“صدمة المقاطعة” و”عزوف عقابي” في الانتخابات البلدية في تونس

قالت وكالة فرانس بريس الفرنسية، أن ثلث الناخبين المسجلين فقط من شارك في الانتخابات البلدية في تونس الأحد، على الرغم من أنها الأولى منذ ثورة 2011، ما يمثل نسبة عزوف قياسية بدت فارقة في مسار الديمقراطية الناشئة ورسالة رفض وجهها الشباب إلى السياسيين.

وعنونت صحيفة “الشروق” اليومية الاثنين خبرها الرئيسي ب”صدمة المقاطعة”، مبينة أن الناخبين كانوا مستائين من الانتخابات بالرغم من أهميتها في المسار الديمقراطي للبلد الوحيد الذي نجا من تداعيات الربيع.

وقالت صحيفة “لابراس” الناطقة بالفرنسية في مقال إن “نسبة المشاركة يوم 6 أيار/مايو ستبقى من دون شك نقطة سوداء، ولكن لن تعرقل مسار الديمقراطية”.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج خلال الأيام القليلة القادمة. ورجحت استطلاعات للرأي فوز حزب “النهضة” ببلدية تونس العاصمة وجمع النسبة الأكبر من الأصوات، في حين أقرّ حزب “نداء تونس” بحصوله على المرتبة الثانية.

وأعلنت هيئة الانتخابات الأحد أن نسبة المشاركة الإجمالية بلغت 33,7 في المئة، وسجلت العاصمة نسبة مشاركة في حدود 26 في المئة، واقترع 1,8 مليون تونسي من مجموع 5,3 مليون مسجل.

وفي تقدير المحللة السياسية نسرين جلالية، حسب ذات المصدر، فإن نسبة المشاركة الضعيفة هي بمثابة “عزوف عقابي ورسالة واضحة لتنبيه الطبقة السياسية”.

وبعد سبع سنوات من الثورة، لا يزال التونسيون يواجهون مشاكل اقتصادية وملفات فساد وارتفاعا للأسعار أثرت على حياتهم اليومية.

وتقول جلالية “ليس فشلا للديمقراطية، الانتخابات كانت صحيحة وشفافة ودون خروقات كبيرة”.

وقال رئيس هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري “المهم أننا أجرينا الانتخابات، هي لحظة تاريخية لتونس”. وفي ما يتعلق بالعزوف، قال “سننجز الأفضل في المرة القادمة”.

وأثرت المصادقة المتأخرة على القانون الجديد للمجالس المحلية على الانتخابات، خصوصا ان البرلمان أقره مع انطلاق الحملات الحزبية.

– “عقاب” –

وقدّر عدد من مسؤولي الأحزاب السياسية أن الاقتراع كان عقابا للحزبين الرئيسين المتحالفين في البلاد.

وقال رئيس حزب “الجبهة الشعبية” (تكتل أحزاب يسارية) حمة الهمامي “هذا العزوف يمثل نوعا من العقاب للائتلاف الحاكم النداء والنهضة الذي صعد إلى الحكم وقدم وعودا ولم ينجز أي وعد خصوصا بالنسبة للشباب”.

وبالنسبة لرئيس الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، “التونسيون غاضبون من كل السياسيين”.

وعرفت تونس تداول تسع حكومات على السلطة خلال سبع سنوات، ولم تتمكن من إيجاد حلول للبطالة المقدرة في حدود 15 في المئة والتضخم الذي بلغ 7,7 في المئة.

وكان لكل هذه الصعوبات بالإضافة إلى التسويات الحزبية، تأثير على الناخبين.

وأكد “حزب النهضة” أن نتائج الانتخابات تدعم إستراتيجية التوافق مع حزب “نداء تونس” التي تم انتهاجها في تونس منذ انتخابات 2014.

واكد الناطق الرسمي باسم حزب “النهضة” عماد الخميري الأحد أن “انتصار النهضة والنداء، بقطع النظر عن النتائج”، “سيظل قائما”.

وأعلنت شركة استطلاع عن تقدم طفيف لحزب “النهضة” (27 في المئة) مقابل حزب “نداء تونس “(22 في المئة)، في حين حصلت مجموع القوائم المستقلة على 28 في المئة. ولم تؤكّد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هذه الأرقام بعد.

