شرع المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في الآونة الأخيرة، في عقد اجتماعاته للخروج بتوصياته، التي من بينها -حسب ما تناقلته بعض الصحف الوطنية- إعداد توصية بشان الامازيغية تقضي بالاقتصار على تعليمها في السلك الابتدائي فقط، دون الإعدادي والثانوي والعالي.
وحيث تبدو أشغال هذا المجلس غير شرعية ، تعترضها صعوبة مادية وقانونية، تجعل اجتماعاته سابقة لأوانها، وبالتالي في غير محلها لمخالفتها أحكام الدستور استنادا للأسباب التالية:
أولا: لأن المشرع لم يخول له صلاحية تخطيط السياسة اللغوية والتعليمية لبلادنا، وإنما أسند إليه فقط مهمة إبداء رأيه في السياسة العمومية المتبعة في المرافق العمومية المتعلقة بالتربية والتكوين المهني والبحث العلمي، فالفصل 168 من الدستور المتعلق بإحداثه، ينص بالحرف على ما يلـــــــــــــي:
(( يحدث مجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
المجلس هيأة استشارية مهمتها إبداء الرأي حول كل السياسات العمومية والقضايا التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي….))
ثانيا: لأن الجهة التي اسند إليها الدستور مهمة تخطيط هذه السياسة اللغوية في شأن الأمازيغية، هي السلطة التشريعية بمقتضى القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
بيد انه لحد الان لازال المغرب يفتقر الى هذه السياسة اللغوية الأمازيغية، لتأخر صدور هذا القانون التنظيمي.
ثالثا: لأن السياسة اللغوية العامة ، الهادفة الى ضبط انسجام التعدد اللغوي ككل في المجتمع المغربي، أسندها المشرع إلى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس من الدستور التي تنص على ما يلـــــي:
(( يحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته على وجه الخصوص حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية…))
ويمكن القول أيضا أن هذه السياسة اللغوية العامة تعتبر في حكم الغائب، لعدم إحداث هذا المجلس الوطني للغات بعد.
إذن، فالصعوبة المادية التي تعترض أشغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين، تتمثل في أن السياسة اللغوية العمومية المراد إبداء رأيه الاستشاري فيها، لم تصدر بعد، من طرف الجهة المختصة دستوريا بوضعها، مما يجعله أمام استحالة مادية مطلقة للقيام بمهمته، لافتقاره إلى مادة العمل، التي هي هذه السياسة اللغوية.
أما الصعوبة القانونية فتتجلى في عدم اختصاصه نوعيا في تخطيط أية سياسة لغوية، ولذلك فطالما كان موضوع كيفيات ومراحل إدماج الامازيغية في التعليم، يندرج بطبيعته في ميدان السياسة اللغوية، فان تداول المجلس بشأنه يشكل تطاولا منه على موضوع لا يدخل في اختصاصه.
وهكذا ولما ثبت من المعطيات القانونية المتقدم ذكرها، توقف اشغال هذا المجلس على صدور السياسة اللغوية المنصوص عليها في الفصل الخامس من الدستور، فينبغي له والحالة هذه تأجيل أشغاله إلى حين صدور هذه السياسة، ليتأتى له حينذاك إبداء رأيه الاستشاري حولها.