: والمتمثل في استقبال المغرب العديد من اللاجئين الجزائريين الفارين من بطش الاستعمار الفرنسي، وقد فضل العديد من اللاجئين الجزائريين الاستقرار، خاصة في وجدة جرادة، بركان..

والحاصل، أن هذا الإصدار الذي نحن بصدد تقديمه للقارئ الكريم، يشكل إضافة نوعية بالنسبة للدراسات الأكاديمية حول تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية خلال فترة حرب التحرير، لأهميته بالنسبة للمتخصصين والمهتمين بهذا الموضوع. 

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *