من المؤسف أن يتم التعامل مع تصريح الوزير أحمد التوفيق بشأن العلمانية خارج سياقه التاريخي والاجتماعي، في محاولة لخلق جدل غير مبرر. ما قاله الوزير ليس إعلانًا عن تناقض مع الدين أو ثوابت الأمة، بل هو توصيف لواقع مغربي متأصل في ثقافته الاجتماعية والدينية، التي تجمع بين الإسلام المعتدل وبين المرونة في إدارة الشأن العام.
العلمانية التي تحدّث عنها الوزير ليست المفهوم الغربي الذي يفصل الدين عن الدولة بشكل صارم، بل هي فهم مغربي أصيل يُجسد نموذجًا متوازنًا، حيث يتم الفصل بين الاختصاصات دون تقويض مكانة الدين. المغرب منذ قرون يعيش “الإسلام الشعبي”، وهو الإسلام الذي يُعنى بالجوانب الروحية والأخلاقية، بينما تُدار الشؤون الاجتماعية والسياسية من قِبل الزعامات القبلية أو المؤسسات الدنيوية.
إن اتهام الوزير بأنه “اختراق لثوابت الأمة” يغفل عن حقيقة أن هذا النهج الذي تحدث عنه الوزير هو ما حافظ على استقرار المغرب، وساعد في تجنب الوقوع في فخاخ التشدد أو الاستغلال السياسي للدين. المغرب دولة تعرف قيمها الدينية جيدًا، وتعمل على حمايتها من التوظيفات التي قد تُسبب انقسامات داخل المجتمع.
أما فيما يتعلق بتحييد المساجد عن الشأن العام، فهو ليس انتقاصًا من مكانة الدين، بل هو تأكيد على أن الدين يجب أن يظل فضاءً للروحانية والسمو الأخلاقي، وليس ساحة للصراعات السياسية أو الأيديولوجية. هذا الفهم يُعزز مكانة الدين في قلوب الناس ويحميه من الابتذال الذي قد ينجم عن استغلاله في الصراعات اليومية.
إن مطالبة العلماء بالتصدي لتصريح الوزير أمر غير منصف، لأنه يتجاهل أن هذا الطرح نابع من فهم عميق لتاريخ المغرب وطبيعة تدينه. العلماء المغاربة كانوا دائمًا دعاة للاعتدال والتوازن، وهم على دراية بأن استقرار المجتمع يعتمد على الفصل بين مجالات الدين والدولة بما يحفظ لكل منهما مكانته ووظيفته.
في الختام، فمؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب هي الضامن الوحيد للشأن الديني، وهي منبع الاطمئنان الذي يجعل المغاربة متأكدين من أن دينهم في مأمن من أي استغلال أو انحراف.
الهجوم على تصريحات الوزير يُظهر الحاجة إلى نقاش أعمق وأهدأ حول مفاهيمنا الدينية والاجتماعية، بعيدًا عن لغة التخوين والتشكيك. المغرب ليس دولة تُهدد هويتها أو قيمها، بل هو نموذج حضاري استطاع أن يحافظ على أصالته في ظل التحديات المختلفة.