حرب07 أكتوبر 2023 الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني: اعلان انتصار التكنولوجيا على الأيديولوجيا

أنغير بوبكر – باحث في قضايا الديموقراطية والتعدد الثقافي وحقوق الانسان

بعد مرور سنة على الحرب الظالمة الغير متكافئة التي تشنها دولة إسرائيل بمشاركة علنية وسرية من حلفائها الدوليين ضد شعب فلسطيني اعزل لم يختر الحرب ولم يستشر في ذلك ، اذ ان منظمة حماس التي بدات بهجوم السابع من أكتوبر  لا تمثل كل الشعب الفلسطيني و لايمكن ممارسة عقاب جماعي وابادة جماعية لشعب فرضت عليه سياسات و ايديولوجيات منذ عقود تكشفت حقائق مهولة عن الاعدالة في العلاقات الدولية بل الظلم بعينه  وانكشف العجز المزمن لجميع دعاة الديموقراطية يمينا ويسارا ، غربا وشرقا ، مؤمنيين و ملحدين  ، واصبح القتل والدمار والتهجير لغة يومية مالوفة  من كييف الى غزة  مرورا بعواصم مختلفة في العالم ، رغم ان الطفل الاوكراني ربما له بعض الحظ من الاحتضان الأطلسي الذي جنب الى اليوم كييف  الدمار المبرمج من قبل الروس اما في حالة غزة فلا مدافع دولي ولا متحتضن لاهات بل لاشلاء الالاف من الأطفال الفلسطينيين ا لذين قتلوا باحدث الأسلحة و ا فتكها المستوردة من غلاة المدافعين عن الديموقراطية وحقوق الانسان في العالم.                .

قد بينت حرب أكتوبر 2023م عدة  استنتاجات قد ترقى الى حقائق دامغة  او على الأقل لا يمكن لاي متتبع حصيف و منصف  الا ان يرصدها وياخذها في الحسبان سواء في كتابة التاريخ او في استشراف المستقبل ، يمكن اجمالها في ما يلي :

أولا : المنظومة الإنسانية والحقوقية  الدولية فشلت فشلا ذريعا في إيقاف الحرب الدموية ووقف نزيف قتل المدنيين رغم الدعاوى العديدة المرفوعة من طرف بعض الدول في  مختلف الهيئات القضائية الدولية لحث إسرائيل على وقف حربها الشعواء على الفلسطينيين  الأبرياء العزل ، سواء تعلق الامر بمحكمة العدل الدولية التي أصدرت قرارات قضائية  لكن  عجزت عن تنفيذها  نفس الشئء ينطبق على الجنائية الدولية  التي تبخرت قراراتها بل تعطل عملها لشهور اما مجلس الامن الدولي فكان تدخله للمطالبة بوقف اطلاق النار متاخرا وغير قابل للتنفيذ بسبب الفيتو الأمريكي المسلط عليه ، معنى هذا الاستنتاج ان المؤسسات الدولية تشتغل بفعالية وسرعة فقط عندما يتعلق الامر بتصريف الاجندات السياسية  للدول الكبرى او عند تضرر المصالح الاستراتيجية لهذه الدول او عندما يتعلق الامر بمعاقبة دولة نامية او صغيرة من اجل ردع وتخويف الدول الأخرى .

ثانيا: فرص السلام الشامل والعادل وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب دولة إسرائيل ستتأخر لجيل او  جيلين من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ، اذ ان حجم الماسي و الفضائع المرتكبة وندوب الحرب  الجارية وتداعياتها المستقبلية نفسياوسياسيا واجتماعيا ستجعل الحديث عن بدء مسار  السلام اليوم بعد وقف اطلاق النار  بغزة حديث شارد خارج عن الحقيقة و قد يكون للاستعمال السياسي الانتخابي للدول الكبرى لكنه لن يرى النور مادام التطرف والاستعمال المكثف للاساطير الدينية هو المسيطر لدى النخب السياسية التي ستكتسب شعبيتها بعد الحرب ، فاذا اعتقد اليمين المتطرف الإسرائيلي ان القضاء على حماس امر ممكن و ان اجتثات افكارها سيكون بالضغط العسكري والتدمير وقتل القيادات من جميع الرتب والصفوف فهو واهم وخارج المنطق والعقل، والدليل ان إسرائيل اغتالت بشتى الطرق الالاف الفلسطنيين منذ اعتمادها أسلوب القتل الممنهج منذ  انشاء الموساد وبدءا من احداث ميونيخ في السبعينات حيث تمت تصفية معظم كوادر منظمة أيلول الأسود الفلسطينية المتهمين بتنفيذ والتخطيط للهجوم الدموي المسلح ضد الفريق الإسرائيلي في  أولمبياد ميونيخ 72 الا ان القضية الفلسطينية بقيت راسخة و مستمرة والشعب الفلسطيني مايزال صامدا ومثابرا رغم قوافل الاغتيال المستمرة و رغم خلافاته الداخلية ورغم التدخلات الأجنبية التي اصابته في مقتل  وادت الى حروب داخلية خطيرة اربكت الصف الفلسطيني وزرعت  الشك المتبادل بين جميع القوى الفلسطينية ، النتيجة اليوم في  شتنبر  2024 تفيد بان معظم الاستطلاعات المحترمة من كبريات المراكز البحثية العالمية  تقول بان  حركتي حماس والجهاد الإسلامي  ستتقوى مكانتهما الشعبيتين  لدى شريحة هامة من الفلسطينيين في المستقبل  على انقاض اية سلطة فلسطينية كيف ما كان نوعها و شكلها ولونها ولو أتت  هذه الدولة على ظهر دبابة الناتو ، فلن تقيم دولة ذات شعبية ومصداقية لان  الفلسطيني الذي يعيش  ماوقع اليوم من دمار هائل و كوارث و اهوال يصعب وصفها ، ليس من الوارد ان يقبل بدولة فلسطينية بشعارات عقلانية هادئة و ذات افق استراتيجي . في المقابل اذا ما اعتقد الفلسطينيون ان انهاء إسرائيل سيكون بوصفة سحرية عبر اساطير دينية تبشر بزوال دولة إسرائيل و الاكثار من قراءة موسوعات و كتب تتحدث عن انهيار وشيك لإسرائيل فهي قد تصلح في التعبئة  الجماهيرية لكنها لا توافق الميدان المعاش والواقع الملموس ، إسرائيل فيها صراعات سياسية وفيها انقسامات و فيها مشاكل ديموغرافية و اقتصادية .. بفعل الحرب هذا معروف ومنتظر ، لكن الحرب الإسرائيلية اليوم احييت بقوة تلاحم  اليمين المتطرف مع اليسار والعلمانيين وربح المتطرفون رهان الشعب الإسرائيلي بعدما خوفوه بالاخر الفلسطيني و استطاعوا تطويل امد الحرب لكي يستمر اليمين المتطرف في الحكم من جهة ورهانا على وصول ترامب لحكم البيت الأبيض من جهة أخرى .الحرب الحالية قوضت فرص السلام بين الجانبين لكن لا طريق كما يقول المفكر الكبير الان غريش الا بالسلام العادل الذي يحمي الجانبين .

ثالثا : الرهان الفلسطيني او الادق الحمساوي على الخارج للنجدة والإغاثة و المساندة لم يكن في محله اذ ان ايران التي من المفترض انها تمول و تدعم حماس لم تستطع الرد المنتظر منها لدى الفصائل الفلسطينية  ولا تريد ان تقوم بعملية اسناد مباشر لاطفال ونساء غزة وايتامها في دمشق التي فجرت إسرائيل سفارة ايران في عقرها ،فالرد الذي قام   نظام الملالي هو ارسال سرب من المسيرات الاستعراضية التي تحمل رؤوس متفجرة بكميات قليلة و بتنسيق مع أمريكا قبل وقوع الهجوم المضخم إعلاميا للتعبئة الداخلية الإيرانية لا اقل ولا اكثر  كما وقع  في ما سمي بالرد الإيراني على مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني حيث فضح ترامب التخابر الإيراني معه قبل العملية لكي لا يقع ضحايا في القاعدة المقصوفة في العراق ، اثبتت هذه الحرب ان ايران تعمل بالوكالة وتقاتل اعدائها بواسطة اذرعها الطائفية في المنطقة ولم تستطع بتاتا المغامرة بامنها القومي و سلامة  نظامها  السياسي رغم الضربات الموجعة التي تلقاها نظام الملالي باغتيال كوادرهم العلمية وسرقة ارشيفهم النووي و ليس انتهاءا باغتيال رئيسهم إبراهيم رئيسي الذي تستروا على اغتياله حتى لا يجبروا على رد لا يطيقون عواقبه امام هشاشة النظام السياسي الذي بدات تنخره الصراعات الداخلية الاستخلافية ، اما  السكوت عن  اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في قلب طهران وفي خاصرة الحرس الثوري فهو دليل قاطع على ان شعب غزة و دمائه المهدورة لا تستحق مغامرة إيرانيةبل الادهى من ذلك ان التوجس الإيراني بل التكتيك الإيراني في تسخين وتوتير الأجواء الإقليمية وضع الشعب اللبناني هو الاخر في زواية الاستهداف الإسرائيلي الذي يستهدف حزب الله المسير إيرانيا بدون شك ولا مزايدة ، فنجد لبنان البلد الجميل يتدحرج يوميا نحو حرب يسببها مناوشات حزب الله المساندة لا شك للفلسطينين لكن يريدها نتنياهو حربا شعواء ومناسبة لتاديب الجميع بما فيهم ايران وعلى الأراضي اللبنانية والسورية  ورسم خرائط جديدة  تقفز على مقررات حرب 2006 أي تلغي القرار 1701  ، الذي سيؤدي الثمن غاليا هو الشعب اللبناني ومؤسساته السياسية المعطلة وقراره السيادي الذي سيعطي لإيران من جديد عن طريق حزب الله الذي ستعمل الته السياسية الإعلامية على تخوين كل صوت معارض حر اذ لا صوت يعلو على حزب الله المحارب . اما الحليف السوري بشار الكيماوي فلا اظن بان الفلسطينين يراهنون عليه ،فنظامه سقط شرعيا منذ عقد من الزمان ولا يعيش الا بمنشطات إيرانية ودعم إسرائيلي مستتر ، قلت دعم إسرائيلي مستتر  بل مفضوح  اذ ان إسرائيل لو ارادت تخليص سوريا من بشار  ، لو كان عائقا لطموحاتها ومصالحها  حقيقة   لتم اغتياله بسهولة ، لكن إسرائيل تعمل بالمثل الصيني “لا يركل قط ميت” ، فيكفي ان بشار شرد شعبا سوريا مثقفا متنورا و ارجع سوريا الى عصور الجاهلية الأولى بدعم حقيقي إيراني عبر ذراعه العسكري في المنطقة حزب الله و بغطاء مصلحي روسي  ، لكن من باع قيادات حزب الله لإسرائيل من مغنية وكل قتلة الحريري سوى الوجه الاخر  للاسد العميل  ؟

في المقابل الولايات المتحدة والغرب قاطبة وقف مع إسرائيل وقفة رجل واحد لانهم يشتركون قيم الراسمالية واليبرالية و مصالح حقيقية و امدوا إسرائيل سرا وعلانية  بافتك واحدث الأسلحة ووضعوا البوارج و حاملات الطائرات تحت تصرف تل ابيب  . الخلاصة من هذه  المقارنة ان نقول بان بناء المصالح مع الاخر يكون حقيقيا عندما تكون الأنظمة لها شعبية حقيقية وتملك قرارها اما من يعول على أنظمة هجينة مثل ايران والحوثيين وحزب الله …فهو على الأرجح يغامر بما تبقى له من فرص الحياة وقد صدق الصحفي المرموق اغناسيو رامونيه في افتتاحية مقال له بلوموند ديبلوماتيك octobre 2001 عندما قال في سياق الإرهاب الذي ضرب أمريكا في شتنبر 2001 :  “العدو  واضح وله تعريف موحد لدى الغرب والعالم الحرب حسب الاعلام الغربي هو الإسلام الراديكالي قدد تتغير امكنته او سياقاته لكنه هو المكارثية الجديدة بالنسبة للغرب ”

رابعا : تفيد وقائع الحرب الجارية اليوم في غزة و الضفة و ضد حزب الله باستعمال إسرائيل اليات وتكنولوجيا متطورة اذهلت العالم  اذ كيف استطاعت إسرائيل تفخيخ سلع الكترونية وهي في طريقها الى حزب الله ؟ كيف استطاعت قتل قائد  حزب الله   فؤاد شكر في غرفة وسط طابق بدقة متناهية ؟ كيف استطاعت إسرائيل بسرقة أرشيف نووي كامل من اصعب منطقة في ايران ؟  هذه  الأسئلة ليست مستغربة لمن يعرف تاريخ  إسرائيل المبني على تمجيد العلم والبحث عن التقنية في كل مكان ،  فمن يطالع كتاب الحروب السرية للموساد للكاتب الفرنسي المتخصص Yvonnick Denoël   وكتاب العمليات الكبرى للموساد للكاتبين MichelBar-Zohar و  Nissim Mishal سيعرف الاستعمال الكبير للتقنية والتكنولوجية في اختراق كل الدول والتنظيمات المعادية لإسرائيل ، ولكن هل التفوق الإسرائيلي كان بالصدفة ؟ ابدا التعليم في إسرائيل و البحث العلمي أولوية وطنية لدى الإسرائيليين ويخصصون له اكثر من 25 في المئة من ميزانيتهم ، كما ان مراكزهم  البحثية تستقبل خيرة اطر العلم عالميا  ، فيما معظم اعدائهم تهاجر نخبهم ويضطهدون في اوطانهم وتسلط عليهم نخب فاسدة غير قادرة على فك شفرة رسالة فمابالكم بفك شفرة هاتف لاسلكي غير مرتبط حتى بالاقمار الاصطناعية  ، هذه الحرب اكدت ان الأيديولوجيا التجيشية المضلله  لم تعد صالحة للمواجهات والحروب ولا حتى لبناء الأوطان ، ففي أكتوبر 73 انهزم القوميون العرب امام إسرائيل بفعل أيديولوجية القومية العربية التي توهم شعوبها ببطولات وهمية وبوطن عربي زائف وانتشر الوعي الزائف بلغة  محمود امين العالم واكتشف الجميع ان العرب ظاهرة صوتية كما قال القصيمي ، من أراد المستقبل فليبني ديموقراطية داخلية و يشجع البحث العلمي ويحارب الفساد بكل تجلياته ويستثمر في شبابه و يعززهم بقيم اوطانهم الحقيقية و ليست بالهويات المفترضة القاتلة بلغة امين معلوف ويفرض عليهم دولا مستوردة  بلغة برتران بادي .

في سبيل الختم:

اننا اذ نجترح هذا المقال فنحن نتاسف لضمور  قيم التسامح والتعايش في العالم بفعل الحروب المدعومة من شركات الأسلحة الفتاكة  غربا وشرقا والتي تستهدف شعوبا فقيرة ذات طموحات مشروعة في اللحاق بالركب الحضاري وبفعل تغول النظام النيوليبرالي الذي يفقر الفقير ويغني الأغنياء بل يسمح بنهب ثروات الشعوب واستغلالها وتعميق تبعيتها الاقتصادية و  يركز لااستقلالية أنظمتها السياسية ويفكك كل ما هو إيجابي في الديناميات الاجتماعية  ، لكن املنا في المستقبل في ان يستيقظ الضمير العالمي و تبزغ من جديد فلسفة انوارية تنويرية جديدة تعد بمجتمعات اكثر عدالة وديموقراطية  ،  فاذا  كانت مظاهرات الطلاب بفرنسا 68 شرارة بداية الانوار المعاصر أوروبيا  فان مظاهرات طلاب أمريكا والغرب من اجل السلام وضد الحرب بادرة امل في عالم عادل وسلام محقق ممكنين ، اما طلابنا ومثقفونا فهو في معركة طاحنة مع اليومي القاتل ومع النقاشات المفتعلة التي تكشف نكوص الجميع في غياب ادنى شروط العيش الكريم.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *