صرخة العدد 231 أبريل 2020/2970

أمام مواجهة الأزمة العميقة التي احدثتها جائحة الفيروس Covid-19 المسمى كورونا، على جميع المستويات، ولا سيما على المستوى الصحي والاقتصادي في العالم، فأي تفكير مبكر في السياسات الواجب اتباعها لمواجهة والتغلب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد المجتمع أمر مرحب به.

في هذا الصدد، نشيد ونثمن بالمبادرة الحسنة التي أطلقها حزب التجمع الوطني للأحرار وأمينه العام السيد عزيز أخنوش، من خلال فتح هذا المنبر التشاركي في شكل منتدى مفتوح يمكن المواطنين من المساهمة في التفكير بحرية في مسارات وإصلاحات جديدة لصالح نموذج جديد للتنمية البشرية والاقتصادية بهدف التغلب بشكل جماعي على أزمة ما بعد كوفيد 19.

وتلبية لهذه الدعوة الكريمة أرى أنه من واجبي أن أقدم مساهمتي على شكل بعض المقترحات المتواضعة.

فبصفتي فاعلة جمعوية، حقوقية ومدافعة عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، فاني مقتنعة بأن أي مبادرة أو اقتراح يأتي من اي إطار حزبي أو مجتمع مدني أو أي استراتيجية سياسية أرادت الحكومة الحالية أو المستقبلية اعتمادها حاضرا أو على المدى القصير أو على المدى المتوسط أو حتى على المدى البعيد، فيجب أن يمر عبر احترام دستور فاتح يوليوز 2011 والمادة 5 منه التي تنص على الطابع الرسمي للغة والثقافة الأمازيغيتين. إنها أولوية ملحة وغير خاضعة لأي مساومات أو تنازلات كيفما كانت، خاصة أننا نعيش في لحظة تم فيها تبني القوانين التنظيمية لتنفيذ الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وقانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والتي تم إصدارها في الجريدة الرسمية؛ بالمناسبة، يجب علينا أن نحيي شجاعة وإصرار حزب التجمع الوطني للأحرار الذي وقف بجانب الحركة الأمازيغية وساند مطالبها حتى رأت هذه القوانين التنظيمية، التي طالها الانتظار، النور.

بما أن مأساة وباء Covid-19 أجبرتنا جميعا على التفكير بجد، والتأمل بعمق، وأجبرنا الموقف كذلك أن نكون أكثر انتقادًا لذواتنا، بشأن الفشل المستمر لسياسات التنمية البشرية والاقتصادية، هذا الفشل الذي اعترف به جلالة الملك شخصيا في أكثر من مناسبة. ويمكن أن تثبت مقترحاتنا المتواضعة أنها أكثر واقعية وأكثر فاعلية إذا اعتمدنا على هويتنا الأصلية ولغتنا الأم، التي كانت محتقرة ومهمشة بشكل مقصود وارادي.

وهكذا، فقبل ظهور Covid-19 في بلدنا كان المغرب قد احتل المركز 121 من بين 189 دولة وفقًا لمؤشر التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، على الرغم من الجهود الحكومية المهمة منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، إلا أن بلادنا للأسف تخلفت عن دول العالم في مجال التنمية البشرية. ما أدى إلى معاقبتها، بشدة، بسبب إفلاس قطاع التعليم، والنتائج الغير مرضية لبرنامج محو الأمية للكبار، هذا القطاع الذي تستغله بعض الاحزاب المحافظة لصالح جمعياتها المنتشرة كالفطر في كل مكان من البلاد، بغرض نشر الدعوة إلى الإسلام الإخواني والوهابي! (دون أن ننسى بالطبع القطاع الصحي الذي فشل بدوره. مع العلم أن هذين القطاعين الصحي والتعليمي هما القطاعين الرئيسيين على وجه التحديد الذين يمتصان جزءًا كبيرًا جدًا من الناتج المحلي الإجمالي من ميزانيتنا الوطنية أي ما يعادل: 96 مليار درهم من الميزانية في PLF 2019 . إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو وقع القطاعين على الحياة الاجتماعية للمواطنين؟ !!!.

ومن هذا المنطلق فأي إصلاح سيتخذ في هذين القطاعين الأساسيين، ومن أجل عدم إهدار ميزانيات كل منهما، يجب أن تؤخذ المطالب المشروعة للحركة الأمازيغية بعين الاعتبار. كيف؟.

في مجال الصحة:

لطالما تقدم المواطنون للمطالبة بالبنى التحتية الصحية في المناطق المهمشة. على سبيل المثال، في الريف، لطالما طالب مناضلو المجتمع المدني وباستمرار ببناء المستشفيات المتخصصة في علم الأورام نظرًا لارتفاع معدل مرضى السرطان. وقد سبق لمنظمتنا «التجمع العالمي الامازيغي» أن تقدمت بهذا الاقتراح على شكل عريضة لوزير الصحة آنذاك في فبراير 2015، إلا أن هذا المقترح تم تجاهله بدون أي مبرر. ومع ذلك، ومع مرور الوقت أصبح هذا الطلب أحد أهم مطالب الحركة الاجتماعية والشعبية لأبناء وبنات حراك الريف.

نفس الشيء سيقع في منطقة الجنوب الشرقي، أسامر، حيث كان الموت المأساوي، لسوء الحظ، من نصيب الفتاة الصغيرة إيديا في 11 أبريل 2017، دائما بسبب عدم وجود البنيات التحتية الصحية وفقدان التجهيزات الطبية.

في منطقة الأطلس المتوسط، كذلك، بخنيفرة تحديدا، واجهت المنظمات غير الحكومية المغربية السويسرية عوائق إدارية لا يمكن تبريرها ولا تفسيرها فقط لأنها تريد المساعدة بآلات طبية وبناء مستوصفات صغيرة لصالح السكان!.

إذن فبعد Covid-19، حان الوقت لتحسين نظام الرعاية الصحية ببلادنا، وذالك بلامركزية البنيات التحتية الصحية وتقريبها من المناطق المهمشة قدر الإمكان ووضعها رهن إشارة المواطنين في المناطق القروية والجبلية المعزولة. وسن سياسة صحية لصالح المواطنين، لا يعني أن يقتصر المشروع على زيارة وزير الصحة أو أي مسؤول لهذه المناطق ويقوم بأخذ صور فوتوغرافية وتغطيات تلفزية أثناء افتتاح المركز الاستشفائي، وعند مغادرته تسحب كل الآلات والمواد الطبية مثل ما حصل في بلدة أنفكو التابعة لإقليم خنيفرة وبلدة بني إنصار التابعة لإقليم الناضور!.

في نقس المجال يجب تكثيف بث حملات التوعية الصحية والحملات التحسيسية في تنظيم الأسرة على شاشات الإعلام الوطني، كما هو الحال مع وقف انتشار الفيروس التاجي، على أن يتم ذلك بالتأكيد على اللغات التي يفهمها المواطنون دون تمييز وإقصاء.

في مجال التربية والتعليم:

لقد علمنا هذا الوباء الأهمية القصوى للإنترنت في حياتنا العملية، العلمية والتعليمية، وعلمنا كذلك أن هذه التكنولوجيات الجديدة يجب أن تصبح عمومية وشعبية لتتكافئ الفرص بين المواطنين، كما علمنا أن تدريس اللغات الأجنبية والتعليم الإلكتروني وكذلك التعليم الجاد والجيد المنفتح على العالم ليس خيارًا، ولكنه، الآن أصبح حقا وإلتزاما.

ما معناه أن نظام التعليم المغربي، الذي يقوم على دعائم إيديولوجية أصبح فاشلا. «فسياسة التعريب» التي يعتمد عليها النظام التعليمي ببلادنا أدت الى ارتفاع معدلات الفشل الدراسي والهدر المدرسي. فقد بلغ عدد التلاميذ الذين يتركون مقاعد الدرس 260.000 طالب في سنة 2018 – 2017، وفي بعض السنوات، تجاوز هذا الرقم 000 400 طفل! ويرجع هذا إلى العمى الإيديولوجي الذي أدى إلى استبعاد اللغات الأم للمغاربة، وهي اللغة الأمازيغية والدارجة المغربية، كما أكدت على ذالك مؤخرا منظمة اليونسكو. وبهذا المعنى، فإن تعميم التعليم الأولي، الذي دافع عنه المستشار الراحل مزيان بلفقيه، والتعليم الابتدائي لا يمكن أن يعطيا نتائج مقنعة إلا إذا كانت تدرس بهما اللغات الأم لهؤلاء الاطفال. كما يؤكد على ذلك اللغوي الفرنسي المعروف البروفسور ألان بنتوليلا، بقوله: «أصبحت أنظمة التعليم في بعض البلدان، مهما كان باهظ ثمنه، آلات لإنتاج الأمية والفشل الدراسي لأن المسؤولين لا يعرفون أو لا يريدون أن يجدوا الحلول للأسئلة التي تدمرهم وهو اختيار لغة التدريس. يقودون التلاميذ إلى إخفاقات قاسية لأن المدرسة رحبت بهم بلغة لم تعلمها لهم أمهاتهم وهو عنف لا يطاق ضد أي طفل … إنه على أساس متين من لغاتهم الأم سنمنح لهم فرصة لمعرفة القراءة والكتابة، ومن ثم يمكننا بناء تعلم طموح للغات الرسمية»، والانفتاح على اللغات الأجنبية.

فيما يتعلق بالمرأة المغربية:

قد راهنت جميع البلدان النامية، التي شهدت قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية والتكنولوجية، على سياسات استباقية من خلال تشجيع تعليم الفتيات والشابات ومحو الأمية لدى النساء.

إن عامل الامية من أهم أسباب تهميش المرأة، وخاصة المرأة القروية، إذ تشكل عقبة رئيسية أمام الحد من الفقر المدقع، فكما تشير العديد من المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق المرأة، فإن هذه الأخيرة عندما تتعلم القراءة والكتابة والحساب، يمكنها أن تختار ما من شأنه تحسين وضعيتها الاقتصادية وحياتها الاجتماعية بشكل كبير.

وفي عالم ما بعد Covid-19 ستكون للتكنولوجيا والتقنيات الرقمية مكانة مهمة، ومعها معرفة القراءة والكتابة والحساب والتعامل مع أداة الإنترنت، لتكون أدوات ضرورية لممارسة الحقوق الأساسية ووسيلة لمشاركة النساء بنشاط في تغيير العالم ومنها بالطبع محاربة الفقر الذي لن يصبح خيارا.

إن سياسات محو الأمية وتكوين النساء، يجب أن تتضمن حملات لتوعية النساء المعنفات، وحملات تحسيسية لمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكذلك حملات لتنظيم الأسرة. وهذا الهدف لن يتحقق في ظل الاستمرار في الإهمال الواعي والارادي للدور الأساسي للغات الأم، وأقصد هنا اللغة الأمازيغية والدارجة المغربية.

في مجال الاتصال السمعي البصري:

إن وباء Covid-19، بالإضافة إلى آثاره الصحية والاقتصادية الضارة، سمح بانتشار ونشر العديد من الشائعات و«الأخبار الزائفة» التي ينشرها الكثيرون من المواطنين دون مسؤولية ويصدقها آخرون. ولهذا سيكون من الضروري إعادة التفكير في سياسة اتصال سمعي بصري جديدة تتميز بمزيد من الحزم والمصداقية والشفافية. وبهذا المعنى، سيكون من الضروري محاربة «غيتو» المعلومات. فلا يمكن لثورة ما بعد Covid-19 أن تكون فعالة إلا إذا تم ترويجها باللغات الام، الأمازيغية والدارجة المغربية. فلنتحدث مع الناس عما يعجبهم ويفهمونه بلغاتهم. لأنها هويتهم وتاريخهم!.

خلاصة، وكما صرح بذلك مؤخرًا، مدير صندوق النقد الدولي بأفريقيا السيد Abebe Aemro Sélassié: «هذه المرة، لا يمكن لأي بلد في أفريقيا أن يسلم من الأزمة الاقتصادية التي تسببها جائحة الفيروس Covid-19»، والمغرب، كدولة أفريقية، لا يمكن أن تتجاوز هذه الأزمة إلا من خلال التضامن الوطني الواسع، مما سيعزز النموذج الجديد للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، والذي يأخذ بعين الاعتبار الخصائص اللغوية والثقافية للشعب المغربي.

وكما قال الحكيم الامازيغي:

ⵢⵓⴳⵍ ⵜⴰⴳⵛⵛⵓⵍⵜ ⵉ ⵢⵓⵖⵔⵓⴷ ⵉⵏⵏⴰ ⵎⴰⵏⵉ ⴷ ⵙⵔⵉ ⴽⴽⴰⵏ ⵉⵣⴰⵏ

Yugl tagccult i yughrud inna mani d sri kkan izan

العدد 231 أبريل 2020/2970 – جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974

يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *