وصلنا والتعب يعلو محيانا، أمهات منهكات أطفال متعبون زوجات مرهقات، دخلنا الى باحة الانتظار، كانت الامور تسير بسلاسة عكس المعتاد انتظار طويل عند الباب وعند التفتيش، كانت الاجراءات تسير بسرعة والتفتيش كذلك.
وصلنا قاعة الانتظار أخذنا مقاعدنا ولم ننتظر طويلا كالعادة لم نلبث ربع ساعة حتى سمعنا أقدام الاشراف الطاهرين يخرجون كالأبطال الفائزين بهمة وعنفوان عاليان، روح مليئة بالعزيمة والصمود ،تعالت تصفيقاتنا لهم حيى الجميع بعضهم البعض بحب و شغف أمهات لابناءهن واخوات وزوجات وأطفال لآباءهم، لحظات انتصار تاريخية تعيشها العائلات وأبناؤها، صنعوا من أسوار السجن أسوارا للتضامن ورسم خريطة لمعنى النضال والتضحية.
الكل اجتمع مع ذويه لتبادل أطراف الحديث و اخبارهم عن مستجدات الخارج والداخل، سألني زوجي عن رفاقه جميعا وقال أن سلامه اليهم قاار وبلغ تحاياه لجميع أبناء الوطن الاحرار بالداخل والخارج، ثم نوه بمسيرة الرباط كما الدار البيضاء وشكر جميع الاحرار الذين ساهموا في انجاحها وحياهم تحية النضال الحر، كما خصص تحيته الخاالصة للذين تحملوا مشقة السفر ومنعوا من الالتحاق باخوانهم بالرباط، قلت له انهم رغم المنع نزلوا من السيارات ورفعوا شعارات التضامن ابتسم فقال راائع جدا حياهم كثييرا لتصرفهم.
فجأة سمعنا صوتا صغيرا يصدح بشعارات ملأت القاعة الشعب يريد سراح المعتقل الشعب يريد سراح المعتقل- لا للعسكرة لا للعسكرة أنه ابني محمد الحنودي نظرنا اليه ابتسمنا كما ابتسم له الجميع، طلبت منه أن يكتفي فقال لي لا بعصبية ونزع يدي عنه ثم أصر أن يكمل جميع شعاراته، فقام بعد ذلك ليتجول في القاعة.
نظرت الى ربيع كان مع والدته واخوته يبدو عليه التعب رغم توقفه عن الاضراب كأنه ليس بخير، مع ذلك مقاوم و جالس بشموخ وثقة نفس.
مر الزمن كالبرق لم نشعر به تفاجأت عندما وجدت الجميع وقف لتبادل تحايا الوداع، ودعت زوجي الحبيب وقلبي يتمزق لأني سأتركه هناك مرة أخرى، إبني محمد يعانقه ويبكي يقول له أريد ان أبقى معك في غرفتك فلما قال له لايمكن زاد بكاءه وحزنه، فقال له اذا يجب أن تعود معنا الى البيت فعانقه بشدة وشرح له أنه يستحيل ذلك، لنتركه حزينا وهو يلوح لنا بيده، قفل الحراس الأبواب وأيدينا لازالت تلوح للجميع بشارات النصر، لنخرج ويعودوا الى زنازينهم ونرحل نحن حزينين متثاقلين.
بعد خروجنا وجدنا الجميع في انتظار الحافلات سألنا بعضنا البعض عن باقي معتقلينا بالأجنحة 8 و 6.
وصفتلي خالتي نزيهة المرحة أم المعتقل مكوح أنهن دخلن بالزغاريد واستقبلن الأبطال كذلك وأنهم بألف خير.
قدمت الحافلات الكل التحقت بمكانه، والحافلة التي أنا وابني فيها كلها نساء جلست بجانبي خالتي نزيهة، انطلقت لنعود أدراجنا، رحلة طويلة لا يقطعها سوى ساعتا الزيارة، الكل كان منهكا حتى السائق يناضل معنا يبدو عليه التعب خاض عملية جراحية على أصبع رجله ورغم ذلك لم يرفض المجيء إلينا لينقلنا.
بعد صمت طويل داخل الحافلة لأننا نمنا قليلا، توقفت حافلتنا عند مدخل العرائش، اسيقظ الجميع لتوديع أم المعتقل فضيل محمد وأخته، كان أخو المعتقل بانتظارهما هناك لياخذهما اليه لمدينة طنجة.
أكملنا الطريق علا صوت اغنية أكراف، لتبدأ النساء بالتصفيقات والأمهات بالزغاريد، تناسين الهم وانقلب الصمت فرحا وبهجة والترديد مع الأغنية (واواو عاش الريف واواو عاش الريف # الموت ولا المذلة# انيت عاوذاس انيت سيرينك ذازكارا).
على هذا الحال سرنا كسرنا روتين السفر، الى أن وصلنا محطة عين حصن لينزل الجميع ليتناولوا وجبة العشاء بعد يوم كامل لم نتناول فيه سوى وجبة الفطور وبعض السندويتشات الخفيفة لأطفالنا بعد خروجنا من السجن.
جلسنا الى طاولات المطعم، عمال المطعم يسألون عن معتقلينا خصوصا عن ربيع الابلق، أخبرناهم انهم بخير، وأنهم يبلغون تحاياهم للجميع، انتهت وجبة العشاء لنلتحق بالحافلات مرة أخرى وعلى نفس الحال زاد الحماس بالفرح ونشاط الجميع بالتصفيق والزغاريد حتى نام الصغير والكبير، لنجد أنفسنا نستيقظ على فرامل توقف الحافلة بجماعة أجدير، نزل أبناء امزورن ليجتمعوا في حافلة ونحن الحسيمة في حافلة لتتوجه كل واحدة الى وجهتها، لنصل بعد مدة قصيرة محطة الحسيمة ويتفرق الجميع صوب منزله بعد رحلة تأرجح فيها الحزن والفرح.
الريف الشامخ دوما يصنع التاريخ، بصدق أبناءه وتضحياتهم، ببركات الأمهات و إخلاص الزوجات، تعلمنا كيف الصبر و كيف نصنع من الحزن فرحا، سنبقى عنوان العزة والشموخ على مر الزمان ويكفينا فخرا وعنفوانا أننا نصنع ملاحم التغيير والنصر لهذا الوطن.
معتقلونا رمز المحبة والعطاء وحدة كاملة متناسقة وبنية متراصة لامجال لزعزعة لبناتها، كلهم مصرون على بناء وطن حر فيه العدالة والانسان الكريم.
جاد علينا الزمان بعبد الكريم وها قد جاد علينا مرة اخرى بصناع الحياة معتقلوا حراك الريف دون تفاضل بينهم، وجوه تنضح بالحياة لن يكرر التاريخ مثلها.
نتمنى بكل قوة أن تعيد الدولة النظر فيما ارتكبته في حقهم وحقنا وحق الريف والوطن، فالمرحلة كانت امتحان للجميع لمدى وطنية أبناءها وغيرتهم على بناء مستقبل هذا الوطن الجميل، فكيف يجازى من يستحق الأوسمة والمناصب بالسجون ويترك اللاوطنيون للعبث والاستهتار بمستقبله، هو بحاجة الى سواعدهم المخلصة ليبنوا وطنا خالصا من شوائب المزايدات والمصالح الضيقة الشخصية.
نحن أبناء الشعب نحن الافتخار ونحن الوطن.
#أطلقوا_سراح_الاخلاص_والعمل_ليبنوا_الوطن.