حفريات من أجل الكشف عن أصل تسمية المغرب

بقلم: محمد عليمو

المملكة المغربية هي العبارة التي تحملها الدولة المغربية وتستعملها في كل الوثائق التي تصدرها سواء المتعلقة بالدستور والمعاهدات الدولية والقوانين والوثائق الرسمية.  تعرف المملكة المغربية اختصارا باسم المغرب. هذه اللفظة ترتكز على أساس تاريخي وقل من تكلف بالنبش في جذورها .

نثير هذا الموضوع في هذه المقالة من اجل الكشف عن أصل تسمية بلاد المغرب عسانا نساهم في سد بعض الفراغات التي يعاني منها  تاريخ المغرب . كما نشير منذ البداية أن تتبع تطور لفظة المغرب تداخلت فيه عدة عناصر منها ما هو مرتبط بالثقافة  الأمازيغية وما تناقلته الكتابات والمؤرخين الاسلاميين .

ان لفظة المغرب كما نستعملها اليوم شكلا ومعنى نتاج لتطورها عبر التاريخ المغربي لتصبح في الاخير على ما هو عليه اليوم ، كما نؤكد أنه يصعب على الباحث في تاريخ المغرب أن يطمئن لنتائج ابحاثه أذا لم يكن ملما بالأمازيغية  لغة وثقافة ، ولهذا  فأن الباحث في أصل تسمية المغرب يحتاج الى استعمال كل الادوات والمنهجيات المتاحة من مصادر ومراجع وكل الكتابات والروايات الشفوية المتواترة عند المغاربة وعلى رأسها الحكاية  الشفوية باعتبارها سجلا لجزء كبير من الموروث  الثقافي المغربي من عادات وتقاليد . فرغم التعريب الذي خضعت له عدة مناطق بالمغرب فان أسماء الاماكن والنباتات ظلت صامدة ومنها لفظة المغرب نفسها كما سنوضح .

المغرب كما عرف عند الشعوب الاخرى

تواترت عدة اسماء للدلالة على بلاد المغرب كما نعرفها اليوم فالأوربيون استعملوا عدة تسميات  أغلبها مرتبطة بعواصمه  : كمملكة  “موريطانيا الطنجية” التي كانت عاصمتها طنجة والتي كانت تمتد الي نهر السنغال جنوبا وتعرف عند الامازيغ ب: ” آيت ايومور”، أصحاب الحق بالامازيغية ) انطلاقا من دولة (موريطانيا  الطنجية ) اعطى الاستعمار الفرنسي للإقليم الذي احتله جنوب المغرب اسم  موريطانيا ، التي حافظت على نفس التسمية بعد استقلالها .   كما عرف المغرب في القرون الوسطى  بعواصمه المعروفة آنذاك  كمملكة مراكش ومملكة فاس. حيث كانت الظهائر والمعاهدات الدولية يوقعها  سلاطين المغرب تارة باسم سلطان مراكش و تارة باسم سلطان فاس . انطلاقا من اسم مراكش التي تعني بالأمازيغية (أمور ن ياكوش) وبالمعنى الدلالي نصيب  الله أي أرض الاوقاف التي بنى فوقها يوسف ابن تاشفين عاصمته  ، اشتق الاسبان الاسم الذي يعرفون به المغرب Marokko.Marruecos  .كما يعرف عند الفرنسيين والانجليز باسم Morocco .Maroc  و استعمل الفرنسيون كذلك عبارة Le Royaume cherifienne  المملكة الشريفة .

يعرف المغرب  عند الاخباريين والمدونين باللغة العربية قديما المغرب  باسم المغرب الاقصى وهو تحديد جغرافي لكونه يقع في الغرب الاسلامي. كما يعتبر المغرب جزء من المغرب الكبير أو ما يسمى بالمغرب العربي ( التسمية التي فرضها القدافي على بلدان  شمال غرب افريقيا ) لكن الامازيغ ظلوا يطلقون على بلاد المغرب لفظة  “موغرب” وهي اللفظة التي تطورت وادخلت عليها تغييرات لتصبح في الاخير المغرب كما سنوضح فيما بعد .

الأمازيغ هو الاسم الذي يطلقه سكان المغرب على انفسهم وهو اسم فاعل للدلالة على النبل والحرية ولا تزال في  المغرب عدة الأسر تحمل هذا الاسم كاسم عائلي ، كما توجد دواوير وقرى تحمل اسم امازيغن .

ان حدود المغرب عرفت تارة  تمددا جغرافيا وتارة انكماشا حسب وضعية الدول المتعاقبة عليه فتارة يشمل المغرب والاندلس والجزء الغربي من الجزائر وغرب افريقيا . فالإخباري المغربي ابن عذاري المراكشي اعتمد على معيار الثقافة واللغة الامازيغية لتحديد منطقة المغرب فاعتبر  ما نسميه  “تمازغا “كحدود المغرب أي من غرب الاسكندرية الى سلا غربا .

