الدكتور عبد العزيز لمقدم (أخصائي نفسي عصبي)
الدكتور زهير سويرتي (أستاذ طب الأعصاب)
قام فريق من جامعة سيدي محمد بن عبد الله والعصبة المغربية لمحاربة الصرع والجمعية المغربية للفيزيولوجيا العصبية بالمغرب، يإجراء دراسة ميدانية هدفت إلى ترشيح مصطلحات بديلة عن مصطلح الصرع، بسبب تداخل ما هو علمي بما هو غير علمي. كما أن للمفهوم الكثير من الحمولات القدحية التي تسبب وصما وعزلا اجتماعيا للمريض. وحسب الدراسة فقد ارتبط مفهوم الصرع على مر فترات من الزمن بالمعتقدات الخاطئة والأساطير المتوارثة وظل حبيسا الجهل والأوهام والمعتقدات الخرافية التي أرجعت أسبابه إلى المس الشيطاني أو العقاب الإلهي، وتطورت الأفكار بمرور الوقت من التفسيرات السحرية إلى التفسيرات العلمية، ويعود توثيق مرض الصرع والمصطلحات المعبرة عن النوبات إلى 2500 سنة قبل الميلاد، وخضع المصطلح للمراجعة والتحديث على مدى العصور ووصف في الأدبيات التاريخية بأوصاف لا تختلف عن تلك المستعملة في الوقت الحالي، مثل الصرع أو النوبة أو السكتة الدماغية أو التشنج، كما عرف مصطلح الصرع تغيرات كثيرة حتى داخل مجالنا التداولي المعاصر حيث اقترحت الكثير من الدراسات مصطلحات بديلة، مثل بحث كيساني الذي اقترح وزملاؤه من جامعة القاضي عياض بمراكش عدة مصطلحات مثل “اضطراب السقوط” و”التأخير السلوكي” و “إبليبسيا” و “كهربائي” و” كهرباء الدماغ “.
وبالرجوع إلى القاموس الأمازيغي، فقد عثر على أن لمصطلح “صرع” مرادفات كثيرة، لكن دلالالتها متباينة، وتتأرجح بين ما هو سلبي وما هو أقرب إلى التحديد الصحيح. إذ أن كلمة “بوتاماز” (ⴱⵓⵜⴰⵎⴰⵣ) ترادف كلمة “ابيليبسيا” في التحديد اللاتيني ومعناه المرض الذي يسلب، كما أن كلمة “تغيت تميمونت” أو” تومزت تيمومنت” ، تحيل إلى فعل “إغي” أو “يومز”، وهي دلالة على السلب أو الحجز أو الأخذ بالقوة. بينما تحيل “تميمونت” على “لالة ميمونة”، وفي ذلك إشارة إلى السلب أو الحجز من طرف لالة ميمونة وهو بطريقة أخرى مس أو لعنة من الجن أو الأرواح، فضلا عن مرادفات أخرى مثل “أسللي” (ⴰⵙⴰⵍⵍⵉ)؛” فرزدق” (ⴼⵔⵣⴷⵇ)؛ “تقريانت “(ⵜⴰⵇⵔⵢⴰⵏⵜ)؛ تكاراوات (ⵜⴰⴽⴰⵔⴰⵡⴰⵜ)؛ وفي مقابل ذلك نجد مصطلح” أكليل” (ⴰⴳⵓⵍⵍⴻⵍ) ، وهو المصطلح الأقرب إلى التحديد الصحيح، حيث نجده في المعجم الطبي الأمازيغي المغربي، بسبب خلوه من الدلالات السلبية حول الصرع.
لقد هدفت هذه الدراسة إلى اقتراح مصطلح بديل عن المفهوم التقليدي، حيث تم ترشيح المصطلحات التالية لتقوم بدل مصطلح الصرع وهي:( الصرع) assare، (الاختلاج) convulsion، (إبيليبسي) epilepsy ، (الاعتلال الكهربائي للدماغ) Electroencephalopathy، حيث تكونت العينة من 300 مستجوبا وحصل مصطلح (الاعتلال الكهربائي للدماغ) Electroencephalopathy على نسبة كبيرة مقارنة بالمصطلحات الأخرى وحل (إبيليبسي) epilepsy ثانيا و(الاختلاج) convulsion تالثا في الوقت الذي تم فيه اقصاء (الصرع) assare. ولعب متغيري الفئة المصابة بمرض الصرع والفئة التي تلقت تعليما جامعيا دورا حاسما في اقتراح مصطلح الاعتلال الكهربائي للدماغ وتغليب كفته مقارنة بالمصطلحات التي اقترحتها الدراسة، لأنه مصطلح يعبر عن اختلال في النشاط الكهربائي للدماغ ويتم تشخيصه عادة بالآلات مثل شبكة التخطيط الكهربائي للدماغ EEG ويتم علاجه بالعقاقير أو التدخل الجراحي.
وتنبهت الدراسة إلى دور التعليم في توجيه الٱراء وتحطيم الأفكار والمعتقدات والتمثلات السلبية حول مرض الصرع والتي تفسره بالأرواح الشريرة التي تسكن الجسد وتتعاطى معه على المستوى العلاجي بالممارسات العشوائية كصرع “الممسوس” بواسطة ”الفقيه” أو الراقي وهو ما يجعل المريض عرضة للاستغلال من طرف الكثير من المحسوبين على الدين والرقاة والمشعوذين، كما تنبهت الدراسة إلى دور فئة المرضى ورغبتها في تغيير المصطلح، لأنها الفئة الأكثر تضررا من استعمال هذا المصطلح (الصرع).
وبناءا على النتائج المهمة التي توصلت إليها الدراسة، أصبحت العصبة المغربية لمحاربة هذا داء تتبنى رسميا مصطلح (الاعتلال الكهربائي للدماغ) Electroencephalopathy بدل مصطلح (الصرع) assare بالنسبة للغة العربية ومصطلح الابيليبسي بالنسبة للدارجة المغربية و مصطلح” أكليل” (ⴰⴳⵓⵍⵍⴻⵍ) بالنسبة للغة الأمازيغية لأنها مصطلحات تعبر عن مرض كبقية الأمراض العصبية التي يتعامل معها الطب مثل الصداع و الزهايمر والتصلب اللوحي والباركنسون…. فالتصنيف العلمي والتشخيص الجيد باعتماد الٱلة قد ساعد على فهم المرض، كما أن الاصطلاح الجديد سيساعد المريض على تقبل ذاته و وتقبل مرضه، وتلعب التوعية بعدم خطورة المريض على المجتمع وأنه لا يشكل أي تهديد لاستقرارهذا الأخير دورا مهما في هدم الكثير من التمثلات والمعتقدات الخاطئة داخل المجتمع.
وللوصم كلفه نفسية تتجلى في دورات الاكتئاب والقلق و مشاكل في تقدير الذات، يتحملها المصاب لوحده مما يؤثر على الرفاه النفسي للمريض. إذ يعاني المصابون بهذا المرض من انخفاض ارتفاع معدل البطالة ونقص فرص الشغل المناسب لدى هذه الفئة مقارنة بالأشخاص العاديين. وهوما يجعلهم يظهرون مواقف تدل على عدم تقبلهم لذواتهم، بسبب أن الصرع يحمل علامة اجتماعية ووصمة عار تؤثر على التصنيف الاجتماعي للفرد. وبناءا عليه، سيكتسب الاصطلاح الجديد الذي اقترحته فئة المرضى والفئة التي وصلت إلى مرحلة التعليم الجامعي حسب الدراسة أهمية كبيرة، وذلك لأنه يعبر بشكل علمي عن اختلال في النشاط الكهربائي للدماغ، وهو اختلال لا يختلف عن بقية الاختلالات الفزيولوجية والكيميائة التي تحدث عادة في بقية الأمراض الأخرى، لكنها لا تسبب لهم أي وصم اجتماعي ذو تكلفة عالية على صحة الناس وعلى رفاههم النفسي وجدودة الحياة لديهم.
وتنبه الدراسة إلى دور الثقافة الصحية، والحملات التحسيسية داخل المجتمع، إذ تؤكد على دورهما في تحسين معارف وممارسات الناس حول الاعتلال المرض وفي تغيير المفاهيم القدحية التي تسيء للمريض و كذلك محاربة وصمة العار في الوسط التعليمي وتنبه إلى أن للمدرسين دور مهم في التعريف بهذا الاعتلال وتوجيه الناس نحو تبني المعتقدات الصحيحة داخل الأوساط التعليمية وهي من شأنها أن تساعد على التقليل من حدتها جنبا إلى جنب مع الدعم النفسي والاجتماعي لهذه الفئة من المرضى.