ومن المنتظر أن تفوز سعاد عبد الرحيم (53 عاما)، الطبيبة الصيدلانية وعضو المكتب السياسي في حركة النهضة، برئاسة بلدية تونس، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب عبر الانتخابات.

«الشروق»: صدمة المقاطعة وضرورة المراجعة

في انتظار أن تُعلن الهيئة المستقلّة للانتخابات عن النتائج النهائيّة والرسمية للانتخابات البلدية التي جرت أمس، فإنّ الكثير من المعطيات تسمحُ بقراءة مؤشرات مهمّة جدا عن السلوك الانتخابي العام والذي تميّز مثلما عكست ذلك النتائج الأوليّة ارتفاعا ملحوظا في نسبة المقاطعين بما يرتقي بالمقاطعة الى مستوى الظاهرة التي تحتاجُ التحليل والقراءة.

والسؤال الأبرز هل ستمتلكُ النخبة السياسية الجرأة والشجاعة لمقاربة تلك المسألة بالموضوعية اللازمة وأخذ الدروس والعبر، فما من شكّ أنّ العزوف الانتخابي يحتاجُ إلى رؤية واقعية تبحث في الأسباب أولا وتفسحُ المجال لمعالجات فعليّة مستقبلا خاصة وأنّ البلاد مقلبة في غضون العام القادم على انتخابات عامة كبرى يُنظر لها على أنّها ستكون المختبر الحقيقي للتجربة الديمقراطية في تونس.

على النخبة السياسيّة أن تتساءل

لماذا تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات عمّا سجلته في مواعيد سابقة حينما بلغت النسبة 49 ٪ في انتخابات 2011 وحوالي 60 ٪ سنة 2014؟

الحقيقة انّ العزوف الراهن يعكس موقفا سياسيا وليس مجرّد سلوك اعتباطي مجاني، وإلا ما الذي دفع بمئات الآلاف من الناخبين عن اجماع رافض للتوجّه الى مكاتب الاقتراع هل كلّ هؤلاء على ضلالة؟

في علم الاجتماع نحن إزاء ظاهرة كاملة ولسنا حيال شيء اعتيادي او أمر مالوف، وفكّ هذا الإلغاز مطروح على كلّ الفاعلين السياسيّين من أحزاب ومبادرات مواطنية رفعت شعار الاستقلالية، فالجميع عجز عن استقطاب الناخبين وخاصة الشباب منهم وإقناعهم بأهمية الانتخاب، والسؤال مطروح على أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة بنفس الدرجة فالجميع تقدّم الى هذه الانتخابات وقام بالدعاية الانتخابية وَسَخّروا لها جميع إمكانياتهم وطاقاتهم وصرفوا لأجلها أموالا طائلة، ولكن في النهاية خاب ظَنُّهم وثبت بالدليل القاطع أنّ غالبية المعنيين بالانتخابات لم يلتفتوا الى كلّ تلك الجهود الدعائيّة.

هل أثّرت الأوضاع العامة في البلاد والتي تميّزت خلال السنوات الأخيرة بمظاهر تراجع كبيرة على مستوى عيش المواطنين وتكثّف الضغوطات على مقدرتهم الشرائيّة ومعيشهم اليومي؟

هل كان لأداء النخبة السياسية المهزوز والمتصف بالتذبذب وكثرة التجاذبات الجانبيّة والفوضى أحيانا مثلما عايشنا ذلك تحت قبّة البرلمان، اثر في فقدان قطاعات وفئات واسعة من التونسيّين والتونسيّات الثقة في تلك النخبة؟

هل كان لأداء الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات الذي وصفه كثيرون بأنّه دون المأمول واتّصف بالضعف في اتخاذ القرارات اللازمة وفي حينها منذ بدء المسار الانتخابي؟

هل كانت لأجندات الأطراف المرذّلة للمسار الانتقالي الديمقراطي جاذبية استطاعت أن تستميل اليها كلّ ذلك الكم الهائل من الناخبين؟

هل جاذبية الانتخابات البلدية أقل من الانتخابات العامة التشريعيّة والرئاسيّة، وفي هذا الصدد يقدّم البعض نسب مشاركة في البلديات في دول ديمقراطية عريقة كونها عادة ما تكون نسبا ضعيفة مقارنة بالانتخابات العامة؟

ففي انتظار استكمال الحصول على المعطيات والمؤشرات الدقيقة، فمن الوجيه التأكيد على أنّ تونس اختارت النهج الديمقراطي وهي تبني مساراته المختلفة ببعض الصعوبات، والأمل يبقى قائما في أن يكون هناك تقييم جدي ودقيق لنتائج العملية الانتخابية برمّتها لأخذ العبر واستخلاص الدروس المستلزمة والضروريّة وإصلاح ما يجب إصلاحه في مواعيد قادمة.

مكاسب مهمة

فعلى الرغم من كل تلك التساؤلات والاستفسارات المشروعة، فقد انتهت انتخابات أمس الى ايجابيات عديدة يُمكن البناء عليها مستقبلا، من أبرزها على الإطلاق:

1- صعود سلوك سياسي مدني يرى أنّ المقاطعة يُمكن أن تكون شكلا من العقاب والمساءلة القوية، هذا اذا ما اعتبرنا أنّ العزوف في غالبيته قد نتح عن رؤية سياسية وموقف من الواقع المعيش وليس موقفا رافضا للمسار الديمقراطي في حدّ ذاته.

2- انجاز الانتخابات في موعدها مكسب في حدّ ذاته بغض النظر عن نسبة المشاركة، وهذا مهم جدا لتثبيت المواعيد الانتخابية وإفشال نوايا سابقة في تعطيل المسار الانتخابي البلدي برمّته.

3- تأكيد معطى حياد المؤسسة الأمنية والعسكرية في المنافسات الانتخابية وهو مكسب هام على طريق الديمقراطية والأمن الجمهوري، فلم يقع تسجيل أية تجاوزات من هؤلاء.

4- قوّة رصد هام لمجريات العملية الانتخابية، فلقد تمّت معاينة كل التجاوزات وفضحها مع كشف الجهات التي تقف وراءها، وهذا مهم جدا يسمح اولا بالحق في المطالبة بتطبيق القانون ومعاقبة المخالفين وثانيا تفادي كل نلك المظاهر السلبيّة لاحقا.

تونس اختارت دونما شكّ الخيار الديمقراطي كأفق لاجتماع سياسي منظم يحتكم الى ارادة الشعب والتداول السلمي على السلطة، ومن الأكيد أنّه لا توجد مطلقا بدائل أخرى عن ذلك الخيار، وهو ما يجعل من مهمة التصويب والمعالجات العاجلة للسلوك الانتخابي أولا ولعموم العملية السياسيّة امرا مؤكدا يتطلب الجرأة والشجاعة من جميع الفاعلين لاقرار ما يلزم دون مُكابرة او عناد املا في مشهد انتخابي افضل سنة 2019.

بوفون: المشاركة ضمانة أساسية لتحقيق الاستقرار

من جانبه، قال عضو الهيئة المستقلة للانتخابات نبيل بوفون إن المشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية القادمة  تعد “ضمانة أساسية لتحقيق الاستقرار ولإنجاح المسار الديمقراطي في تونس” داعيا  كل الناخبين “للإدلاء بأصواتهم في المواعيد والاستحقاقات  الانتخابية القادمة”.

وأشار بوفون أن الهيئة بصدد تجميع نتائج  الانتخابات البلدية التي يجب أن تحترم الإجراءات القانونية وبالتالي احترام  المسار الديمقراطي التي تنتهجه تونس ما بعد الثورة”.

وفي ما يتعلق بنتائج سبر الآراء، قال نبيل بفون، أنها تعد “آلية من الآليات  الديمقراطية الموجودة في كافة أنحاء العالم دون استثناء و بالتالي فهي ستساهم  في إثراء المشهد السياسي في تونس وتثمنه في حال مطابقة نتائجها لنتائج الهيئة  العليا المستقلة للانتخابات”. وفق تعبيره.

* أ ف ب + الشروق

 

 

شاهد أيضاً

“التجمع العالمي الأمازيغي” يراسل الرئيس التونسي لتغيير اسم “اتحاد المغرب العربي”

وضع رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، رشيد الراخا بمقر ما يسمى “الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *