لقد شكل المنتدى الوطني لأمازيغ المغرب، الذي التأم أخيرا بالأطلس المتوسط، في مدينة خنيفرة تحديدا، فرصة جمعت نخبة من أساتذة وأستاذات اللغة الأمازيغية إلى جانب أساتذة جامعيين ومفتشين تربويين ومناضلين ومناضلات من أجل القضية الأمازيغية، جاؤوا من مناطق وجهات مختلفة ومتنوعة من المغرب ومن الجزائر. يلاحظ أن اللقاء امتاز بنفس جديد، وبثلاث نكهات، بثلاث مناسبات، كل مناسبة لها رمزيتها ودلالتها الخاصة في حين تبقى جميع هذه المناسبات قريبة مني وعزيزة علي.
أولها، مناسبة الاحتفال بالقرار الذي اتخذه جلالة الملك محمد السادس، والقاضي بإقرار «ءيناير» أو السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها على غرار باقي الأعياد الوطنية الرسمية والدينية كما هو الشأن بالنسبة لفاتح السنة الهجرية وفاتح السنة الميلادية، وبهذه المناسبة أتقدم بجزيل الشكر إلى جلالة الملك على هذه الالتفاتة الطيبة وعلى دعمه لجميع مطالبنا المشروعة في الحركة الأمازيغية.
ثانيها: مناسبة إشعال الشمعة الثالثة والعشرون احتفالا بثلاثة وعشرون سنة من عمر جريدتنا المناضلة «العالم الامازيغي»، التي أصدرنا عددها الاول، بالضبط، بتاريخ 30 ماي من سنة 2001، وكان عنوان الملف آنذاك هو «الأمازيغ قادمون»، نعم كان لذلك العنوان أكثر من معنى. فلم نأت بأيدينا فارغة، بل جئنا ونحن حاملين برنامجا نضاليا وإيمانا قويا بمشروعية مطالبنا وتقدمنا بخطى ويقين ثابتين، نعم إنها مطالب وضعناها في رزنامة، المطلب الواحد مرتبط بالمطلب الثاني، وقد آمنا بذلك منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وحافظت هذه المطالب على جدتها ولم تتقادم أبدا، بل سهرنا على تحقيقها خطوة بخطوة، بدعم قوي من المؤسسة الملكية ومسنودة بملحاحية كل المناضلين والمناضلات منهم من رحل عنا، ومنهم من لا زال حي يرزق، وفي مقدمتهم الأستاذ الكبير محمد شفيق الذي أسس للاعتراف بأمازيغية المغرب، الذي كان موضوع بيان سمي آنذاك ببيان «الاعتراف بأمازيغية المغرب» الذي حرره سنة 2000، وهو ما تجسد مع خطاب العاهل المغربي بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز سنة 2001، واستمر مبدأ رد الاعتبار للأمازيغية إلى حين ترسيمها في دستور فاتح يوليوز سنة 2011 وصولا إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية سنة 2023.
لقد واكبت جريدة «العالم الامازيغي» كل هذه المحطات وكانت صوت من لا صوت له، أو صوت الاغلبية المهمشة، ففتحت صفحاتها للأقلام الجادة من مفكرين ومفكرات في جميع المجالات الثقافية، السياسية والتاريخية ومبدعين ومبدعات في مجالات القصة والشعر… وكانت سندا للجمعيات الأمازيغية، وللحركة الطلابية، كما كانت منبرا للتعريف بالشخصيات من نساء ورجال هذا الوطن الحبيب، وكانت صوت المرأة في الجبال والسهول والحواضر، إنها باختصار شديد صوت الأغلبية المهمشة من قبل المنابر الإعلامية سمعية بصرية ومكتوبة رسمية، حزبية ومستقلة.
فكانت ولا زالت المنبر الوحيد الذي استطاع أن يصمد أمام الإكراهات المادية، والمقالب «البني آدمية» فتجاوزت كل المحن فنجحت في التعريف بالقضية الأمازيغية وعدالتها والنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين والكتابة بحروف تيفيناغ، هذه الحروف التي حاربها من يحارب كل ما هو أصيل في بلدنا، فانخرطت الجريدة سنة 2003 في النقاش حول الحرف، أو ما كان يسمى معركة الحرف، وهي بالفعل في ذلك الوقت كانت معركة حامية الوطيس استطعنا الإنتصار فيها للتاريخ والهوية.
إن الإحتفال بعيد ميلاد الجريدة، هو احتفال بمسار طويل وغني لجريدة وهبت نفسها للدفاع عن الحقوق اللغوية والثقافية والسياسية والاجتماعية لأمازيغ العالم، كما مارسنا عبرها البحث في التاريخ وعلم الاجتماع، وترافعنا من خلالها عن كل القضايا العادلة المرتبطة بالإنسان والأرض واللغة.
المناسبة الثالثة لهذا اللقاء المبارك، هو الوقوف عند أمر مهم، وهو التفكير وفتح النقاش في قضية نعتقد أن لها راهنيتها والمتمثلة في كيفية ربط تدريس الأمازيغية بالتنمية، وهو ما دفعنا إلى تأطير لقاء خنيفرة تحت شعار «التعليم والتنمية أية علاقة؟» إنه سؤال استنكاري لكنه جدير بالطرح، حتى لو افترضنا أن علاقة التنمية بالتعليم لا تحتاج لأسئلة، لكن الاجتهاد المطلوب منا هو كيف يمكن إثبات تلك العلاقة؟ التي هي في الحقيقة جدلية، وسؤال العلاقة بين التعليم والتنمية لا يحتاج لأي نوع من التفلسف كما هو الحال بالنسبة للإشكال الكلاسيكي «من الأسبق الدجاجة أم البيضة؟» مع العلم أن من طرح السؤال أغفل دور الديك في العلاقة في تلك القضية الوجودية. كذلك نفس الأمر بالنسبة، للعلاقة بين التنمية والتعليم التي لن تعطي نتائج ايجابية بدون تدريس وتعليم، والتكوين، والتحسيس والتوعية بالأمازيغية التي هي الرابط الأساسي أو الخيط الناظم لأي علاقة قد تربط التعليم بالتنمية.
قديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵉⵎⵉⴳⴳⵉ ⵏ ⵡⴰⵎⴰⵏ ⵓⵔ ⴰⵙ ⵉⵍⵍⵉ ⵡⴰⵎⵎⴰⵥ
imiggi n waman ur as illi wammaz
عاجن الماء لا يمسك شيئًا
صرخة العدد 269 يونيو 2023/2973– جريدة العالم الأمازيغي