تذكير:
هذه المقالة هي تتمة للجزء الأول من المقالة المعونة ب”تقرير بوعياش… الكيل بالمكيالين وتوصيات بلا هوية” المنشور بتاريخ 18 أبريل 2020.
أصدر المجلس الوطني الحقوق الإنسان بالمغرب تقريره السنوي لسنة 2019، والذي وجهت له عدة ملاحظات شكلية ومنهجية، وهذه المقالة ستركز على بعض الموضوعات التي تناولها التقرير بنوع من التفاعل الحقوقي البناء وخدمة للدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بها.
فمن خلال تتبع التقارير التي صدرت في خلال الولاية الحقوقية الحالية، يلاحظ أن المجلس يقدمها كرزمة package، غير قابل للتعديل أو النقصان أو الزيادة، كأنه يقدم للعموم الحقوقي، تقرير “إذعان” إما أن نقبل به كليا أو نرفضه.
ويُقصد بهذه الملاحظة أن التقرير السنوي فيه نقط إيجابية معينة: كالدفاع عن الحياة الخاصة وحرية المعتقد والوجدان.. إلا أن هذه الإيجابيات تندثر أمام القضايا السياسية الحساسة التي تشكل قلق للدولة، كالاعتقال السياسي والتعذيب وغيرها…
ونقطة أخرى وجب الإشارة إليها، هي أن التقارير الحقوقية يتطابق فيها الشكل مع الجوهر، المسطرة مع المضمون، المنهج مع النظرية، والمقاربة مع الأطروحة، فلا يمكن الفصل بينهما.
وبناء عليه نعرج على الإشكاليات الموضوعاتية التي طرحها التقرير.
ثانيا: الملاحظات الموضوعاتية
1- الحصول على الدرجة ألف بخصوص ألية الوقاية من التعذيب
عبّر المجلس أن حصيلة عمله دفعت بلجنة حقوق الإنسان إلى تصنيف المغرب في خانة ألف (ص4)، وسبق أن تمت مناقشة هذا الموضوع في مقالين الأول بعنوان ” كيف تقمص المجلس الوطني لحقوق الإنسان دور الحكومة في التصنيف الدولي “أ”؟ بتاريخ 22 دجنبر 2019، والثاني بعنوان “من يتحمل مسؤولية متابعة توصيات الأمم المتحدة في ظل حكومة “كسولة” ؟” بتاريخ 24 دجنبر2019.
وكملخص للمقالين، فإن الأمم المتحدة دفعت الحكومات إلى تنفيذ التوصيات الصادرة عن أجهزتها، وفي هذا السياق أصدرت عدة لجن أممية مذكرات بشأن “إجراء متابعة الملاحظات الختامية”، ومنها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المشرفة على تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث أصدرت مذكرة بتاريخ 21 أكتوبر 2013 ت CCPR/C/108/2، بل إن اللجنة عملت على تعديل نظامها الداخلي على أساس سن مادة مستقلة معنية بهذا الاجراء أي “متابعة تنفيذ التوصيات الختامية”، حيث كان النظام الداخلي لسنة 2012 للجنة في المادة 71 في فقرته الأخيرة (ف5)، يتحدث بشكل مقتضب عن تتبع تنفيذ التوصيات، والآن مع المادة 75 من النظام الداخلي الجديد الصادر في 9 يناير 2019 تتحدث بشكل دقيق ومفصل على هذا الإجراء.
وفي هذا الاطار فإن المغرب الذي خضع لإجراء الاستعراض في 2016 ، وصدرت التوصيات الختامية في نونبر 2016، قدمت له اللجنة ثلاث توصيات خاضعة لإجراء “متابعة تنفيذ التوصيات” وتلزمه بـأن يقدم”في غضون عام من اعتماد هذه الملاحظات الختامية، معلومات عن تنفيذ التوصيات التي قدمتها اللجنة لمكافحة الإرهاب،حظر التعذيب وسوء المعاملة، وحرية تكوين الجمعيات وأنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان”. (التوصية 52)
وقد أجاب المغرب بوثيقة رسمية من الحكومة، تحمل ترقيم 2975 مؤرخة ب 26 دجنير 2018، يتناول الموضوعات الثلاثة في تسع صفحات، ومنها اعتماد المغرب لقانون رقم 76.15 ونشر بالجريدة الرسمية في فاتح مارس 2018، والذي يجعل الآلية الوقائية من التعذيب من اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الانسان.