هل لفظة المغرب كما يفهمها الناس اليوم لها معنى آخر؟ ان التعريف ذو البعد العربي جاء متأخرا لكن اللفظة استعملها الامازيغ قبل حتى أن يتعرف المغاربة عن العرب وقبل وصول الاسلام الى المغرب كما سنوضح .

المغرب في الكتابات العربية

كل شخص يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية ، عند محاولته استعمال أو قراءة لفظة المغرب مكتوبة باللغة العربية في القرون الوسطى لا بد ان يفهمها  بخلفية عربية أو دينية فكلمة المغرب بالنسبة لهم لها معنى الغروب أي الغرب الاسلامي  أو بمعنى وقت من أوقات الصلاة . انطلاقا من هذا المعنى ظل الكتاب باللغة العربية الى حدود القرن 19 يستعملون لفظة المغرب الاقصى (فتح الميم) للدلالة على بلاد المغرب رغم أن مفردة المغرب (ضم الميم ) بالمعنى الامازيغي أقدم من دخول الاسلام والعربية الى المغرب .في البداية استعمل الاخباريون العرب تسمية المغرب بالضمة كما ينطقها الامازيغ  “موغرب ” ونجد هذا خاصة عند ابن عذاري المراكشي في كتابه “البيان المغرب ” بضم الميم ،وهو أقدم كتابة باللغة العربية عن تاريخ المغرب مما يجعل صاحبه يحتفظ بالكلمة الاصلية كما كان يستعملها الامازيغ القدامى ومن الاكيد أن الكاتب كان يعرف الامازيغية بالرغم من انه يكتب باللغة العربية  . بعد الاستقلال عرفت لفظة المغرب بمعناها العربي انتشارا واسعا بفضل استعمالاتها المدرسية والاعلامية ،  رغم أن هذا المعنى لا يستطيع الصمود أمام اي فحص أو انتقاد . اذا سمي المغرب بهذه اللفظة لكونه  يقع في المكان الذي تغرب فيه الشمس بالنسبة للمسلمين هل يمكن تسمية اندونسيا بالمشرق ، لكون  الشمس تشرق منها.؟ لهذا تم تجاوز هذه اللفظة من طرف الكتابات والاستعمالات الاوربية ، الذين أعطوا للمغرب تسميات انطلاقا من عواصمه ، وظل أغلب المغاربة خاصة الناطقين بالأمازيغية متمسكين بلفظة “موغرب ” في استعمالاتهم اليومية.

لهذه الاسباب لابد من تعميق البحث في جذور الكلمة ولن يتأتى هذا الا اذا كان الباحث ملما باللغة والثقافة الامازيغية ، لأن المعطى الامازيغي يفرض نفسه على كل باحث في اللغة والتاريخ المغربي . يمكن التأكيد أن اصل تسمية  المغرب امازيغي لكن الكتابات التي تمت  باللغة العربية احدثت بها بعض التغييرات على مستوى الكتابة ومستوى النطق كما أضافوا اليها عدة طبقات من الدلالات كما سنرى فيما بعد.

المغرب في الموروث الثقافي الامازيغي

لا يمكن الاطمئنان لما جاء في الكتابات العربية حول تسمية ا لمغرب لذلك يجب النبش في البيئة الامازيغية باعتبارها مدخلا أساسيا لكل الابحاث المرتبطة بالعلوم الانسانية بالمغرب وما نتوفر عليه اليوم  يتعلق برواية شفوية تتناقلها الالسن من جيل الى جيل منذ التاريخ القديم مفادها أن بلاد المغرب تسمى “موغرب”  انتسابا لامرأة أمازيغية كانت تعرف ب” موغرب” لكون هذه السيدة خرجت قديما  الى جانب الرجال في رحلة صيد ، فتاهت عن المجموعة  فاقدة بذلك عائلتها خاصة  ابنائها .انطلقت بعد ذلك  في رحلة بحث مطولة طافت خلالها أرض المغرب في جميع الاتجاهات دون جدوى . شكل هذا المصاب صدمة بالنسبة لها،  فكانت كلما حلت بمنطقة  تبكي رثاء لفقدان ابنائها .هذا النوع من البكاء والرثاء يعرف عند الامازيغ باسم “أغريب “.   وبما أن “أغريب” صفة وصاحبة هذه الصفة امرأة اطلقوا عليها “موغرب” في كلمة واحدة تجمع الاداة الواصفة “مو” والصفة “أغرب” لأن الامازيغ يجمعون الاداة الواصفة والصفة في كلمة واحدة  .

سواء كانت هذه الرواية صحيحة أو غير صحيحة من حيث الاحداث والشخصيات فان لها وقع وجداني حيث ظلت  متداولة بشكل واسع في الاطلس المتوسط وخاصة عند زمور وزيان.

منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا ظلت النساء الأمازيغيات  يحتفظن بطقوس “أغريب “رثاء لكل فقيد  ف “أغريب “لا يتضمن فقط البكاء وانما كلام شعري تذكر فيه مناقب واعمال الفقيد أو المفقودين. انطلاقا من هذا الحدث بدأت تسمية بلاد المغرب  ب”موغرب” “أي ارض صاحبة البكاء الحزين ،لكن المفردة  خضعت لعملية التعريب فتحولت الى لفظة المغرب كما هو متداول اليوم .

فماذا تعني لفظة “موغرب” ؟ ان لفظة المغرب (م بالضمة )التي استعملها ابن عذاري المراكشي  تأكد ما تناقلته الرواية الشفوية الامازيغية وما تناقلته الاجيال وظلت صامدة الى يومنا هذا .

للمزيد  من التوضيح  نقدم الامثلة التالية : كثير من الكلمات الامازيغية تحمل الصفة والاداة الواصفة ، فاذا كانت الصفة لاسم مؤنث تبدأ الكلمة ب: “مو” مثل” موغرب ” ، “موذلال “أي صاحبة الشعر الطويل ، “موحجام ” صاحبة الوشم …واذا كانت الصفة لاسم مذكر تبدأ الكلمة ب: “بو “مثل : بويزكارن ، بوفكران ، بويكرا ….

من لفظة  موغرب في الاصل  الى الموغرب الى المغرب حاليا

تحقيق المفردات في علم اللسانيات التاريخية يؤكد على وجوب الاخذ بعين الاعتبار البعد الامازيغي ،اذ لا ينبغي الاكتفاء بالمعنى المشهور لمفردة المغرب بل ينبغي تحقيق معانيها في اللغة الامازيغية ولن يتأتى ذلك  الا للناطق باللغة الامازيغية فالمعنى العميق للفظة المغرب ترجع الى المفردة الاصلية ” موغرب “كما هو وارد في الرواية الشفوية مدعومة ببعض الكتابات باللغة العربية

لفظة المغرب كانت في الاصل “موغرب” من أجل تعريبها وكتابتها باللغة العربية اضيفت اليها “أل” المعرفة حيث انه جرت العادة من أجل تعريب كلمة أمازيغية ،اكانت اللفظة مذكر يضاف اليها “أل” في بداية الكلمة مثل : “أمخزني” رجل سلطة بالأمازيغية تحولت  الى المخزني ، “أمزوار” متقدم الناس في شؤونهم الدينية تحولت الى المزوار ، “أمرابض” (الشريف) :المرابط  واذا كانت اللفظة مؤنث كمثال ” تامازيغت “تتحول الى الأمازيغية ….

باختصار ان ما نعرفه عن أصل تسمية المغرب راجع لما تناولته الرواية الشفوية الامازيغية وما روجت له المصادر العربية نقلا عن الرواية السابقة  أضافت اليها بعض التحريفات لتساير ما تسمح به أنداك السلطة السياسة والدينية .ومنذ اول نص مدون بالعربية لابن عذاري المراكشي نتلمس آثار الأمازيغية في تحديد جذ ر تسمية لفظة المغرب التي لم تكن في الاول الا لفظة “موغرب” وبعدها عرفت تحولات مورفولوجية ودلالية : من موغرب الى “المغرب” بضم الميم الى المغرب بفتح الميم كما نعرفه اليوم .على مستوى الدلالي تحولت من موغرب  أرض صاحبة الرثاء الى المغرب بالمعنى المغرب الاسلامي ، رغم أن اللفظة أقدم عن تاريخ الاسلام بكثير .

في الأخير نبقي السؤال مفتوحا. ما حقيقة أصل تسمية المغرب ؟هل ما هو شائع ومتداول بين الناس؟ أم مدى تطابق الدلالة مع أصل التسمية بجذرها الامازيغي ؟ وهنا نقول لا يمكن للشعوب أن تهرب من تاريخها .فمهما طال الزمن، لا بد أن يرجع التاريخ لتصحيح أخطاءه.

اقرأ أيضا

امحمد القاضي

“حتى أنت يا بروتوس!”، مقولة القيصر التي خلدت الخيانة من المقربين: الطعنات الغادرة القاتلة وأعطاب العلاقات البشرية المزيفة

الإخلاص والوفاء والثقة والتبات على المبادئ في المعاملات والروابط الإنسانية من أنبل القيم الكونية التي …

تعليق واحد

  1. كل نقاش لكلمة مغرب لا يبدأ بالجدر “رب” بعيد عن المنطق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *