صرخة العدد 155/يوليوز-غشت 2013/2963

قبل سنتين تم ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي، وقبل سنة ونصف تم تنصيب حكومة جديدة بالمغرب، وهما حدثان رفعا سقف تطلعات المواطنين وتفاءلوا خير كثيرا عقب الإعلان عنهما، ولكن اليوم ينطبق على الحكومة المغربية لا على الدستور، أمر الفقيه الذي دخل إلى المسجد بحذائه بعد أن ترجى الناس بركاته كما يقول المثل المغربي.

فهذه الحكومة من اليوم الأول لتعيينها أثارت ضجيجا أكبر من أفعالها، وهي توزع الوعود يمينا ويسارا على المغاربة حول فضح الفساد ومحاسبة العباد المتسببين فيه إلى ما غير ذلك، لكن اتضح أن حكومتنا تخوض معركة غير متكافئة ولا متناهية في ما وراء الطبيعة مع أشخاص غير ماديين ممثلين في التماسيح والعفاريت. لا تجسيد لهم ولا أثر لفسادهم في الإدارة المغربية، تلك المعركة التي شغلتها عن العمل والفعل، ليس لأن هذه العفاريت والتماسيح تملك قوى شيطانية خارقة لا علم لحكومتنا بها، بل لأن هده الأخيرة ليست لديها الشجاعة الكافية ولا الإرادة السياسية اللازمة لتسمية الفساد ومحاربته، وتحويل أقوالها إلى أفعال، فلجأت للإختباء وراء مخلوقات خيالية لا توجد إلا في حكايات الجدات وحلقات جامع الفنا.

إن الدليل الواضح على غياب إرادة سياسية لدى الحكومة المغربية، يتجلى في عدم تفعيل ترسيم الأمازيغية، فالحكومة وطوال سنة ونصف لم يكن ثمة ما يمنعها من استنفار جيوش البرلمانيين والمشرعين، لإخراج القوانين التنظيمية لأجرأة ترسيم الأمازيغية، إنها ببساطة إلتفت لثمانية عشر شهرا على ترسيم الامازيغية، الذي أصبح واقعا قانونيا ورسميا بقوة الدستور الذي يعد أسمى قانون في البلاد. وهو إلتفاف مستمر بدليل أخر تصريح لرئيس الحكومة، الذي اشترط فيه فتح حوار وطني قبل إخراج القوانين التنظيمية للأمازيغية، من دون تحديد فائدة حوار وطني حول فصل في الدستور، ما لم يكن الهدف تعديله أو الالتفاف حوله، وكأن السيد رئيس الحكومة لم يشارك في لقاءات اللجنة التي وضعت الدستور أو أن ترسيم الأمازيغية حدث رغما عنه، لذا لا يكتفي بالإلتفاف حول ذلك الترسيم مع تأجيل تفعيله، بل يسعى ليعود بنا إلى ما قبل وضع مشروع التعديلات الدستورية، بإشتراطه ضرورة فتح حوار وطني قبل أي تفعيل لترسيم الأمازيغية، وإن سلمنا تغابيا منا بما قاله رئيس الحكومة حول ضرورة وجود حوار، فالطامة الكبرى أن الصيغة التي قال بها ما قاله توحي وكأن السيد رئيس الحكومة ينتظر أن يفتح أحد آخر غيره دلك الحوار ويقوم بتفعيل ترسيم الأمازيغية من دون حكومته، مادام تحدث عن ذلك دون أن يوضح آلياته وإستراتجية حكومته فيما يتعلق به.

ومن الوجيه أن نتساءل مع السيد رئيس الحكومة المغربي، عن أسباب تعمده جعل الأمازيغية وكأنها ليست لغة رسمية لهذا الوطن، والتلميح لكون كل الإنجازات والمكتسبات الأمازيغية ستجمد، إلى أن يتم الحوار الوطني الغامض حول الأمازيغية. فهل هو الجهل بما وصلت إليه وما قطعته الأمازيغية من أشواط في كل المجالات، وهل هذا الموقف هو موقف الحكومة بأكملها أم موقف الحزب، أم هو فقط موقف بنكيران، هذا الأخير الذي لم يتردد سابقا في الجهر بعدائه للأمازيغية، ولنا فيما صرح به من قبل أن الأمازيغية “كالشنوية” ودعوته لتنظيمات معينة للدخول للبرلمان من  أجل إعادة النظر في حروف الأمازيغية وكل ما يرتبط بها، خير دليل على هذا العداء الغير مبرر خصوصا وأن أغلب مناضلي الحزب الذي ينتمي إليه هم أمازيغ.

إن السيد ابن كيران لم يخرق فقط الفصل الخامس من الدستور، الذي جعل الأمازيغية لغة رسمية وإرثا لجميع المغاربة، بل كذلك ضرب بعرض الحائط التوجيهات التي وردت في خطاب الملك محمد السادس يوم الجمعة (12 أكتوبر 2012)، لدى افتتاحه الدورة التشريعية للبرلمان المغربي بغرفتيه النواب والمستشارين، الذي دعى فيه إلى تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية٬ بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة.

فما هذه المزايدات والحسابات الضيقة سيدي رئيس الحكومة؟

جدير بالذكر كذلك كون السيد عبدالإله بنكيران ضرب بعرض الحائط بالإضافة لترسيم الأمازيغية، ما سبق وصرح به حول تجميد توقيعه على مراسيم تحديد الملك الغابوي، التي تستغل لنزع الأراضي، إذ من جهة يعلن أنه جمد حوالي خمسين مرسوم إلى حين دراسة احتجاجات وتحفظات الساكنة بمجموعة من المناطق، ومن جهة ثانية نكتشف أنه وقع مرسومين يهمان منطقة تغشيشت، كما تجدر الإشارة إلى أننا لم نسمع من الحكومة أي توضيح حول مقتل مواطن على يد حراس غابويين بالرصاص الحي بمدينة خنيفرة قبل أيام، حيث أطلق عليه ما يزيد عن سبع رصاصات، بتبريرات واهية، وهي من الأمور التي لا نسمع أنها تحدث مثلا في مناطق غير بعيدة يزرع فيها القنب الهندي على مساحة تمتد لعشرات الآلاف من الهكتارت، فلا تحديد غابوي هناك ولا إطلاق رصاص حي، لكن في مناطق أخرى يتم نزع أراضي السكان، ويتم إدخالها ضمن الملك الغابوي ويتم حرمان الآف الأسر من مصدر عيشها الوحيد، بل أكثر من ذلك يتم إثقال كاهل كل من سولت له نفسه أن يحتطب من أرض قبيلته لقرون، ومؤخرا يطلق الرصاص بدعوى أن مواطنا يحتطب من الغابة، قصد بيع الحطب.

إنه نزر يسير من تناقضات وحسابات سياسية وأحكام جاهزة، مستمرة في عهد الحكومة المغربية الجديدة، بل ويتم تكريسها، لذا نجد أن حصيلة سنة ونصف من عمل الحكومة الحالية هي تقريبا لا تستحق الذكر، بالمقارنة مع الوعود التي أعلنتها، إن العبرة بالنتائج والمواطنين لا يكترثون للتماسيح ولا للعفاريت ولا حتى للملائكة من وجهة نظر السيد رئيس الحكومة طبعا، بل كل ما يهم المواطنين المغاربة هو ما حققته الحكومة، فالعبرة بالنتائج والأفعال أكثر صوتا من الأقوال، والمواطنين سمعوا الكثير لكنهم لم يروا أي شئ يذكر، ومؤكد لن يروا التماسيح ولا العفاريت لأنها لا توجد، فكل ما هناك مؤسسات الدولة ورموزها، وكل ما نعرفه أن مؤسسة الحكومة والبرلمان كان أداؤهما في غاية الضعف، ونترفع عن إستعمال مصطلحات أخرى لوصف واقع حال الحكومة والبرلمان سيرا على نهج لغة الشوارع الخلفية التي صارت تطغى على المشهد السياسي المفلس من حيث الإنجازات.

في الأخير تبقى مسؤولية ما يحدث من تماطل وتنكر لحقوق الأمازيغ، ومصادرة أراضيهم وقمعهم ومحاولات دفعهم لهامش الساحة السياسية بالمغرب، راجعة بالأساس إلى الأمازيغ أنفسهم، فنحن بالتأكيد لن نلوم التماسيح والعفاريت على نهج بنكيران، كما لن نمضي كل وقتنا في لوم أطراف أخرى تفهم السياسية بمنطق القوة، بل يجب مراجعة آليات الاشتغال والأدوات التنظيمية والتأسيس لخطاب أمازيغي جديد…

وقديما قال الحكيم الامازيغي:

ⵓⵏⵏⴰ ⵜⵜ ⵉⵙⵙⵎⵉⴷⵏ ⵓⵔ ⴷⴰⵜⵜ ⵉⵛⵜⵜⴰ
unna tt issmidn ur datt ictta

صرخة العدد 155 / يوليوز-غشت – جريدة العالم الأمازيغي 

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974

يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *