– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس
أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها شبيه الى حد الى الثورات الت قادها من سبقوه ومنهم على الخصوص ثورة الفقيه الثائر ابن ابي محلي على المولى زيدان السعدي في مدينة مراكش، كما ان ثورة بوحلايس كما سنرى لا تختلف كثيرا عن ثورة بوحمارة اللاحقة، والذي ثار ضد المولى عبد العزيز واستمرت ثورته الى زمن حكم المولى عيد الحفيظ، غير ان الفرق بين الثورة الأولى والثانية يكمن في طبيعة الشخص الذي قام بإخمادهاـ فلأولى كانت نهايتها على فقيه وعالم متمكن وهو سيدي محمد التسكاتي، والثانية كانت على يد قائد الرحى- ما يوازي اليوم رتبة كولونيل في الجيش- الناجم الأخصاصي المعروف، ميدانيا والغير معروف تدوينا، وادا استثنينا سيرته الذاتية كما هو مدونة في الجزء العشرين من المعسول، لا نكاد نجد شيئا من سيرة هذا العسكري الفذ في كتب التاريخ والتراجم التي اهتمت بتاريخ المغرب في تلك الحقبة، وهذا الموضوع يستحق التفاتة نظرا لاهميته واهمية سيرة القائد النجم الأخصاصي الذي نجح في نقش اسمه على حجر مسرح الاحداث الخاص بتاريخ المغرب ما قبل كولونيالي، فمن طفولة بائسة في مسقط رأسه بلخصاص الى العبودية ثم الانعتاق والافلات من الرق الى المجد العسكري والسياسي، والمقاومة جنبا الى جنب مع الهيبة، كلها عناوين تستحق البحث.
تولى المولى اليزيد بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل، الحكم، ودشن عهده بمهاجمة الاسبان، ولم يلبث في الحكم الا قليلا حثى قانت ضده ثورة عنيفة ناحية الحوز في موضع يسمى “تازكورت” -الحجلة- وهناك لقي حتفه بعد ان قضى في الحكم ما يقارب السنتين، وكانت وفاته في 21 جمادى الثانية من سنة 1206 هـــــ 1791 م. أوردنا هذا المقتضب من سيرة المولى يزيد نظرا لارتباط اسمه بقيام ثورة بوحلايس الذي حاول استغلال وفاة هذا السلطان للحصول على شرعية سياسية لحركته، التي كانت قبائل ايت باعمران منطلقها الأول، فبوحلايس ادعى انه السلطان المولى يزيد العلوي ودعاهم الى القيام معه لاسترجاع حقه من خصومه الذين هزموه في معركة تازكوت بزعامة أخيه هشام نواحي الحوز، وقد استغل هذا الثائر قلة الموصلات بين جهات المغرب آن ذاك لنشر دعايته وتركيز مشروعه السياسي في أوساط قبائل الجنوب. قال عنه محمد المختار السوسي في رجلات العلم العربي في سوس: بوحلايس البعمراني [مع العلم انه ليس بعمراني المولد كما سنرى] الثائر المشهور، لا نعرف أصله، زنديق ملحد جبار عنيد فاتك لأهل الفضل، غصاب للاموال، ساحر، سمي باسم اليزيد بن محمد بن عبد الله العلوي، قتل سنة 1207هـــــــ. هذا النص يبين لنا بكل وضوح موقف الكاتب من ثورة بوحلايس، وهو موقف لا يمكن ان يختلف عن موقف جزء من العلماء والفقهاء من معاصري قيام الثورة ومنهم بطبيعة الحال موقف سيدي محمد الماسي التسكاتي الذي قام لدحر ثورة بوحلايس كما سنرى. ونود ان نسجل هنا اننا نجهل أسباب قيام ثورة بوحلايس ولا نعرف عنها سوى النزر القليل، كما لا نعرف أي شيئ عن مواقف بوحلايس -صاحب البردعة، يرجح ان هذا اللقب اطلق عليه بعد قيام ثورته قصد التنقيص من قيمتها وادلالها قصد اظهارها بشكل سيئ كي لا تتفشى دعوته وسط الحشود، ونفس الشئ جرى مع ثورة بوحمارة عندما خرج من فاس وقام في قبائل الحياينة- من قضايا عصره، كما لا نعرف مستواه التعليمي وتكوينه، وكل مت وصلنا يعبر عن وجهة نظر منافسيه واعدائه، وهو ما يجعلنا نحطاط بشكل كبير من بعض ما كتب حوله وحول أسباب قيام ثورته. وقد ذهب الجهادي الحسين البعمراني الى القول ما أن “جرح المولى اليزيد في معركة تازكورت وشاع خبر وفاته بعد ذلك، فبايع اهل الهبط شقيقه مسلمة، وبايع أهل فاس مولاي سليمان، في هذا الوقت، أعلن بوحلايس الصغير بأيت باعمران انه السلطان يزيد بن محمد بن عبد الله بن مولاي إسماعيل العلوي، يريد مناصرته منهم، من أجل استرجاع حقه المزعوم من الغاصبين بمراكش، ومعنى ذلك انه حي لم يمت في تلك المعركة. ففعل مثل أهل مراكش، وأهل فاس لفقدان الدستور الوضعي”.
ادعى بوحلايس انه المهدي المنتظر، كما ادعى ان لا حدود لكراماته وخبراته، وان لا مجال لمقاومته، كما فتك بمعارضيه وبطش بالفقهاء واليهود الذين عارضوا قيام دعوته، وكان يقدف بهم في حفرة واحدة جنبا الى جنب، وتقوت شوكة بوحلايس واتسع مجال نفوذها واستقطبت العديد من الناس، الذين نجح بوحلايس في استمالتهم بأشكال متعددة ومناهج كثيرة من ترغيب وترهيب، كما واجه خصومه كذلك بالكثير من الذكاء والدهاء، واحسن استغلال اخبار الجهات الشمالية من المملكة، وما كان يقع فيها من الاضطرابات والصراعات السياسية التي كانت اخبارها تصله.
حاول بوحلايس تحصين حركته وتوطيد عضضها، وتقليد الامراء والسلاطين واكابر القوم، والهدف من ذلك هو إيجاد خلفية قوية لثورته لتأجيجها، وفي هذا الاطار نشير الى ان بطشه باليهود في سوس كان تقليدا للمولى اليزيد الذي عرف بقسوته في معاملة اليهود في مدينة فاس، في بداية حكمه، ويرجع ذلك الى حاجته الى الأموال لتوطيد اركان ملكه، وهكذا عمل على “استنزاف أموالهم، واخرجهم من ملاحهم، وامر بحفر قبورهم التي مرت عليها اكثر من ثلاثمائة سنة، في المكان المعروف بالجيسة بفاس، وسمي مدينته باسم خيبر، ومنع ان لا يلبس يهودي ولا يهودية لباسا أخضر، وقتل كل اليهود الكبار الذين خدموا اباه سمت جلالته، وأحرقت كثير من أسفار التوراة، وبدل كثير من اليهود دينهم”. هذا النص أورده صاحب كتاب تاريخ التواريخ. وقد اوردناه هنا بما ينسجم مع ما سبقت الإشارة اليه من كون الثائر بوحلايس كان يقلد السلاطين والامراء والثوار الذين سبقوه وفي الصدد أورد الضعيف الرباطي ان وقائع ثورة الكرسيفي، وقال وفي هذه السنة المذكورة ثار بأقصى بسوس القائم أبو محمد الكرسيفي من انتتملت، وحرك لاهل اكدير ودخلها عنوة بالسيف أهلها وأوقع بهم وقعة هائلة فنزل على معاطنهم في فونت، تحث سيدي بوالقنادل حثى مات الجل منهم عطشا، من نسائهم وصبيانهم، وكانوا يدفنونهم في الديار والمساجد من شدة العطش، وكان الثائر المذكور يبرح في جبال أهل سوس وقبائله في الوطا من أيت زنيق، ويحث على الجهاد في أهل أكدير ،وقال ان تلثهم من نصارى وتلثهم يهود، وثلثهم مسلمون عصاة حطب جهنم، وأنهم ركن من أركان جهنم، ثم ان أهل سوس الذين وفدوا معه لم يروا البحر قط وتغشموا فيه، فمن جهلهم اخدوا يشربون منه ويخوضون الزميتَة بمائه، فمات منهم خلق كثير من اجل ذلك، ثم رجع الثائر المذكور الى تارودانت، واراد ان يغزي هوارة، ففهموا ذلك منه وأرادوا غدره، ثم انه فر منهم وقال: انني أردت زيارة سيدي عمر وهرون برأس وادي سوس، فتبعته هوارة الى أن خلطوا عليه في يوم ثلاثاء تصاصت بزاوية سيدي عياد، فأخذوا يلعبون بالبارود مع أصحابه، فلم يقرأ فيهم أمان وفر بنفسه منهم. فتبعوه الى أن وصلوا صهريج أيت أيوب، في تنزرت فضربوه بالرصاص، ففر أيضا ودخل دار الشيخ أحمد ويدر ومات في داره، فنهب ماله أيت يشو ذلك سبع وأربعة مائة وألف (1147) والذي قتله هو ابن همَان الهواري، وصَاين الهواري، ويعيش الركني المنبهي، وكان مولانا عبد الله إبن إسماعيل قد دفع عليه العبيد حين قيام خذا القائم المذكور، مصير بوحلايس لن يختلف مع مصير الكَرسيفي، فاذا كانت نهايته بالرصاص، فبوحلايس سينتهي محروقا في بئر بتالعينت كما سيأتي ذلك.
يتضح مما سبق ان الجو العام في تاريخ المغرب، كان توجهه وتسيطر عليه بعض الأفكار التي تقدس الاولياء وترفع من شأنهم، جريا على عادة الاسلاف ولكن يبدوا ان هذه التوجهات سوف تجد أمامها منافسة شرسة، وستزاحمها في الفترات الموالية، ونخص بالذكر هنا الأفكار الوهابية التي بدأت تتسرب الى المجتمع المغربي وبدأت في الحصول مساحات في المجتمع. وعلى العموم حاول بوحلايس تقمص شخصية المولى اليزيد، الذي سبق له أن أقنع الناس بحقه في الملك ضد والده، في الجهات الشمالية، واستغل بوحلايس هذا النوع من الدعاية لتسهيل اقناع الناس بأطروحته وقد نجح في مسعاه ذلك، حين نجح في استمالة الحشود وادعى انه المولى اليزيد وأنه الاجدر بالحكم من الملك المغتصب، وقد استغل في ذلك قلة التواصل بين الجهات المترامية للملكة المغربية، وصعوبة الالمام بمختلف التطورات فيها وتفسيرها وفهمها على نحو جيد. ينضاف الى ذلك كترة التفسيرات وتعدد الفاعلين في المشهد المغربي الذي يعاني من كترة التجاذبات الداخلية والخارجية. ولما “كان المولى يزيد العلوي يستعين بالأماكن المباركة المباركة، ويلجأ إليها عند الضرورة في شمال المغرب، فإن بوحلايس الساحر، أعلن قتنته في مسجد مبارك في أيت باعمران يسمى بوتمزكَدا، في قبيلة إدموساكنا شرق مدينة إفني بعشر كلم، وهناك أظهر لهم خوارقه للعادة، بالنسبة للعامة في مجتمع فلاحي، وفي مسغبة لا تبقي ولا تدر، فكيف لا يتبع القوم من أفاض عليهم السمن والعسل وهم جياع في فترة جفاف مستمر؟ كما مناهم بالخبز والغناء، وأنه غالب على كل من عاداه؟ والبداوة تضرب أطنابها، والحاجة تساهم في تراكم الاتباع. ربما لن نجد أحسن من هذا النص الذي حاول تفسير تمكن دعوة بوحلايس في نفوس ساكنة ايت باعمران، كما نجح هذا النص في مقاربة أسباب قيام الثورات في السوس زمن الكوارث الطبيعية من جفاف، وجراد، ومسغبات، والتي تتجه فيها هذه المناطق الى الاعتماد على رصيدها الثقافي والديني لمواجهة حدة الكوارث الطبيعية، والتي تعرف كذلك تخلي المخزن المركزي عن هذه المناطق وعجزه عن الوصول اليها. اعلن بوحلايس عن ميلاد ثورته يوم عيد المولد النبوي، بهالة كبيرة مما أثار حفيظة الفقهاء ونقمتهم عليه وكانت هذه هي بداية نهاية ثورته، لأنه استفز الفقهاء والعلماء وأثار فعله ذلك حفيظتهم، واتجهوا الى فضح مراميه وتعرية حركته وتشويه دعوته.
وفي خضم هذه الاحداث سيظهر الفقيه الأدوزي والتسكاتي، واللذين اتجها الى كشف يهوديته للناس، ومن هنا إتجه بوحلايس الى تصفية اليهود وقتلهم فردى وجمعات، وكان يدفنهم مع الطلبة والفقهاء الذين عارضوا ثورته وقيامه في سوس، هذا العمل كان يقوم نهارا جهارا ضد الفقهاء الذين كشفوا مراميه السياسية وعدم شرعية قيامه في هذ الربوع، وكان يروم وراء تصفية اليهود الى إزالة تهمة الانتماء الى الديانة اليهودية عنه وابعاد هذه التهمة التي يمكن ان تضعف قوة حركته، وكان كذلك يهدف الى الاستيلاء على أموال هذه الطبقة التي تخزن الأموال وتتقن التجارة والحرف اليدوية، وكانوا يسيطرون على الرواج التجاري على طول طريق القوافل العابرة للصحراء، وكان نسبة مهمة منهم تنتمي الى يهود الاطلس الصغير، والسفوح الأخرى لجبال جزولة، كما اختص هؤلاء في ضرب النقود وصناعة العملة، ولهم علاقات تجارية مع الدول الأجنبية انطلاقا من بعض المراسي المحلية الكبيرة والصغيرة.
ظروف قيام سيدي محمد الماسي التسكاتي لمواجهة بوحلايس
بعد ان تمكنت حركته في السوس الأقصى، وتمكن أمره في القبائل طوعا أوكرها، قام عليه فقيه متمكن، وصوفي ورع ومؤثر، وهو كذلك أستاذ مرب، من طلبة محمد بن أحمد الحضيكَي، ويدعى محمد بن احمد من قبيلة إيلالن المولد، والمستقر بماسة. زحف بوحلايس على قبيلة إفران فنهبها، في موكب وجيش كبير ينهب القبائل، وانهزم جيش سيدي أحمد بن سعيد أمامه في أمسرا، فنهب ما تيسر له هناك.
بعد نزول بوحلايس في “تيمولاي ن إيزدار”، السفلى ارسل اليه الفقيه التسكاتي رسولا يعلن له به العداوة كمال قال السوسي، وفتك به، وقال التسكاتي لتلاميذ من الذي يذهب بهذه الرسالة الى أبي أحلاس، ممن له رجاء في الخير، فأجابه السيد الذي يطلق عليه أبو الرجاء الى الاَن وهو ضريح عليه قبة في تيملاي.
بعد حادث قتل بوحلايس لمبعوث الفقيه التسكاتي قام هذا الاحير بحشد همم العلماء والفقراء الناصريين الى مدافعة هذا الصائل حسب السوسي، الذي يفتن الناس في دينهم، فأجابه الولتيتيون بجيش عدته اثنا عشر ألفا، رابط في تازروالت ثم إن بحلاس إستدار من إفران الى الاخصاص فنزل في أزغار، وقد كان الجراريون وبعض أهل العوينة من شيعته، لما رأوه منه من المخارق، التي تخالف العادة، فاضطرب جيش الناس في تيزنيت، وقد توافرت قبائل هشتوكة وولتيتة، ثم صمدوا إليه بالعوينة فألقي في مطمورة أحرق فيها- كما تقدم- ولا يزال المكان معلوما بين أطلال قرية كبيرة إندثرة منذ ذلك اليوم، وإسم الذي تولى قتله برصاصة من الفضة من مسدس، محمد بن أبكَو التازروالتي وقتله في ظهر الثلاثاء من أيام شعبان الابرك 1207 هــــــــ ولم أستحضر الاَن اليوم والشهر، وقد ذكرنا بعض ما ينعلق بهذه الواقعة عند كلامنا حول العوينة كما فصلنا أخباره في غير هذا الكتاب.
هذا ما يتعلق بإخماد ثورة بوحلايس من طرف الفقيه الورع سيدي محمد التسكاتي، او أوتسكات، وهو دفين قبة سيدي وساي، ومما عرف عن هذا الأستاذ أنه كثير الادعية، وهو الذي سن الدعاء المشهور الذي يفتتح به جل فقهاء سوس دروسهم، وكان مبتدأ قول قبل أي درس هو (اللهم اني أسألك من خير ما سألك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونسألك من الجنة وما يقربنا اليها من قول وفعل….) الى اَخر الدعاء المشهور عند فقهاء سوس. ومما يذكر أيضا عن التسكاتي انه يذكر عقب التراويح في الجماعة ما لا يزال مشتهرا عند الناس في ذلك الوقت الى الاَن، عشر مرات، وهو “سبوح سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وجللت السنوات بالعزة والجبروت، وتعززت بالقدرة وقهرت العباد بالموت، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، أستغفرك وأتوب إليك.)