لا أحد يشكك في الوجود السياسي للمملكة المورية، ولا أحد يشكك في الامتداد الجغرافي لهذه المملكة، كما أن لا أحد يشكك في أن مركز انطلاق هذه الدولة هو المغرب الحالي وأن الذين أسسوها هم الامازيغ، وبالضبط أمازيغ المغرب. هذه حقائق تاريخية يؤكد عليها الكثير من المؤرخين القدامي والمعاصرين، بل وأصبحت علوم الاركيولوجيا بما تكشفه من لقى ووثائق مادية تعزز ما كتبه أمثال المؤرخ سالوست وسترابون وميلا وستيفان كزيل وكامبس وغيرهم.
الاشكالية غير المفهومة هي عندما ينزع البعض الى إسقاط تجربة الماضي على الحاضر، أي عندما يعتبر المملكة المورية هي بالضبط المملكة المغربية وأننا، نحن المغاربة، الامتداد الكلي لها وأن الصراعات التي تعيشها مملكتنا اليوم مع الجيران لها امتداد في التاريخ الموري القديم الذي كان بدوره يعكس صراعات المملكة المورية مع الجيران القدامى والذين ليسوا ياللمصادفة سوى جيراننا اليوم!. إن هذه الاسقاطات لا تصنع في نظري أمة بل تصنع بريكولاجا لأمة في مواجهة امة أو تصنع أمة لا وجود لها إلا في مخيال الذين صنعوها.
إن المملكة المورية التي تأسست ما قبل القرن الثالث قبل الميلاد في المنطقة الموجودة بين شرق جبال الريف ونهر ملوية، بل والتي كان يحكمها ملوك أمثال الملك باكا والملك بوكوس الاول والملك بوكوس الثاني وغيرهم، قد أثرت بدون شك في أحداث التاريخ القديم بشمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وكانت لديها امتدادات شاسعة، كما كان لها، بدون شك كذلك، الأثر العميق فيما ورثناه عنها من قيم ثقافية ولغوية وحضارية لا تزال تجري فينا مجرى الدم. لكن الذي لا يجب أن يعزب عن الذهن وهو أن هذه المملكة لم تكن هي وحدها من أثر فينا لكي نتبنى اسمها دون غيرها من الممالك والامبراطوريات التي حكمت المنطقة والتي اسسها الامازيغ. وحتى اذا أردنا أن نسقط تلك المملكة على واقعنا نحن في القرن الواحد والعشرين ونعتبر المملكة المغربية امتدادا للمملكة المورية بالاطلاق، فهل هذا ممكن؟. ان هذه المملكة المورية، جغرافيا على الأقل، لم تكن تشمل كل التراب الوطني الحالي. فقد كانت تشمل جزءا منه فقط.
اذ ان مركز هذه المملكة يمكن تحديده في شمال شرق المغرب القديم، أي في منطقة الريف الشرقي حاليا (من منطقة جبالة الى منطقة ملوية)، وحتى المنطقة الغربية منها هناك من يشكك في ان هذه المملكة سيطرت عليها؛ وأما المناطق الجنوبية التي عاشت بها قبائل الجيتول، فقد كانت خارجة عن حكم الموريين. وبعض المؤرخين الذين أوصلوا هذه الحدود الى منطقة سوس بالجنوب أكدوا، مع ذلك، ان سلطة هؤلاء المور لم تمارس بشكل كامل على المنطقة. والذي تجدر الإشارة اليه كذلك هو أن مملكة المور، حسب ما اورده العديد من المؤرخين، لم يكن امتدادها يتجه جنوبا كما هو حال المملكة المغربية اليوم، بل كان يتجه شرقا؛ فقد كانت تمتد من الشمال الشرقي المغربي لتصل الى عمق التراب الجزائري الحالي. لقد كانت، مثلا، منطقة القبائل تشكل جزءا من مملكة المور.
ان حكم بوكوس الاول، مثلا، كان يمتد من منطقة شمال شرق المغرب الى حدود نهر الشلف بالجزائر، بل وهناك من ذهب إلى أن حدود هذه المملكة المورية وصلت الى نهر الامبساكا. واما في عهد الملك سوسوس أب الملك بوكوس الثاني فقد وصلت هذه الحدود الى واد صومام الجزائرية، والتي تبعد عن مدينة وجدة بحوالي 851 كلم. اننا قد نرث من الممالك الامازيغية في العهدين القديم والوسيط الكثير من القيم المتجذرة في تاريخنا الجماعي، ولكن لا يمكن لنا ان نختزل كل تلك القيم في مملكة واحدة، مهما كانت قوة تلك القيم، ونسقطها على واقع سياسي آخر مختلف. المغرب اليوم هو المغرب بحدوده السياسية الحالية وجذوره التاريخية الغنية والمتنوعة، ولكنه ليس موريا فقط. هو موري وأكثر من موري. هو امازيغي.
ان جغرافية وحدود هذه المملكة القديمة مقارنة بجغرافية المملكة المغربية وحدودها الحالية تجعلنا، على الأقل، نتريث في اختزال حاضرنا وماضينا.
الخلاصة التي اريد الخروج بها هي أن المملكة المغربية امتداد لتاريخها الطويل والمتنوع، ولا يمكن لنا، بالتالي، أن نجزئ هذا التاريخ الطويل فنجعل جزءا منه يشكل امتدادا لنا والأجزاء الأخرى نضعها على الرف. التاريخ الموري والتاريخ النوميدي والتاريخ المرابطي والموحدي ووو…كلها تواريخ نشكل امتدادا لها. والشيء الثابت في كل هذه التواريخ هي انها تواريخ امازيغية، لأن الذين صنعوها سواء كانوا موريين او نوميديين او موحدين او علويين الخ هم امازيغ. وإذن فإن الاصل هي الأمازيغية وهم الامازيغ واما الباقي ففروع لهذا الأصل، مورية كانت تلكم الفروع أو غير مورية. عودوا الى امازيغيتكم- الأصل.
ⵙ ⵢⵉⵊⵊ ⵏ ⵡⴰⵡⴰⵍ: ⵏⵛⵛⵉⵏ ⴷ ⵉⵎⴰⵣⵉⵖⵏ.
من أراد أن يتوسع في موضوع تاريخ الموريين انصحه بقراءة الدراسات التي يقوم بها المؤرخ عبد العزيز أكرير.