قبل الانتقال الى الحديث عن سيدي محمد التسكاتي دفين سيدي وساي جوار سيدي عبد الرحمان الروندي الذي تقدم، ارتأينا ان نورد مايلي: “وساي دفين ساحل ماسة، لا نعرف الا النزر القليل عن حياته، وتبقى الإشارات الوحيدة مستمدة من ورقات تتضمن مناقبه، ومن تمة اختلاف حول نسبه فتارة يذكر ضمن صلحاء ركَراكَة المستقرين بسوس، وتارة أخرى يرد بين ال يعزى ويهدى او ينسب الى العمريين وان اصله من الاندلس بعد ان انتقل اليها قادما من الشرق فيقال له الروندي، الا ان ذكره بوساي اشهر منه بعبد الرحمان، ويبدو ان جميع المؤشرات تدل على انه طارئ على بلاد بماسة، بعد سنوات قضاها في السياحات صحبة المتصوفة. ولات يستبعد ان يكون هذا الاستقرار مرتبطا بحالة الانجداب الذي التي تتمتع به ماسة، نتيجة تواجد الرباط المشهور، ويترسخ الاعتقاد باحتمال ظهور المهدي، لهذا اضحى المكان مأوي الصالحين. ولا ريب ان ما ينعت به في المصادر بصفة البهلول، نابع عما كان يأخد نفسه بالتقشف والرياضة والساحة، توفي وساي بماسة في تاريخ مجهول وقد صنفه المختار السوسي ضمن صلحاء القرن الخامس الهجري، وقيل انه من اهل القرن الثامن، ومشهده يعتبر من المزارات السوسية المقصودة بكثرة، ويذكر ان ولديه رجعا الى فاس بعد دفن ابيهما، بعدها انتقلا الى قبيلة ايسافن نايت هارون حيث دفنا”. اوردنا هد النص لصاحبه الأستاذ احمد بومزكَو، كواحد من اقطاب البحث التاريخي في سوس خاصة والمغرب عموما، نظرا لشموله، وتركيبه المكثف الذي يختصر السيرة الذاتية والصوفية لهذا المتصوف كواحد من المنجذبين الى ساحل ماست، قصد الانعزال والتعبد وممارسة الرياضة، نص يعطينا صورة عامة عن جوانب مهمة من حياة المتصوفة وحالاتهم النفسية والبدنية، فالتقشف وممارسة الرياضة والاكتفاء بالقليل من الطعام والزهد في الملذات كلها عناصر مهمة في حالات التصوف وتشكل عناوين بارزة في ذهنية هؤلاء في علاقاتهم مع المحيط الخارجي والبنية الاجتماعية المحيطة بهم.
اما بخصوص اسم هذا الولي المشهور بوساي، وعلاقته بالأسر العلمية الماسية، وخاصة الوسائية كما ورد عند المختار السوس في سوس العالمة، فسنحاول إعطاء ومضات في هذا الاتجاه املين ان نعود الى هذا الموضوع في مقالات أخرى. كما سنعود الى تشريح لغوي لكلمة وساي وعلاقتها بكلمات أخرى من نفس الصيغة في تاريخ المغرب ومنها وكَاكَ الذي ركب اسمه على نفس الصيغة اللسانية وهو مرشد ومعلم عبد الله ابن ياسين، وغيرها من الصيغ على نفس التركيب.
– الاسرة العلمية الوسائية:
نسبة الى سيدي وساي. لقد سبق وان اشرنا الى انتقال أبناء سيدي عبد الرحمان الى فاس، وبعدها الى ايسافن نايت هارون بعد ان دفنا ابيهما في ساحل ماست، وفي هذا الصدد يورد المختار السوسي في كتابه سوس العالمة ان الاسرة العلمية الوسائية نسبة الى سيدي وساي، واسمه عبد الرحمان الروندي، دفين رباط ماسة، يعيش في نحو القرن السادس،[ سبق وان أشار في المعسول الى انه من أصحاب القرن الخامس الهجري]، له فروع في جزولة كأبناء سيدي عبد الله داوود في قبيلة ايسافن وهم اسرة تزخر بالعلماء، وكأسرة أخرى في قرية ايموجادير في تامنارت، فيها علماء اخرون، وقد تسلسل العلم في الاسرتين الى الان وينتسب الجميع الى سيدي وساي الذي راينا نسبه، انتهى كلام السوسي، الذي أشار الى مواطن شهرة افراد الاسرة الوسائية وكان ذلك كله خارج ماسة، والسبب في ذلك واضح ويرجع الى انتقال أبناء سيدي عبد الرحمان للعيش في قبيلة ايسافن ناحية جبال باني، وهناك اشتهروا وتسلسلوا في العلم والتدريس، كما نص على ذلك نص السوسي، جريا على عادة ابيهم، وهنا لا نسبعد ان تكون لسيدي وساي مدرسة علمية خاصة به، فسيرته الذاتية والمعارف والتجارب التي راكمها في الشرق وفي الاندلس عناصر تؤهله بشكل كبير تولي مناصب التدريس، كما ان معاصرته لأكبر عالم في تاريخ سوس وهو سيدي وكَاكَ بن زلوا للمطي مؤسس الزاوية المشهورة ومدرستها التي تخرج منها عبد الله ابن ياسين التمنارتي، كلها عناصر تجعلنا نقول ان لسيدي وساي مدرسة دينية لتعليم وتلقين أصول الدين والتفقه فيه، وقد ذكرها محمد المختار السوسي اثناء حديته على المدارس الماسية كالصوابية والامكَدولية، كما ان الرواية الشفوية مازالت تحتفظ بأخبار زاويته ومازال ذكرها يجري على الألسن، على المدرسة الاغبالوئية التي أشار اليها محمد المختار السوسي في كتابه مدارس سوس العتيقة نظامها – اساتذتها في الصفة الرابعة بعد التسعين، وهي ومدرسة قديمة قدم القرية التي ذكرها كتاب الاستبصار، وقال: انها موجودة بهذا الاسم في اواخر القرن السادس الهجري، فهي مدرسة قد جمعت بين الحسنيين: تعليم القرآن الكريم بقراءة ورش عن نافع، وتعليم القراءات السبع التي اشتهر بها علماء القرية، كما تخرج منها كثير من قراء سوس، إضافة الى كونها تهتم بتدريس العلوم العربية والفقهية، وتحفيظ ،مهاتها كألفية ابن مالك وابن عاشر، وفي شأنها يقول المختار السوسي: هي مدرسة قرآنية، درس فيها آل محمد بن الحسن (المتقدم) ومحمد بن أحمد وأهله الروايات. هذا نص واضح ولا غبار عليه لصاحب الحاجة الماسة لتعريف ماسة، وهو باحث متمكن، وقارئ بصير واسمه بصير محمد من دوار افنتار بماست، والذي أورد نصا واضحا كذلك لمحمد المختار السوسي حول مدرسة اغبالو، ولست أدرى الداعي الذي جعل بعض السوسي يغلف الحديث عن المدرسة الوسائية وهذا ما جعل بعض المهتمين بتاريخ ماسة وسيدي وساي، يقولون ان إغفال السوسي الحديث عن المدرسة الوسائية اثناء حديثه عن مدارس سوس العالمة. ومن بين قراء هذه المدرسة [الاغبالوئية حسب السوسي] المشهورين نجد أيضا الأستاذ محمد بن الحسن الاغبالوي المتوفي بالأخصاص عام 1348 هـــ، وسيدي احمد الماسي صاحب القراءات المتوفي بإلغ حوالي 1316ه، وسيدي عبد بن الحسين المتوفي بعده 1330 ه.
– أبنائه:
كان لسيدي وساي كما تقدم أبناء، كما تشير المصادر التاريخية، التي تشير الى تفرع نسله خارج ماسة وبالضبط في جبال جزولة، ولم تذكر قط وجودا لهم في مشهد ابيهم في ساحل ماسة، الذي اشتهر فيه سيدي وساي، باستثناء واحد منهم وهو احمد المشهور بلقب “بوكَرزام” ومعناه صاحب السبع، وهناك من يقول له أبو النمر، والفرق واضح بين الاثنين، فالنمر في اللغة الامازيغية هو اغيلاس، بينما أكَرازام هو السبع او الأسد، وبعيدا عن هذا، فأحمد ابن عبد الرحمان، كان رجلا صالحا، لازم ابوه في ماسة وتتلمذ على يديه، ولازمه الى ان توفي، فقفل راجعا مع ابنه محمد (الحفيد) الى مدينة فاس، وانتهى بهما المسار بعد ذلك بإيسافن نايت هارون، وفي هذا الصدد تعجب احد المهتمين بالتاريخ الماسي من كون قبيلة علال من (ايت عميرة بهشتوكة) حين اعتقدوا ان احد أبناء الشيخ وساي دفن في بلدهم لوجود قبر له هناك، وهذا ما لم يشر اليه العلامة المختار السوسي على الاطلاق. هذا الغموض جعل الحسن الطوسي الذي اوردنا له الإشارة السابقة يقر باستحالة الإحاطة واستيفاء هذه الاسرة السوسية العالمة حقها، لغموض يكتنف تناسلها وتسلسلها، وحاجتنا الملحة في المزيد من البحث والتقصي.
ومن بين أبنائه كذلك نجد محمد (الحفيد) عبد الله بن داود ، الحسين بن الحاج على بن عبد الرحمان ، عبد الله بن الحسين ، علي بن محمد ، إبراهيم بن عبد القادر، مجمد بن عبد الرحمان، احمد بن عبد الرحمان، الحنفي ابن الهاشمي بن عبد الرحمان، علي بن الهاشمي، وهو شقيق سيدي الحنفي المذكور سلفا، محمد بن الحسن، محمد بن الحسن، محمد آخر وهو الابن الرابع عشر لسيدي وساي، من هذه الفخدة أيضا. ولد في قرية (تانفزاط) تم نشأ في سكتانة، أخذ في “تامازت”، وهو فقيه، يذكر وقد اوى أخيرا الى البيضاء، ولا يزال حيا الان 1359 هــــ. هؤلاء هم رجال الاسرة الوسائية الذين تيسر لنا هنا جمع ما وصلنا عنهم، وهي من الاسر السوسية العلمية وقد ذكرناها باسم الاسرة الداودية في كتاب (سوس العالمة) وما احراها ان تسمى باسم الوسائية لان اول علمائها في (سوس) هو سيدي وساي -كما رجعنا فيما تقدم- (وبعد) فليت شعرى ما هذا الاسم- وساي-؟ ولم سمي به هذا السيد؟ فاننا لا نعرف له معنى. فهل يمكن لنا ان نجد يوما ما معنى؟ سؤال طرحه محمد المختار السوسي منذ زمن في الجزء السادس عشر من معسوله اللذيذ، وها نحن أبناء اليوم نحاول ان نجد له معنى، من خلال تشريح لساني للكلمة، وهذا ما سيأتي مستقبلا. على ان نعود كذلك الى هذه الاسرة الماسية العريقة من اجل الوقوف على سيرة افرادها ومساهماتهم الفقهية وأثرهم في مجال التصوف وغيره.
سيدي محمد الماسي التسكاتي: قاهر بوحلايس وعالم زمن المولى سليمان
قال عنه محمد المختار الوسي في كتابه رجلات العلم العربي في سوس، وهو كتاب خصصه الكاتب لرجالات لعلماء وفقهاء وقضاة وعدول وغيرهم مما عاشوا بين منتصف القرن الخامس الهجري الى منتصف القرن الرابع عشر الهجري، هو محمد بن احمد التسكاتي، تاساكات (قرية) علامة جليل متطلع معتن ورع سني كبير مدرس، مخرج مقاوم للمبتدعة، فتك ببوحلاس، بقيامه ضده جد قيام، ويذكر أن سلطان وقته زاره، وله اعتناء بإستنساخ الكتب ونشر المواعظ توفي سنة 1214 ه نزل بماسة ودفن إزاء سيدي وساي. ونسبه الكامل متسلسا هو سيدي امحمد بن احمد بن عبدالله بن محمد بن علي التاساكاتي الهلالي، نسبة لقرية تاساكات احدى قرى أمزاور من قبيلة أفرا، التابعة لاتحادية قبائل ايلالن، نزيل قبيلة ماسة، وكان من أكابر تلاميذ الشيخ محمد بن احمد الحضيكَي (ت1189-ه- 1775م) صاحب الطبقات المشهور ، أرسله لعمارة المدرسة الصوابية في أكَدال بماسة، تلبية لطلب السيدة عائشة بنت احمد الصوابي، والتسكاتي علامة جليل متضلع معتني بالعلوم، ورع سني كبير مدرس، مخرج، مقاوم للمبتدعة فتك بالثائر الفتان بوحلاس سنة 1208هـ بعد قيامه في أيت باعمران سنة 1207هـ حيث ادعى المهدوية وانتحل شخصية مولاي اليزيد، كما فعل من سبقه الى ذلك كابن محلي الذي ثار ضد المولى زيدان بن احمد المنصور الذهبي، وطالب هو كذلك بالحكم كما فعل بوحلايس عندما طالب بالحكم ضد السلطان مولاي سليمان العلوي، ونافسه في ذلك واصدر الظهائر وارسل الرسائل، حج سيدي محمد التسكاتي بيت الله الحرام، واستقر في حمى الشيخ الصوابي، ويذكر ان السلطان مولاي سليمان كافأه على مقاومته للبدع، والدفاع عن المحزن والتمهيد لها من تلقاء نفسه، وله اعتناء باستنساخ الكتب ونشر المواعظ، كما اسلفنا القول. أصابه وباء الطاعون وتوفي به سنة 1214هـ ودفن في احدى القبب المشهورة في سوس وماسة وهي قبة ضريح سيدي واساي بماست تكريما له وتخليدا لاسمه.
(يتبع)