أثبتت سلسلة الاكتشافات الأركيولوجية التي أماط عليها علماء مغاربة وأجانب اللثام في السنوات الأخيرة، من خلال تنقيبات وأبحاث في مواقع أركيولوجية مختلفة، أجريت بعدد من المناطق والجهات، على أن التاريخ الأمازيغي ممتد وراسخ لملايين السنين في هذه الأرض، وهو ما أكده جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب شهر غشت من سنة 2021.
نلاحظ أيضا أن التاريخ الذي يلقن للتلميذات والتلاميذ من خلال المناهج الدراسية الحالية، أو ذاك التاريخ الذي تم تلُقينه لنا نحن الأجيال السابقة، لا ينسجم مع ما توصلت إليه البحوث العلمية والأركيولوجية التي تفاجئنا من حين لآخر بمعلومات ومعطيات جديدة، تثير أكثر من مرة، سؤال تصحيح هذا التاريخ وإعادة كتابته من جديد.
إن هذه الاكتشافات الأثرية أثبتت مدى قدم وجود الإنسان بالمغرب، ومدى عمق تاريخه، مما يحتم على القائمين والساهرين على منظومتنا التعليمية ضرورة تحيين المناهج الدراسية في شقها المتعلق بالتاريخ والثقافة المغربيين لجعل المغاربة متباهين بتاريخهم، متمسكين بهويتهم، ومفتخرين بحضارتهم.
فاكتشاف أقدم إنسان عاقل في العالم «هوموسابيان» بأدرار ن إيغود بمنطقة اليوسفية، القريبة من مراكش، الذي يعود تاريخه إلى ما قبل 315 ألف سنة على الأقل، والقطع الأثرية التي اكتشفت في كهف بمنطقة الهرهورة القريبة من الرباط، التي تبين أن المغاربة القدامى كانوا يصنعون الألبسة من جلود وفراء الحيوانات، ويعود تاريخها إلى ما قبل 120 ألف عام، وكذا العثور على 32 صدفة بحرية في مستوى أركيولوجي مؤرخ ما بين 142 ألف إلى 150 ألف سنة، في مغارة بيزماون بالصويرة، إلى جانب العثور على أدلة تثبت إجراء أقدم عملية جراحية ناجحة تعود إلى ما قبل 15 ألف سنة بمغارة الحمام بتافوغالت.. كلها اكتشافات علمية تحتوي على أرقام ومعطيات غير مسبوقة حول التاريخ المغربي.
هذه الاكتشافات التي تدل على أن المغرب يزخر بمواقع أركيولوجية تؤرخ للأصول الأولى للوجود البشري وللإنسان ما قبل التاريخ، لا نجدها في كتبنا المدرسية التي تعمل على تقزيم التاريخ المغربي وتهميشه وحصره في اثنى عشرة قرنا، تاريخ بداية الدولة الأوربية التي يراد لها أن تسمى الإدريسية، وضرب عرض الحائط بحقب وأزمنة من تاريخ مماليك أمازيغية وحضارة قديمة ضاربة في عمق تاريخ شمال إفريقيا.
ورغم أن المنهاج الدراسي الجديد الخاص بمادة الاجتماعيات أي مادتي التاريخ والجغرافيا في التعليم الإبتدائي، خصوصا في المستويين الخامس والسادس يتناول بشكل محتشم بعض مظاهر هذا التاريخ الطويل للمغرب والتعريف بإسهامات الحضارة الأمازيغية وتقديم دروس حول المغرب القديم والتأثير الحضاري المتبادل، إلا أن هذا التنقيح المحتشم لمنهاج مادة الاجتماعيات لا يشمل باقي المواد الأخرى كما لا يشمل باقي الأسلاك التعليمية الأخرى.
لذا يجب إعادة النظر في الدروس التي تقدمها المدرسة المغربية للتلاميذ والطلبة المغاربة على حد سواء، والاهتمام بتاريخنا العريق والزاخر بالأمجاد والبطولات، وهذا لا ينقص من قيمتنا بقدر ما يبرهن على مدى عراقة هويتنا أمام الشعوب والأمم التي تصنع التاريخ لنفسها، في الوقت الذي نهمش فيه نحن تاريخنا وهويتنا.
وقال الحكيم الأمازيغي:
ⵓⵔ ⵙⵡⴰ ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵖ ⵜⵔⵖⴰ ⴷ ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵙⵔⵙ ⵉⵔⵇⵇⴰⵏ
Ur swa wanna ɣ trɣa d wanna srs irqqan
بمعنى: ليس من تحرقه النار كمن يتدفأ بها
صرخة العدد 265 فبراير 2023/2973– جريدة العالم الأمازيغي