(الصفحة 7)
وبالعودة إلى بلاغ لجنة حقوق الانسان، فإنها اعتبرت أن المجلس الوطني لحقوق الانسان هيئة تنفيذية للقانون خاص بالألية الوقائية من التعذيب بعد اعتماده، وأنه يصبح بذلك قد تفاعل مع إجراء “متابعة تنفيد التوصيات الختامية” في الشق المتعلق بالتوصية 24، وفق المادة 13 المعنونة بـ” تحليل تقارير المتابعة/ردود المتابعة وتقرير المتابعة المرحلي”، من المذكرة المؤرخة بـ21 أكتوبر 2013 والحاملة للعدد CCPR/C/108/2.
في تقرير اللجنة كاملا حول متابعة التوصيات الختامية الصادر بتاريخ 15 نونبر 2019، نقف عند عدة ملاحظات تهم التوصية 18 المتعلقة بمكافحة الإرهاب، و التوصية 24 المتعلقة بمناهضة التعذيب، منها أن أجوبة المغرب لسنة 2018 عبارة عن تكرار واستنساخ لأجوبته لسنة 2016، وطالبت اللجنة المغرب بـ”معالجة المعلومات+ المطلوبة في التقرير الدوري القادم” أي في نونبر 2020.
أما بخصوص دور المجلس الوطني فهو حث الحكومة على الأجوبة المقنعة للملاحظات الثلاث والمجزءة على 10 نقط وذلك وفق “البيان الصادر عن لجنة حقوق الإنسان بتاريخ 13 نونبر 2012 المرقم ب CCPR/C/106/3، والمعنون بـ”العلاقة بين اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (اعتمدﺗﻬا اللجنة في دورﺗﻬا السادسة بعد المائة)، إذ يلاحظ أن المجلس لم يتطرق نهائيا لا لموضوع الملاحظات الختامية كلها ولا إلى تفاعله مع الهيئة الأممية.
2- تعيين أعضاء اللجن الجهوية في مارس 2020
التزم المجلس بإعلانه عن تعيين وتشكيلة أعضاء اللجنة الجهوية في مارس 2020 (ص5)، مع أن التقرير صدر كالتزام أمام المؤسسات الدستورية والمواطنين بتاريخ 17 أبريل 2020، وهو ما يعكس عدم جدية المؤسسة التي كان عليها مراجعة التقرير وتنقيحه قبل النشر.
كما أن تاريخ تعيين رؤوساء اللجن الجهوية تم في يوليوز 2019، أي أننا اقتربنا من سنة، وأن تعيين رئيسة المجلس تم في دجنبر 2018، أي أكثر من سنة ونصف، ولم يتم بعد تعيين أعضاء اللجن الجهوية، بمعنى تعطيل هذا المكتسب الحقوقي في إطار سياسة القرب وتقريب المؤسسات من المواطنين، ويضاف إلى ذلك أن مدة ولاية المجلس الوطني لحقوق الانسان وفق المادة 35 من قانون 76.15 هي خمس سنوات، وبالتالي المجلس بتعطيله للجن الجهوية يقوم بهدر الزمن الحقوقي لأعضاء اللجن الجهوية.
خاصة أن المجلس يتحدث عن “استراتيجيته” 2019-2021 ، فهل قادر على تنفيذها بدون لجن جهوية؟ وهل ينفذها بدون الجزء الثاني من هيكله التنظيمي؟
3- الجموع العامة للمجلس
سجل التقرير أن المجلس اعتمد التقرير السنوي في الجمعية العامة التي عقدت في 21 شتنبر 2019 (ص6)، وبالرجوع لمضمون البلاغ الصادر عن هذا الاجتماع نجد أن “تمت إحاطة الجمعية العامة علما بمحاور وهندسة ثلاثة تقارير، وهي التقرير السنوي لسنة 2019 وتقريريه حول أحداث الحسيمة وأحداث جرادة” مما ولد تفاعل من قبل المهتمين أن الجمعية العامة تناقش التقرير كاملا وليس فقط هندسته وذلك وفق ما تنص عليه المادة 48 من القانون 76.15، أي أن هناك خرق واضح للقانون في هذه الحالة.
