يُحسب لحركة جيل Z المغربية أنها حرَّكت بركة راكدة وأخرجت إلى الشوارع جيلا عاش وراء الستائر الظاهرة. ومن هنا فإن مساندة هذا الجيل من قبل الأجيال الأخرى واجب أخلاقي، خصوصا لتأكيد الحق في التظاهر السلمي، وواجب الشرطة ومختلف الأجهزة العمومية في حماية حق المواطنات والمواطنين في التظاهر، علما أن الأمر كان كذلك في بعض المدن، بينما كان الأمر غير ذلك تماما في مدن أخرى، وهذا يسائل السياسة الأمنية ويعيد طرح سؤال الحكامة الأمنية.
أما الانزلاق نحو العنف، وهو عنصر إضعاف للاحتجاج السلمي وتدمير مؤسف لممتلكات عامة وخاصة، فهذا مرفوض تماما، ويحتاج لوقفة خاصة، خصوصا أمام واقع غياب التربية على الاحتجاج، باعتبار حاجة البشر للاحتجاج مثلما حاجتهم لتدبير النزاعات الشخصية والعائلية أو حاجتهم للماء. لهذا، تعلم الدول الديمقراطية أبناءها وبناتها كيف يحتجون، حتى إذا قاموا بذلك يقومون به بأسلوب حضاري سليم، ولما تغيب مثل هذه التربية تقع الكوارث المؤسفة.
ما لم تنتبه إليه الأجيال المسؤولة اليوم، أن جيل Z (مواليد ما بين 1996 و2010) جيل نشأ في بيئة رقمية شاملة، حيث التفاعل مع العالم يتم لحظياً وبلا وسائط تقليدية. هذه الخصوصية الرقمية انعكست على رؤيته للحقوق والحريات، إذ يتبنى هذا الجيل مقاربة مطلقة للحقوق: لا وجود لأنصاف الحلول ولا للتدرجات، وشخصيا أشهد على هذا من خلال حواراتي مع عدد كبير من الشباب الذين لا يفهمون أصلا كيف لا تعطاهم حقوقهم كاملة وفي الحين وكيف أن مسؤولين في الدولة يعدون بأشياء ولا يلتزمون بها. ومن هنا ما لاحظناه من تشبثهم بالحق في التظاهر كحق للبشر، وليس فقط كحق دستوري، هو الدليل على طبيعة التشبث بالحق لدى هذا الجيل الذي يمكن أن نسميه أيضا جيل السرعة، بما في ذلك السرعة في التمكين من الحق، سرعة تبني ولا تقتل، سرعة تحيي الأمل.
وهذه الطبيعة تجعل هذا الجيل يمتاز بالنقاء، الوعي بحقوقه وحقوق الآخرين، ومرة أخرى دون الحلول الوسطية التي اعتاد عليها الفاعلون التقليديون. في منظوره، العدالة والحرية قيم مطلقة، لا تختزل ولا تُجزَّأ. هذه الرؤية تُكسبه نزعة راديكالية من حيث الخطاب، لكنها تعكس أيضاً نقاءً معياريا في صياغة المطالب. وتتميز الحركة التي يقودها هذا الجيل بخصائص أربع:
* رقمنة الفعل الاحتجاجي: حيث تُدار الحملات والتعبئات عبر الشبكات الاجتماعية.
* السرعة في التفاعل: التفاعل السريع/التفاعل اللحظي مع كل يجري وطلب ذلك من الحكومات
* عالمية القضايا: حيث ينفتح على قضايا المناخ، المساواة، والتضامن بين الشعوب، والحقوق العابرة للأوطان.
* رفض التسويات الشكلية: حيث يعتبر أن أنصاف الحلول ليست حلا وأنها ببساطة كذب على الناس.
على الرغم من الخطاب الحقوقي الكوني، فإن جوهر مطالب جيل Z يبقى اجتماعياً بالأساس. فحرية التعبير والكرامة الإنسانية تترجم، في نظره، إلى حق في التعليم الجيد، والصحة، والتشغيل، والعدالة المجالية. هذا الارتباط بين الحريات المدنية والحقوق الاجتماعية يعكس وعياً متزايداً بأن الديمقراطية لا تكتمل بمجرد الاعتراف بالحقوق السياسية في النصوص القانونية، بل بتمكين المواطن فعلا من هذه الحقوق ومن شروط العيش الكريم.
التحدي القائم يتمثل في الانتقال من التظاهر باعتباره لحظة انفجار أو صراع إلى اعتباره آلية للحوار والتغيير. جيل Z يميل إلى رفض العنف، لكنه يظل متشبثاً بحقوقه غير القابلة للتجزئة ولا يعير اهتماما لمؤسسات الحوار. من هنا تنبع الحاجة إلى بلورة تربية مدنية جديدة، تُكرّس ثقافة احتجاجية سلمية، وتحوّل الشارع والفضاء الرقمي معاً إلى مجالين مكملين للتعبير والمشاركة، بدل أن يبقيا موضع توتر مع السلطة.
إن دراسة علاقة جيل Z بحرية التظاهر تكشف عن تحول نوعي في مفهوم الفعل الاحتجاجي ذاته. لم يعد الأمر مجرد ممارسة ظرفية مرتبطة بالضيق الاقتصادي أو السياسي، بل أصبح تعبيراً عن تصور كوني للحقوق غير القابلة للتجزئة. التحدي المطروح أمام الدولة يتمثل في القدرة على استيعاب هذا التحول، والتفاعل معه عبر آليات سلمية، تُحافظ على الاستقرار وفي الوقت ذاته تستجيب لطموحات هذا الجيل، والتي هي طموحات مجتمع يطمح للتمتع بالحق في الصحة والحق في التعليم وواقع اقتصادي وإداري بدون فساد، وهذا موضوع آخر سنعود إليه.