سياسية تعمير أم منهجية تفريغ بمنطق التهجير بالأطلس الصغير

بقلم: امحمد القاضي*

تعتبر هندسة التعمير فن تنظيم التجمعات السكنية، وتهيئة البنيات التحتية لمسايرة التطورات الحديثة ومتطلبات المجتمعات الحالية والمستقبلية. هذه الخطوات ملزمة للتخطيط الحضري وبأجزاء الشبه قروية القريبة من المدن وعلى المسؤولين التشديد بإحترام جمالية، سلامة وصلابة المباني والمنشآت.

حين يتعلق الأمر بتطبيق قانون التعمير الجديد بقرى نائية في الثلث الخالي من المغرب العميق بجبال الأطلس الصغير، كأيت عبد الله مثلا بإقليم تارودانت، فالأمر مختلف.

تطبيق قانون تعمير موحد لا يأخذ بخصوصية العالم القروي النائي، والحالة الإقتصادية للمنطقة، والقدرة المالية للساكنة، يعتبر إجحاف في حق فقراء المناطق الجبلية. رغم إستدراك وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة ووزارة الداخلية الموقف بإصدار دورية مشتركة تهدف إلى تبسيط مسطرة الترخيص بالبناء في الوسط القروي، يظل سلوك المسطرة مكلفة للساكنة.

للتوضيح، ساكنة دواوير جبال الأطلس الصغير توقفت عندهم العجلة الإقتصادية المحلية، ولم تعد الأرض تنتج مع توالي سنوات الجفاف، ومع نذرة المياه الجوفية تعطلت معها الزراعة المعيشية الموسمية، وتم هلاك محاصيل أشجار الأركان واللوز جراء هجمات الرعي الغادر والجائر، وحطمت الدودة القرمزية نبات الصبار بشكل كلي، وعات الخنزير البري فسادا في الأرض وهلعا في البشر. وأصبحت الساكنة المقيمة صامدة بالجبال، تكافح من أجل البقاء وتقتات من عائدات أبنائها وبناتها المستقرة بالمدن. لذا أصبح أي إستتمار من الساكنة في الحجر بالمنطقة مغامرة مالية في ظل الأزمة الإقتصادية الحالية. لكن بالمقابل يعتبر الجهد المالي تضحية يمليها الواجب القبلي وحب الإنتماء وقوة الإرتباط بأرض الأصول.

كانت الساكنة تتطلع لإصلاح مساكنها المهترءة بتحويشاتها المتواضعة، ويمني المهاجر النفس بالعودة لمسقط رأسه بتمازيرت لبناء مسكن صغير يحقق به حلمه كأقرانه، ويعمل بوصية أسلافه. كان هذا ممكنا بالأمس القريب، قبل أن يصعق تعقيدات وطول مسطرة طلب الرخصة، والتكلفة المادية لإستصدار تصميم البناء وما يصاحبه من وثائق أخرى، الساكنة ذات الدخل الشبه منعدم. الكلفة التي تتجاوز السبعة عشر آلاف درهم، حين نضيف عليها الربط بالكهرباء، كانت في السابق تكفي الساكنة لوضع أسس المنزل أو بناء حجرات  لتوسيع مسكن. الحالة هذه نتج عنها تراجع في عمليات الإصلاح، وعزوف في البناء، ومغادرة جل عمال البناء المنطقة لقلة فرص الشغل، ويشتكي تجار مواد البناء من كساد السوق. وبذلك لوحظ إنكماش وبطء دوران العجلة الإقتصادية للمنطقة. فلماذا هذه التكاليف والمصاريف التي يمكن الإستغناء عنها لتشجيع الإستقرار الأسري ببوادي سوس في ظل أزمة ممتدة؟

تساؤلات الساكنة تدور حول المقصود من هذه الإجراءات التعسفية المتتالية. لا المداشر إستفادت من البرامج التنموية المجالية بشكل عادل، ولا الساكنة كسبت حقها من الثروة الوطنية والتوزيع العادل لمنتجات الوطن، ولا الأبناء تمتعوا بتعليم متكامل بمؤسسات عمومية غير كافية، ولا النساء والكهول تمتعوا بعرض صحي في المستوى من مستوصفات مهجورة، ولا برامج محو الأمية، والتأهيل الإقتصادي والمجالي غطت  المقصيين، ولا، ولا…  تكثر اللآت لدرجة نخجل سردها خشية نعتنا بالتشاؤم والعدمية.

كل هذه العوامل، تجعل المتتبع لشؤون أدرار، يتعجب في بطء برامج التنمية للوصول على ظهر سلحفاة، وتسريع تطبيق  الإجراءات الزجرية، كقانون التعمير، التي تصل وتعم كل أرجاء سوس في خفة البراق.

فلا يسعنا إلا أن نتساءل وسط زحمة ألا معنى،  أهي عملية تهجير قصرية للساكنة المقيمة والصامدة بأعالي الجبال؟ أم هي منهجية تفريغ البوادي بسوس من ساكنتها الأصلية لغرض في معادن جوف أراضيها؟ أم تشتيت لأهل المنطقة المتماسكة عرقيا؟ أم رغبة في تدويب المغتربين المهاجرين بالمدن وسط الحواضر؟ أم هي منطق القضاء والعمل على إنقراض لسان أمازيغي صمد الدهر كله؟ أم هي تهميش ثقافة وتقزيم تاريخ ليصبح مجرد فلكلور يسوق للسياح كالنوادر لجلب عملة صعبة؟ أم هي خطة تركيع وضربة في عمق نفسية أناس بجينات نادرة صامدة أمام الإنكسارات ومقاومة للصدمات صابرة للمحن؟

كل هذه التساؤلات وغيرها نجد سر الإجابة عنها في الإختيارات الميدانية ببوادي سوس، والأزمات المتتالية التي تشهدها المنطقة، والهشاشة الإجتماعية والتحديات التي تتصارع الجمعيات المحلية في التغلب عليها لوحدها وسط فتات التنمية، وفي غياب دعم معنوي ومادي لبرامجها الجادة.

هكذا حالنا ببوادي جبال الأطلس الصغير. كما يقول الشاعر:

جرح في ظهر الخيل تحت السرج متداري ### لا الخيل تشتكي ولا الخيال داري.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله.

شاهد أيضاً

ندوة دولية بأكادير حول أهمية التربة في التنمية المستدامة

افتتحت يوم الاثنين فاتح يوليوز بأكادير ندوة دولية حول موضوع “متجذرة في القدرة على الصمود: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *