إشارات مقلقة لانفلات أخلاقي وتربوي كبير، إشارات تهدد الأساس النفسي والاجتماعي للأجيال القادمة، جيل جديد يتغذى على العنف بدل التسامح، يخلط بين الرجولة والعدوان، ويحتفل بالاستقواء بدل الاحترام. فمن علمهم كل هذا؟ ومن سكت حتى صار المشهد مألوفاً عند الكثيرين؟
البيوت تحولت إلى فنادق للنوم أو ساحات شعار بين الوالدين ، والمدرسة لم تعد تصنع وعياً، بل تمرر مناهج ممسوخة، أما المسجد فمغيب تماماً، ضاعت رسالته بين خطيب ضعيف وموضوع خطبة أضعف.
ووسائل الإعلام، بدل أن تكون مرآة للضمير، انشغلت بتكريس التفاهة، تلهث خلف (الترندات)، وتصنع الأبطال من منشورات السخافة.
أما التربية فقد تلاشت أمام سطوة المحتوى المسموم. الطفل لم يعد يرى في الأب قدوة… بل صوتاً غاضباً، ولا في الأم حناناً…. بل تعباً صامتاً، وبين شاشات الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، نشأ جيل يستهين بالألم، يصفق للعنيف .. ويستهزئ بالخجول.
ومن هنا نطرح سؤال: لماذا نحن شعوب عنيفة ..؟ لماذا تميل مشاعرنا للعدوانية بسهولة، بينما يصعب علينا بناء جسور العفو والتسامح ..؟، لماذا بيننا من يستطيع أن يكرهك في لحظة، لكنه لا يغفر لك في عقد..؟ هل الأمر في جيناتنا نحن ..؟ أم في بيئتنا ..؟ أم في ميراث لم نتمكن من غربلته؟ نحن لا نحمل الضغائن فقط، بل نربيها ونحرسها ونخاف عليها كأنها كنوز، بينما التسامح عندنا مشبوه، والتفاهم متهم بالضعف.
والنتيجة ..؟ ها هي أمامكم #بتنا مجتمع يرى العنف أمر غير مستغرب، اللوم لا يقع على الطفل الذي يميل للعنف حتى في اختيار ألعابه، بل على النظام المجتمعي الذي لم يقم بتربيته، وعلى البيت الذي لم يحتضنه، والمدرسة التي لم تهذبه، والمسجد الذي لم يخاطب روحه، والإعلام الذي يغذي هذه الأفعال ولا ينبذها..
ما يحدث لم يكن حوادث عابرة ولا مجرد إنحراف سلوكي وأخلاقي ..
نحن أمام جيل يحتفل بالتعنيف كأنها انتصارات وطنية… لا نحتاج إلى صدمات أبشع لنصحو، بل إلى منظومة تربوية تعيد صياغة الشخصية ، وتحيي قيم #التسامح فيها، قبل أن نتحول إلى مجتمع يعيش على حافة الانهيار الأخلاقي، يتفنن في التجميل الخارجي بينما جوهره ينزف قيماً ..!!
نوري رابيطي