إذا كان المصريون خرجوا بالملايين لإسقاط رئيس منتخب ديمقراطيا، في دولة حدثت فيها ثورة فعلية ضد نظام ديكتاتوري، وبما أن جيش مصر لم يتردد في الإنقلاب على رئيس مصر الشرعي من منطلق صناديق الإقتراع، ولما كان المنقلب عليه، منتميا إلى جماعة إسلامية لها تاريخ عريق وقوة لا تقارن مع بقية تنظيمات الإخوان المسلمين خارج مصر وخاصة بالمغرب، إذا كان كل ذلك كذلك، فستبدو قضية الإطاحة ببنكيران أمرا بسيطا وهينا للغاية، بل صار ممكنا جدا وشرعيا إلى أقصى حد، إذ لا مجال للمقارنة بين بنكيران ومرسي، فالأول كان حزبه ضد التغيير بالمغرب، وهاجم حركة شباب عشرين فبراير، وتملق النظام وحاول أن يكون بديلا لمن يعتبرهم تماسيح وعفاريت اليوم، في مقابل الشعب المغربي، كما باع وهم إمكانية التغيير للشعب المغربي عن طريق صناديق اقتراع لا يمكن الجزم بشفافيتها، ثم بعد مرور أكثر من سنة ونصف على تواجد حزب العدالة والتنمية في الحكومة المغربية، لم يحقق بنكيران أي شئ بل كل ما ظل يفعله هو وصقوره وحمائمه لشهور هو الشكوى إلى الشعب لا إلى الله، من تماسيح وعفاريت تحاربه من دون أن يتفضل بتسمية تلك التماسيح والعفاريت، ولا حتى بذكر القرارات العظيمة والمشاريع العملاقة التي كان ينكيران ومن معه سينجزونها وعرقلتها التماسيح والعفاريت، التي تحولت إلى مشجب يعلق عليه إخوان بنكيران تيههم وفشلهم وعجزهم عن صنع أي فرق في واقع المغاربة الذي إزداد سوءا، بل أكثر من ذلك ثمة قوانين تنظيمية لتفعيل مضامين الدستور المغربي على علاته، لا تحتاج من بنكيران أموالا طائلة ولا دعوات إلى العلي القدير لكي يخرجها لحيزها الوجود، ما دام من سيقوم بذلك هو البرلمان الذي يملك فيه بنكيران أغلبية مريحة من النواب، يتقاضون أجورهم من أموال الشعب المغربي، من دون أن يقوموا بأي شئ يذكر طوال أزيد من سنة ونصف، عدا عن تعرية البطون والأقدام وإستعراض قاموس أسماء الحيوانات والكائنات الخرافية، والمزايدات الفارغة والتخويف من أوهام عودة الإحتجاج للشارع، الذي ساهم بنكيران وحزبه في وأده، لكن لم يترددوا في توظيفه لتحقيق مآرب سياسية ضيقة لحزبهم.إن أخطاء بنكيران وحزبه لا تقارن بتاتا بأخطاء مرسي وحزبه وجماعته، فبنكيران كان ضد الثورة والتغيير، وضغط من أجل الحد من ديمقراطية دستور غير ديمقراطي أصلا، كما وصل للحكم بواسطة صفقة توهم مخطئا أنها ستؤبد وجوده وحزبه في دواليب الدولة المغربية، ويقترب حاليا من إتمام سنتين في الحكم من دون تحقيق أي إنجازات تذكر، اللهم إذا استثنينا رفع الأسعار، وقمع المعطلين وسجنهم، واعتقال العشرات من النشطاء الحقوقيين، وقمع مئات الإحتجاجات، والتسبب بأزمات متتالية في كل القطاعات، حتى صار المغاربة يحنون لما قبل عشرين فبراير فعلى الأقل حينها كان ثمة منطق للأمور بالمغرب.إن بنكيران وحزبه العدالة فشلوا كما كذبوا على المواطنين المغاربة، وخسروا رهانهم على تملقهم للنظام المغربي، ومسارعتهم لما يعتبرونه إنقاذ البلاد والعباد من سيناريوا دول الجوار، وتوهموا أنهم حكومة ثورة في بلد لم تحدث فيه ثورة، كما عانوا من نوع من عقدة العظمة، فحزب يعتقد أمينه العام أنه منقذ النظام الملكي بالمغرب، لا شك لن يعاني فقط من فوبيا التماسيح والعفاريت، إذ ثمة أمراض أخطر منها، جعلت بنكيران وحزبه يتوهمون حجما ما كان لهم يوما، لذا إستمر بنكيران في نوع من الرياء السياسي المحرم دينيا طيلة سنة ونصف، في مواجهة الشعب والمؤسسة الملكية والمعارضة أيا كانت، مذكرا الجميع كل مرة ان لولاه لأتت حركة عشرين فبراير على الأخضر واليابس، على الرغم من أنه يعلم جيدا أن لا أحد كان يطالب بإسقاط الملك، بل كان السقف هو ملكية برلمانية.إن صنع تمرد بالمغرب ضد حكومة بنكيران أمر في غاية البساطة، ومطلوب، وثمة سيناريوهات كثيرة لفعل دلك وفقها، إذ لو كان ثمة مثلا إرادة لدى من يعتبرهم بنكيران تماسيح وعفاريت، فصديقه شباط فقط أنزل إلى شوارع الرباط عشرات الآلاف من المتظاهرين في فاتح ماي الماضي، وبإمكانك تحالف بسيط في الكواليس بين شباط ولشكر وإلياس، أن يسقطوا حكومة بنكيران بمظاهرات احتجاجية، هذا من دون تدخل المؤسسة الملكية، أما في حالة تدخلت فنهاية بنكيران هينة جدا بلا أي إسقاط للسيناريوا المصري في المغرب، وسيكون بنكيران وحزبه أول من سيدافع ويتقبل إسقاط حكومتهم، ولن يتحدثوا عن إنقلاب كما فعل مرسي، لأن لا خيار لديهم غير الانضباط لأي توجيهات تأتي من القصر الملكي، وهم الذين يعلنون بمناسبة أو من دونها، أنهم مستعدون دوما لخدمة الملك وكأنهم يلوحون لملكيتهم لخيارات أخرى غير خدمة الملك.إن بنكيران وحزبه ساقطون لا محالة، وبعد ما حدث في مصر لا شك يعيشون فوبيا جديدة تنضاف إلى كل عقدهم، وهي الخوف المرضي من الإسقاط، ولعل هذا ما يفسر مسارعة عبد الله باها إلى مهاجمة إخوانه في مصر، متهما إياهم “بالطائفية والاستحواذ”، وكأننا به يريد أن يخبرنا أن البيجيدي قنفد أملس، وأنهم منزهون عن منطق الإخوان المسلمين في مصر الذين للغرابة لا تختلف مرجعيتهم في شئ، عن تلك التي لدى إخوان باها، إن لم تكن ثمة تبعية المريد المغربي للشيخ المصري بينهم.ما يهم أن ثمة حركة تمرد في مصر، لعل أهم نتائجها المباشرة والفورية أنها بعتث الأمل من جديد في نفوس المغاربة، لإطلاق الجولة الثانية والحاسمة من إحتجاجات الشارع المغربي، لكن لا يجب أن تكون لإسقاط بنكيران فهو ساقط على كل حال كما إخوانه، بل يجب أن نتمرد جميعا من أجل دولة ديمقراطية مدنية، المدخل إليها دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، تمرد من أجل ثورة حقيقية، لا استنساخ هجين لما يحدث في مصر، لأننا إذ ذاك سنشارك بنكيران في وهمه حول حدوث الثورة بالمغرب وكونه حكومة ثورة.
اقرأ أيضا
“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”
تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …