كثر الحديث هذه الأيام بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، عن دور هذه الأخيرة في تنمية الاقتصاد المستدام، وسبل تمكينها لتلعب أدوارا فعالة في التنمية المستدامة، وما إلى ذلك من البرامج والمشاريع التي تبرمجها منظمة الأمم المتحدة أو البنك الدولي وغيرها من المنظمات الدولية غير حكومية.
ونفس المناسبة سأغتنمها فرصة لإعادة الحديث عن دور المرأة الأمازيغية وانخراطها في هذه البرامج، حتى قبل ظهور هذه المنظمات إلى الوجود، بحكم ثقافة المرأة الأمازيغية نفسها، التي نجدها تشتغل ومنذ قرون بنفس مخططات وبرامج ومشاريع هذه المؤسسات بكل عفوية، لأنها ببساطة شديدة، فهي لا تمارس بذلك إلا ثقافتها التي تلقتها عبر قرون عن طريق أجيال وأجيال من الأمهات والجدات.
فالمرأة الأمازيغية، كما تحدثت عن ذلك الكثير من المراجع التاريخية والكثير من الكتابات في ميدان علم العادات وعلم الاجتماع، كانت بالأمس هي الدعامة الأساسية للأسرة والمجتمع. فهي، أي المرأة الأمازيغية وتسمى تامغارت، حامية للمعرفة وناقلة للقيم والهوية الثقافية التي ورثتها عن جداتها، وهي كذلك موسوعة فكرية ومكتبة ناقلة لمختلف الأحداث التاريخية لشعبها وللشعوب التي عاصرت الأمازيغ في مختلف الحقب التاريخية، عبر الحكاية ونظم الشعر..، ويمكن القول كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد شطاطو، ودون أي مبالغة، أن المرأة الأمازيغية بمثابة «جسر قوي ناقل للحضارة الأمازيغية بمكوناتها المختلفة اللغوية والثقافية والاجتماعية». وحفاظها على هذه الثقافة هو نتيجة لما حفظت وما حافظت عليه عبر عصور، وهذا ليس بغريب عن المرأة الأمازيغية التي يعترف لها، وبها على نطاق واسع، كوصي على المعارف التقليدية (المعارف والمهارات) المتعلقة بإدارة الموارد الثقافية والطبيعية.
ومن هذا المنطلق تشكل النساء الأمازيغيات العمود الفقري للمجتمعات الأصلية في المجتمعات التي تنتمي إليها كما هو الحال بجغرافية شمال افريقيا، فكان هذا النقل للثقافة الذي يعود فيه الفضل للمرأة يتمثل في العديد من الأعمال والمعارف المادية، كالنسيج (الذي يعتبر اختصاصا حكرا على المرأة، وصناعة الفخار، والمعارف اللامادية من نظم الشعر والأدب الشفهي (كالحكايات، والخرافات، والأحاجي، والأمثال، والأغاني والرقص، والطب التقليدي وكل العادات والتقاليد التي لازالت إلى يومنا هذا تطبع ثقافتنا اليومية، ويترجم الدور الحاسم الذي لازالت تلعبه النساء المغربيات بوصفهن معيلات لعائلات ومعلمات الأجيال وقائدات للمشاريع الكبرى في البلد ومدافعات ليس فقط عن حقوقهن كنساء، بل عن حقوق كل المستضعفين. ما دفع بلادنا إلى التفاعل إيجابيا مع هذه الأدوار الريادية التي تلعبها المرأة لأخذ مجموعة من الإصلاحات المهمة لترسيخ قوة الحضور النسوي على المستوى القانوني والفعلي المجتمعي، لا سيما تلك الإصلاحات الواردة في دستور يوليوز لسنة 2011. من خلال ما ورد في ديباجته بشأن المساواة بين المواطنين دون أي اعتبار لجنسهم، بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 19 من نفس الدستور على أن «الرجل والمرأة يتمتعان بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية»، وكذلك الخطب الملكية الجريئة والمبادرة التي تجاوزت الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، والتي يدعو فيها جلالته إلى تولي وضعية المرأة المغربية أهمية كبيرة، والإلحاح على وضع حقوق النساء كشرط أساسي في وضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات.
إلا أنه وبالرغم من كل هذه البرامج والسياسات التي تصب في النهوض بالمرأة المغربية، فإنها لا يمكن أن تستمر أو تعطي نتائج ملموسة ومهمة في ظل الاستمرار في الإهمال الواعي واللاوعي، والإرادي واللاإرادي، للدور الأساسي للغات الأم، الأمازيغية والدارجة، من برامج التحسيس والتوعية التي تستهدف النساء، كمثال برامج محو الأمية وبرامج التمكين وبرامج تكوين النساء وبرامج الحملات التحسيسية الخاصة بتنظيم الاسرة وبرامج مكافحة العنف ضدها، وبرامج محاربة التمييز ضدها كذلك وبجميع أشكاله، ومن كذلك الندوات واللقاءات التي تهدف إلى التغيير الشامل والجذري لمدونة الأسرة، وغيرها من آليات التحسيس والتوعية والتكوين.
لأن الدول التي شهدت قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا، نجدها راهنت، دون أدنى شك، على سياسات استباقية من خلال تشجيع تعليم الفتيات والشابات ومحو الأمية لدى النساء، لأن عامل الأمية من أهم أسباب تهميش المرأة، وخاصة المرأة القروية، إذ تشير العديد من المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق المرأة، أن هذه الأخيرة عندما تتعلم القراءة والكتابة والحساب، يمكنها أن تختار ما من شأنه تحسين وضعيتها الاقتصادية وحياتها الاجتماعية بشكل كبير، خصوصا في عالمنا اليوم ما بعد Covid-19 حيث ستكون للتكنولوجيا والتقنيات الرقمية ومعرفة التعامل مع أداة الانترنيت مكانة مهمة، لتكون أدوات ضرورية لممارسة الحقوق الأساسية ووسيلة لمشاركة النساء بنشاط في تغيير العالم ومنها بالطبع محاربة الفقر، العدو الأكبر المرأة.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵏⵓⵙⵉ ⵜⴰⴽⵛⵛⵓⵟ ⴰⵔ ⵏ ⵜⵜⵉⵏⵉ ⵎⴰⵏⵉ ⴷ ⵙⵔⵖ ⴽⴽⴰⵏ ⵉⵥⵕⴰⵏ
nusi takccuT ar n ttini mani d srgh kkan iZRan
بمعنى أن الحلول موجودة، لكننا نتجنبها
صرخة العدد 266 مارس 2023/2973– جريدة العالم الأمازيغي