والغريب في التقرير أن السند التنظيمي أي الداخلي للمجلس الذي يمكن أن يكون المرجع للتقرير السنوي هو اجتماع الجمعية العامة الثاني المنشور بعنوان على صفحة الفيسبوك للمجلس وغير موجود مضمونه نهائيا في الموقع الرسمي للمجلس، أي البلاغ الصادر بتاريخ 8 مارس 2020 الذي أخبر أن “الجمعية العامة تصادق على التقرير السنوي” بدون أي تفاصيل.
ويبقى السؤال الجوهري هو لماذا المجلس استند على البلاغ المؤرخ بتاريخ 21 شتنبر 2019، ومضمونه غير القانوني، في المقابل لم يستند ولم بقم بالإحالة نهائيا على بلاغ 8 مارس 2020؟
هل هو فعل مقصود؟ أم سهو؟ فمن يسهو على حيثية قانونية بديهية مثل هذه يمكن أن يسهو على تفاصيل أخرى.
4- أرقام المحاكمات “تائهة”
أعلن المجلس في تقريره أنه قام بملاحظة 53 محاكمة (ص9)، وبالاطلاع على محور ملاحظة المحاكمات (29) فقد تحدث عن ثمانية قضايا بالإضافة إلى الإشارة إلى ملاحظة محاكمة الصحفي حميد المهداوي (فقرة 117) في باب زيارة السجون، مما يطرح السؤال ما هي الـ 44 محاكمة الأخرى؟ ولماذا لم يذكرها المجلس، هل لا يستحقون هذا لحق؟
وللتذكير فإن المجلس لاحظ محاكمة الناشط مرتضى اعمرشان أمام محكمة الإرهاب، وذلك وفق ما نشر في بعض المواقع الإخبارية، ولم تتم الإشارة نهائيا لهذه الملاحظة.
5- استراتيجية 2019-2021 السرية
تحدث المجلس مرارا على مصادقة جمعيته العمومية على استرتيجية عمله، وفي كل مرة يتطرق إليها كمرجع، بل وأنه في التقرير تحدث عن فلسفتها القائمة على التكامل والالتقائية وأن الحماية من أولوياتها (ص10)، ولكن في إطار حق المواطنين في المعلومة، فإن هذه الاستراتيجية لا يعلم عنها إلا أهل الدار، مع العلم أن أي استراتيجية يجب أن تكون مشمولة: أولا بحق إطلاع العموم عليها، وثانيا ضرورة سن استراتيجيات في علاقة مع المؤسسات الحكومية والوطنية والمجتمع المدني. فكيف لكل هذه الأطراف أن تعرف دورها وشراكتها مع المجلس دون الاطلاع على استراتيجيته، وثالثا إذا كان وضع التزام أمام العموم بتقييم عمل المجلس بعد سنة 2021 من الممارسات الفضلى فمن الضروري تشاركها مع الجمهور، أما إذا كانت مجرد وثيقة داخلية فمن الأحسن عدم ذكرها في الترافع لأنها لا تشكل أي تعاقد بين المؤسسة وباقي الفاعلين.
6- مسؤولية المجلس في وفاة سجين
تطرق التقرير لحالة المسمى قيد حياته، يوسف أشقري بكدوري، الذي توفي جراء إضرابه عنه الطعام، حيث بدأ إضرابه منذ تاريخ 21 يونيو، والمجلس قام بزيارته بتاريخ 9 غشت، أي بعد 49 يوما من الإضراب ! ، فهل يعقل أن يتدخل المجلس بعد 49 يوما من الإضراب عن الطعام، بل الطامة الكبرى أن المجلس يقر أن المعني بالأمر أوقف اضرابه مباشرة بعد زيارة فريق من المجلس، إلا أن أحواله الصحية تدهورت ليفارق الحياة يوم 12 غشت.
والمجلس يقدم ملاحظته بكون هناك “نوعا” من التأخر في التعاطي مع التدهور الصحي للسجين، (ص12)، وذلك للتخفيف من حدة الحادثة باستعمال “نوعا من التأخر” ويدعو إلى “التعجيل بتجاوز النقص الحاصل على مستوى الأطر الطبية والصحية بهذه المؤسسة السجنية.”، دون الحديث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا عن متابعة من تسبب في الإهمال الصحي في هذه النازلة.
وفي نفس السياق يورد المجلس توصية عامة بخصوص الإضراب عن الطعام في السجون بضرورة “إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة بشأن كافة حالات الوفيات التي تقع داخل أماكن الحرمان من الحرية”، مما يطرح السؤال كم من حالة وفاة بسبب الإضراب عن الطعام داخل السجون؟ هل يملك المجلس عددها ولم ينشرها؟ ، لأن المجلس في توصيته تحدث بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد المتعلقة بالمتوفى يوسف أشقري بكدوري. وتوجد في محور الشكايات المتوصل بها أن ثلاثة أشخاص توفوا ، واحد داخل مخفر للشرطة والثاني بمركز للدرك والثالث في مستشفى للأمراض العقلية، ولكن لا يربطها بالاضراب عن الطعام بل تركها غامضة في هوامش التقرير ولم يتطرق للأسباب (هامش ص 19).
7- طمس التعذيب
تناول التقرير ادعاءات التعذيبـ بتوصله بـ20 شكاية للتعذيب و58 بسوء المعاملة، أي ما مجموعه 78 ادعاء، وللإشارة أن جريمة التعذيب وجريمة سوء المعاملة لهما نفس الخطورة ونفس الدرجة القانونية في القانون الدولي لحقوق الانسان، إلا المجلس يترك كل هذه الإدعاءات ويركز على حالة مرتضى أعمرشان ويجعلها في تقديم محور التعذيب، لكون تصريحات أخيه لا أساس لها من الصحة وأنه لم يتعرض للتعذيب، كما في الحالات المذكورة، لا يتطرق التقرير نهائيا للإحالة على الطب الشرعي، بل فقط موظفين من المجلس لا يمتلكون أدوات الطب الشرعي، هم من يقدّرون هل هناك أثارا للعنف أم لا؟.
وبالرجوع للأرقام فإن المجلس تطرق إلى 13 حالة فقط من ضمن 78 شكاية، فأين مآل الشكاية الأخرى؟ وأين مصير التحقيقات؟ أم أن هناك أشخاص يحق ذكرهم في التقرير والآخرين لا يستحقون هذا الحق.
في ظل كل تحقيقاته التي يُعاين فيها التعذيب، فالمجلس لم يشر نهائيا لأي معيار من المعايير الدولية وخاصة منها بروتوكول اسطنبول، ولم يشر نهائيا لأي تحقيق قام به طبيب شرعي، ولا عن الخبرة الطبية التي يمكن أن يقوم بها الطبيب، فقط يعتمد على معاينة مباشرة التي يجريها بعض موظفيه أو أعضاءه الذين لا يمتلكون أدوات وتقنيات الطب الشرعي.
7.1- حالة ناصر الزفزافي
يتطرق التقرير بشكل عام أن حالة ناصر الزفزافي “وسيتناول تقرير المجلس الموضوعاتي حول احتجاجات الحسيمة بالتفصيل هذه الحالة وحالات أخرى ذات صلة بهذه الاحتجاجات.” (ص 14)، مع العلم أن التقرير المذكور صدر بتاريخ 8 مارس 2020، أي أن التسرع في إخراج التقرير السنوي لم يسمح بتنقيحه وتعديله.
التقرير لم يتطرق للمعاملة الحاطة واللاإنسانية التي تعرض لها ناصر الزفزافي من خلال فيديو موثق يصوره وهو شبه عاري، ولا تتناطح نعزتان كون هذا الشريط هو سوء معاملة، ولكن المجلس للخروج من هذه الملسمة لم يتطرق لها نهائيا.
كما وصف التقرير ما صرح به ناصر الزفزافي بأنه اغتصاب، بكونه مجرد أن ” شخص أدخل عصا بين فخذيه (فوق ملابسه(.”، وذلك لتمييع مفهوم الاعتداء الجنسي كما هو متعارف عليه في القانون الدولي لحقوق الانسان، فالبروتوكول الدولي للتحقيق في جرائم العنف الجنسي في حالات النزاع وتوثيقها الصادر سنة 2013، في تعريفه للاعتداء الجنسي يقول: “يصنف كل حاثة إغتصاب أو اعتداء جنسي كجريمة دولة” (17)، ويحيل على الملحق المتعلق بسجل الاثبات لتوثيق جرائم العنف الجنسي، حيث نجد أن “الضرب بالعصا على الأعضاء التناسلية أو صدور النساء” يعتبر جريمة اعتداء جنسي (ص98)، وأن الاعتداء الجنسي المستخدم لتعريف الاغتصاب “مقصود به أن يكون واسعاً ما فيه الكفاية ليشمل التعدي على أي من الجنسين” وفق ما نص عليه النظام الأساسي لروما لسنة 1998 في تعريفه للاغتصاب. وللاشارة فإن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان اعتبرت أنه “على الرغم من أن تعريف الاغتصاب الذي قدمته المحاكم الجنائية يشير إلى الاغتصاب المرتكب في حالات النزاعات المسلحة، إلا أن القضايا المثارة هي عالمية وتنطبق في كل السياقات”. (إليزابيت إيفات الرئيسة السابقة لسيداو، العقبات التي تحول دون الوصول للعدالة، سنة 2019).
واتفاقية مجلس أوربا لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي (المسماة أيضا بروتوكول اسطنبول) في مادتها 36 توضح أنالعنف الجنسي بما فيه الاغتصاب هو “سائر أفعال أخرى ذات الطابع الجنسي الممارسة بشكل غير رضائي على الغير”.
ونختم بما ورد في بروتوكول اسطنبول بخصوص التقصي بحالات التعذيب، الفقرة الثامنة ما يلي:” فينبغي أن يدرك المحققون أن الضحية في كثير من الأحيان قد لا يعتبر من قبيل الاعتداء الجنسي أفعالا مثل التهجم اللفظي أو خلـع الملابـس أو التـلمس أو إتيان حركات خليعة أو مهينة أو توجيه ضربات أو صدمات كهربائية إلى الأعضاء التناسلية. على أن كل هذه الأفعال تنطوي على انتهاك لخصوصيات الفرد وتعـد بـالفعل جزءا لا يتجزأ من الاعتداء الجنسي”.
7.2 حالة النزيلة لطيفة البوهالي
تناول التقرير وضعية واحدة لمرأة داخل السجون، والتي تدعي فيها أنها دخلت في إضراب عن الطعام بسبب تعرضها لسوء المعاملة من قبل رئيسة الحي، وبالفعل تبث أن موظفة السجن استعملت الشطط في السلطة من خلال حرمان النزيلة من حقوقها البسيطة، والمجلس الذي نوه بتدخل إدارة السجن بعد أسبوع من إضراب النزيلة عن الطعام (مع ما سيخلفه هذا الاضراب من أثار جانبية على صحتها) من أجل تمكينها من أغراضها المشروعة، في مقابل يصمت عن أي إجراء اتخذ في حق الموظفة لا إداريا ولا قانونيا.
8- طمس شكايات الوفيات بمراكز الشرطة والدرك
يعتبر الحق في الحياة أول الحقوق، وهو ما جعل أيضا تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتناوله منذ البداية، ولكن الشكايات التي وردت عليه وتتعلق بحالات الوفاة داخل مركز للشرطة وأخرى بمخفر للدرك والثالثة بمستشفى للأمراض العقلية مارس عليها نوع من الطمس، حيث لم يذكرها صراحة وبشكل مباشر بل جعل أماكن الوفاة في هامش المحور، فهل يعقل لتقرير حقوقي موضوعي أن أن يتحدث بشكل عام عن توصله بشكايات تتعلق بالوفاة ويحيل إلى الهامش مكان الوفاة؟ وفي تناوله للموضوع يتطرق أن هذه الحالات بكون أربع شكايات معروضة على القضاء وتوجيه المشتكين لمتابعة ملفهم مع دفاعهم، شكاية تم حفظها من قبل النيابة العامة، وشكاية قام المجلس باللازم (ص20) !!!
من هم الأشخاص الثلاثة ( وبخصوص الحالة الرابعة بالسجن تم الحديث عنها في الوفيات بالسجون) الذين ماتوا في مركز الشرطة ومركز الدرك ومستشفى للأمراض العقلية؟ وما هي مآلات ملف كل حالة بالتدقيق وليس جوابا معمما؟ وما هو دور المجلس في هذه الحالات؟ وهي الأسئلة التي ستبقى عالقا إلى غاية كشف الحقيقة كاملة؟
إن تخريجة المجلس لطمس حقيقة الوفيات غير مجدية.
9- عدم التدخل في تأخر المحاكم
أشار المجلس أن أكبر نسبة من الشكايات تتعلق بالقضاء، وعددها 413 شكاية، والتي تطرق إليها في إطار أنها تدخل في اختصاصاته، ولكن الغريب في الأمر أنه قام بتنصيفها إلى ستة أنواع دون أن يعلق عليها أو يقوم بتحليلها وفق ما يخوله له القانون، باستثناء 190 تظلم من أحكام قضائية تم توجيه أصحابها لسلك المساطر القانونية الخاصة.
ولكن هناك نوعين من التظلمات وتدخل في قلب عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهي 17 تظلما يخص التأخر أو التماطل في البت في الدعاوي المعروضة على القضاء، و54 تظلما بخصوص التأخر والحفظ في الشكايات الموجهة للنيابة العامة، وهي معايير الأساسية للمحاكمة العادلة، وهو ما نصت عليه المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتعليق العام لها رقم 32 الصادر سنة 2007، بخصوص “الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة” حيث أكدت ” وسرعة المحاكمة هي أحد الجوانب المهمة التي تبين عدالتها.
وبينما تتناول الفقرة 3(ج) من المادة 14 بصراحة التأخير الذي لا مسوغ لـه، فإن التأخير في الدعاوى المدنية الذي لا يمكن تبريره بمدى تعقيد القضية أو أن سلوك الأطراف ينتقص من مبدأ المحاكمة العادلة الوارد في الفقرة الأولى من هذا الحكم. وعندما يكون سبب التأخير هو الافتقار إلى الموارد وسوء التمويل المزمن، فينبغي قدر الإمكان توفير موارد إضافية من الميزانية من أجل إقامة العدل. “، ويزيد التعليق العام “ويجب أن يُحاكم المتهمون على وجه السرعة في الدعاوى التي ترفض فيها المحكمة خروجهم بكفالة. ولا يتعلق هذا الضمان بالفترة الزمنية بين توجيه الاتهام وبين وقت بدء المحاكمة فحسب، بل يشمل أيضاً الفترة الزمنية حتى صدور حكم الاستئناف النهائي. ويجب أن تتم جميع المراحل سواء كانت أمام المحاكم الابتدائية أو الاستئناف “دون تأخير لا مبرر لـه”.
أليست المادة 14 هي قلب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بخصوص المحاكمة العادلة، أم أن المجلس ردد لازمته المعهودة :”لا نتدخل في القضايا الجارية أمام القضاء” بناء على مبدأ “كم من حاجة قضينها بتركها”.
10- الاعتداء على اختصاصات مؤسسة وسيط المملكة
سجل المجلس أنه تلقى 190 شكاية تخص العلاقة مع الإدارة، قام بتمحيصها ووجه المرتفقين بنهج المساطر الإدارية والقضائية، كما قدم توصيات عامة بخصوص الأمر.
بالتنقيب في القانون المنظم للمجلس رقم 76.15 نجد المادة الثامنة الفقرة الثانية تقول “في حالة إذا ما تبين للمجلس أن الشكاية المعروضة عليه لا تدخل في اختصاصه يقوم بإحالتها على السلطة والهيئة المختصة في موضوع الشكاية” والمقصود هنا في علاقة المرتفقين بالادارة هو وسيط المملكة، حيث كانت الصيغة السابقة في ظهير 1.11.19 تقول بالإسم مؤسسة الوسيط، ولكن مع دستور 2011 فإن تعدد وتنوع المؤسسات المعينة بالحكامة والضبط والتشاركية والمساواة، تحول الصيغة إلى كل السلط والهيئات المختصة.
11- جرد التظاهرات بدل رصدها
الفصل الحقوقي يرتكز أساسا على رصد الخروقات، فالحقوقي مثل الصحفي لا يهمه “كلب عض رجلا، بل رجل عض كلبا”، بوصول القطار في أوقاته المحددة حق للمواطن والراصد يوثق القطارات التي لا تصل في وقتها.
تحدث التقرير عن تنظيم 46 مظاهرة يوميا في المغرب، وقدم بعض النماذج التي لم تعرف تدخل للقوات العمومية ولم تتعرض للمنع، ويبقى السؤال المنهجي لماذا تم اختيار هذه الحالات الستة دون سواها. لكن الخطير في الأمر أن التقرير يتطرق إلى أربعة مظاهرات فقط هي التي عرفت تدخل للأمن واستمعال القوة بشكل غير متناسب، دون أن يعطي عدد المظاهرات الاجمالي للمنع أو التدخل الأمني، مما يوحي للقارئ أن المغرب استعمل القوة غير المتناسبة فقط في أربع مظاهرات.
يضاف إلى ذلك أن التقرير سجل بكون أن والد إحدى المتظاهرات تعرض للكسر وتوفي بالمستشفى جراء ذلك، ولكن المجلس لا يدخل في تفاصيل هذه الوفاة، وهي التفاصيل التي يعرفها الجميع والتي صرح بها عدد من الشهود ووثقتها فيديوهات، بل المجلس لا يطالب حتى مساءلة مرتكب الفعل.
نفس المقاربة في “تسفيه” الحق في الحياة، تناول التقرير وفاة شابة أثناء مواجهة بين عدد من المتظاهرين والقوات العمومية بالعيون نتيجة حادثة سير تسببت فيها سيارة تابعة للقوات المساعدة.
12- لا عدل للعدل والاحسان
في محور المتعلق بحرية التجمع (ص25)، تناول التقرير موضوع واحد، ولكن بشكل كاريكاتوري وهو تشميع بيوت عدد من الأشخاص المنتمين لجماعة العدل والاحسان، حيث لم يتجاوز التقرير جرد 11 منزلا مشمعا والسند القانوني للقرارات المتخذة، دون أن يحمّل المجلس نفسه مناقشة الموضوع أو تحليلها، هل هو مع التشميع المرفوض حقوقيا وأخلاقيا أو ضده، أو أن يقدم توصيات عامة أو خاصة بشأنها، مما يطرح السؤال حول إدارج هذه النقطة أصلا، إلا إذا كان غرض معد التقرير أن يوسع على نطاق واسع أطروحة ورواية السلطات الأمنية أن القرارات مبنية على قانون التعمير !
التمييز بين بالنساء
إذا كان التقرير يحسب له التطرق لحماية الحياة الخاصة للنساء، وسجل التشهير الذي تعرضن له بدعوى حرية الرأي والتعبير (ص26)، إلا أن مثن المجزوءة في التقرير تثير بعض الانتباه:
تحاشي ذكر السيدة هاجر الريسوني بالإسم، رغم أن التقرير ذكرها مرات عديدة وتطرق لمتابعتها القضائية وللعفو الملكي الذي حضيت به، فهل عندما يتعلق الأمر بالحياة الخاصة لا نذكر الأسماء؟ مبرر غير مقنع لكونها قضية رأي عام والكل يعرف حيثيات الموضوع.
نفس الشيء في الحديث عن السيدة أمينة ماء العينين، بصيغة المجهول، في ما لحقها من تشهير ومس بكرامتها وكرامة أفراد أسرتها، وإن كانت هذه الملاحظة تحسب لتقرير المجلس، إلا أن التخوف من كون الهاجس من عدم ذكر المعنية بالأمر بالاسم وهي برلمانية منتمية لحزب سياسي ،أن يكون الهاجس، هو لاعتبارات شخصية أو سياسية، وللإشارة فالقواعد المتعارف عليها في مثل هذه الحالات، وهي الاتصال بالمعنية بالأمر لاستئذانها بذكر اسمها أولا.
تطرق التقرير إلى “استمرار نشر صور وأسماء مشتكيات في قضية حظيت باهتمام إعلامي كبير…ب شكل يمس بكرامتهن وحقهن في الصورة” ويقصد المجلس في هذه الملاحظة المشتكيات في ملف توفيق بوعشرين، لكون قضية الصحفي بوعشرين والمشتكيات قضية رأي عام ولا تحتاج كل هذا الانشاء لوصفها. وبالفعل كل مساس بصورة المرأة هو مدان حقوقيا مهما كان موقعهن في قضية ما، لكن التقرير لم يتطرق إلى الجزء الثاني من النساء في قضية بوعشرين، وهن النساء اللواتي رفضن متابعة أو امتنعن عن تقديم شكاية أو من أنكرت نهائيا وجود علاقة جنسية، حيث هن أيضا تعرضن للتشهير والمس بكرامتهن، بل الأخطر من ذلك أن أغلب النساء اللواتي قيل أن صورهن في تقرير الخبرة الطبية، ونشر نسخ من التقرير على أوسع نطاق، هي صور للنساء اللواتي رفضن متابعته.
13- ملاحظة نموذجية للمحاكمات
تطرق التقرير إلى ملاحظة ثماني محاكمات في المجزوءة المتعلقة بالموضوع، وهي محاكمات تختلف من حيث مساطرها وموضوعاتها (قضية حامي الدين ليست هي قضية الصحفيين الأربعة وهذه الأخيرة ليست هي قضية أحمد ويحمان ….وأيضا تختلف من حيث درجة التقاضي ابتدائية أو استئنافية أو نهائية…
ولكن النتيجة واحدة وخلاصة “فريدة” معممة على كل حالة، أنهم “تمتعوا” بجميع ضمانات المحاكمة العادلة.
مع العلم أن المجلس الذي أوصى بسمو القانون الدولي لحقوق الإنسان على القوانين الوطنية، وقام بدعوة القضاء إلى الاجتهاد لتكريس تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان(ص30) ، وأمامه تقارير أممية وقرارات صادرة عن الفريق المعني بالاعتقال التعسفي تهم كل من منير بن عبد الله من معتقلي الريف والصحفي توفيق بوعشرين، ومع ذلك ألح أن المحاكمة عادلة.
14- توصيات هيئة الانصاف والمصالحة
نعتذر للقارئ للانتقال من الصفحة 30 إلى الصفحة 73 مباشرة.
تطرق التقرير إلى تنفيذ بعض توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وقدمت الأرقام والمعطيات التي سبق نشرها، وتعتبر من بعض نقط الضوء داخل التقرير، إلا أن الصفحتين (73 و74) لا تعفي المجلس من إصدار تقرير كامل وشامل حول تنفيذ هذه التوصيات، كوثيقة للجنة المتابعة، حيث من سنة 2010 أنجزت أربعة ملاحق نشر منها ثلاثة ( الملحق الأول لتقرير متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، الملحق الثاني لتقرير متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، الملحق الثالث لتقرير متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة)، لم ينشر أي تقرير آخر، خاصة وأن سياق الحركة الحقوقية بدأ يترافع من أجل آلية جديدة تكمل إعمال الحقيقة، يبقى شكلها وبنيتها القانونية رهين بالنقاش العمومي.
ولكن الغموض يلف رقم حالات الاختفاء القسري التي تم الكشف عنها، وهي 805 موزعة على 702 سبق لهيئة الإنصاف والمصالحة الكشف عنها، و101 تم استجلاء الحقيقة عنها، وحالتين تبث عدم تورط أجهزة الدولة ولا مسوولية لها في الاختفاء، بمعنى هل الحالات الثمانية العالقة من قبيل المهدي بنبركة، المانوزي، إسلامي… تم الحسم في مصيرهم واستطاع المجلس الكشف عن حقيقة اختفائهم؟
وفي ختام هذه المجزوءة المتعلقة بتوصيات هيئة الانصاف والمصالحة، لاحظ المجلس أن ” أنضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي، الذين يتوفرون على مقررات تحكيمية، لا يستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية التي تستهدف الفئات في وضعية هشاشة، وذلك بسبب توفرهم على بطاقة التغطية الصحية التي يوفرها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي”، وهي ملاحظة مهمة ولكن أسباب نزولها يطرح سؤال، متى وقع هذا التعارض بين الحصول على بطاقة CNOPS والدعم المباشر؟ حسب المعطيات المتوفرة وقع فقط خلال تدبير أزمة الطوارئ الصحية والمساعدات المباشرة لأصحاب “راميد” أي بعد 23 مارس، في حين أن التقرير السنوي رسميا وفق ما نشر على صفحة الفيسبوك للمجلس صودق عليه في 8 مارس.
ختاما:
نتوقف عند هذا القدر من الملاحظات، مع التـأكيد أن التفاعل لا يبخس من عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بقدر ما يهدف إلى تجويد عمله وتطويره نحو الدفاع الحقيقي على حقوق الإنسان والنهوض بها.
ليس كل الملاحظات الواردة في التقرير معدوم من الايجابيات، بل هناك نقط ضوء كثيرة داخله، كالحريات الفردية والحياة الخاصة… إلا أن مقاربة تقديم التقارير كحزمة واحدة، بأن يقبل كله أو يترك كله، مقاربة سلبية وجب مراجعتها بما يجعل القضايا المتفق عليها بمعزل عن القضايا السياسية والأمنية التي يسعى المجلس جاهدا من أجل تبييضها.