حسن الحافة: الكتابة بدموع الأمهات ودم القلب

من قيض له أن يعرف حسن الحافة ويلتقيه ويقاسمه حرارة اللقاء في الكافيتيريا أو في المقهى أو في غرف الحي الجامعي أو في غيرها من فضاءات الألفة التي تربطه بها صلات وجدانية تجعله يهب لها أكثر المشاعر نبلا، ليعرفه عن كثب بعيدا عن الفضاءات الرقمية وزجاج الكريستال ومسرح العرائس والماريستات المعاصرة حيث يتخذ الحمقى والمهرجون هيئة عارفين بما ينبغي أن يكون، سيدرك أن الرجل قد صقلته تجارب الحياة ومنحته هبة الحكمة، لم يدر ظهره لما كان يؤمن به ، عكس كثر ممن حشرتهم الحياة بعد عنفوان في جوقة الغافلين، فتنكروا لما كان يساور خاطرهم؛ متذرعين ببؤس الشروط حينا وباحثين عن المسالك التي تفضي إلى ضايات المخيلة التي تتوهمها الحواس فتتخفف من ثقل العناء وتستحيل خفيفة، خفة لا تحتمل ثم يلازمون محارتهم؛

عكسهم سيختار حسن الكتابة وستكون هاجسه اليومي، جنته وجحيمه في الوقت نفسه، كأنها الغيرة في قصص الحب ، أجمل ما فيها ونارها أيضا ، وستكون صدى لصوته ليبلغ أمداء أبعد من دوائر الطلاب وحلقاتهم، وسيلازم في الحياة العيش البسيط، زاهدا فيما قد يريق ماء الوجه ودم الحلم على سقط المتاع وشهوات النفس، وسيكون قدره أن يعيش مكابدات مجتمع يمجد التطابق ولا يفصل بين عوالم الخيال وعوالم الألفة، بين الكائنات السردية المتخلقة من الجرح وسواد الحبر ودموع الأمهات والماء المالح لعيون اليتامى وعرق المتعبين على الياقات وأوحال الحياة الأولى على الأراضين ورجفات الخاطر ورفة العين الحالمة، وبين كائنات الطين، المسافة ذاتها التي ستثعثر بها خطاه وتستقر به حيث لا تشتهي روحه المنذورة للحرية العاشقة للعيش القروي وللامتدادات، وحين تحيطه عناية القلوب، سيعتذر بسخاء نادر من أصدقاءه في البلد وهم كثر، أن هناك من يحتاج لذلك غيره من المرضى والمفلسين والعاطلين عن العمل، وأن زجاجة نبيذ ستكفيه ليكون أقوى من السجان، ويستأنف الخطو في الحياة مكتشفا ما حجبته عنه غفوة الإغماض…

إننا نرمي بأكثر من ” حسن” في المتاهات ، حين نصر جميعا على محو المسافة بين عوالم الحياة وعوالم الأدب، حين نبحث عن المتعة ولا ننصرف إلى جنة التأويل، ونرمي الهلع في الأعماق ونرمي الآتي في غيابة الجب حين نقرأ القصص وندير حركة الخاطر عن المغزى الثاوي.

سنغبط حسن الحافة جميعا على ذلك الإحساس الإنساني الرفيع حين يطالعنا بابتسامته من بعيد رغم كل النيران الصديقة لمن يقاسمهم الأفق ذاته جاعلا من الهزيمة لحظة انطلاق مختبرا إياها، شأن كل وعي شقي يتقد بما يتجاذبه من إحساس المحبة الغامرة إزاء البسطاء لانتمائه إليهم وإحساسه بمأساتهم، ونقيضه تذمرا مما قد يفضل عن ذلك من تملق وتزلف ودسائس ومكر ، كأنه صاحب الثعلب الذي يظهر ويختفي في عزلته وتأملاته.

دم شخصي ملوث بمحبة الحياة ، تنهشه القبائل المعاصرة حين يكتب إليها وعنها ، قبائل الوزرة البيضاء وقبائل ونحل إناث بشوارب كثة من المنتسبات بقدر أقل لوليات القرن التاسع عشر وبدرجة أكثر حدة لعادات الاستهلاك ونمط التملك والحداثة المعطوبة، من اللواتي يهلن على سيمون دوبوفوار وفرجينيا وولف وروزا لوكسمبورغ أردية خضراء ويبنين بأفكارهن جسرا إلى شهوات الجسد أكثر مما يشيدن به جسرا إلى المستقبل الخلاق ….

حسن الحافة الذي يمجد عزلته، غب كل لقاء يحب أن يشاغب أصدقاءه عن حيواتهم مختبرا صدقهم ، لكنه كان يدرك حكمة باسكال ، يدرك أن ” للقلب مبرراته التي يجهلها العقل “.

*أحمد بوزيد- كاتب مغربي

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *