في ليلة الجمعة 8 شتنبر الجاري، على الساعة الحادية عشرة وإحدى عشرة دقيقة، لم تمهل المغاربة الهزة الأرضية العنيفة التي وصلت قوتها سبع درجات على مقياس ريشتر، وباغتت هذه الهزة الجميع في الداخل وفي الخارج على حين غرة، إنه الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق المغرب العميق، من جبال الحوز إلى حدود سهول سوس على الضفة الجنوبية للأطلس الكبير. زلزال حطم كل شيء، أتى على الأخضر واليابس، دمر المنازل والمدارس والمؤسسات والمساجد. فبعد أن كان المواطنون في منازلهم آمنين سالمين يستعدون للخلود الى النوم بعد يوم عمل متعب، وبعد الأشغال الروتينية الشاقة المعتاد القيام بها في تلك المناطق، فاجأت الفاجعة الساكنة، وأودت بأرواح ما يقارب الـ 3000 شهيد وشهيدة، وخلفت أكثر من 5000 جريح وجريحة، ويتمت الآلاف من الأطفال والطفلات، ورملت المئات من الرجال والنساء.
زلزال هد كل شيء، ودمر البنيات التحتية والبنيات الطبيعية، لكن هذا الدمار لم يصمد أمام الإيمان القوي وعزيمة الضحايا رجالا ونساء وأطفالا، ومن الأمور التي تبقى راسخة في الأذهان وفي الواقع أيضا، هي أن الخوف والرعب والهلع لم يتوفقوا في التسلل إلى أي مغربي أو مغربية، بل هب الجميع على بكرة أبيهم نحو “بؤرة الهزة” لتقديم يد المساعدة كل حسب امكانياته واستطاعته، على الرغم من أن الأرض كانت ماتزال تتحرك بين الفينة والأخرى، وهذا مؤشر واضح عن وجود قيم سامية يحتفظ بها هذا الشعب الرائع على مر الأزمان.
لاحظ الرأي العام الوطني والدولي كيف انبعثت روح “تاويزا” أو “تيويزي” وهي قيمة تضامنية، من القيم الثقافية والاجتماعية الأمازيغية، تضامن لم نشهد له مثيل من ذي قبل. المغاربة، من الجنوب والشمال ومن الشرق ومن الوسط ومن الغرب، لبوا نداء الوطن، تضامنوا مع إخوانهم المتضررين ماديا ومعنويا، قدموا الغالي والنفيس، أحضروا المواد الغذائية والألبسة والأغطية والخيم التي تقي أجساد من كانوا بالأمس في بيوتهم آمنين سالمين وأصبحوا بين عشية وضحاها مشردين لا مأوى لهم. ولم يقتصر التضامن على ما هو مادي، بل تجاوزه إلى تضامن معنوي، وهذا ما لامسناه من المغاربة الذين تدفقوا إلى هذه المناطق محملين ليس فقط بالإعانات المادية، بل كذلك بالكثير من الحب والحنان والعطف، وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس أمد الله في عمره بموفور الصحة والعافية، وكان بذلك جلالته المثال الأعلى الذي يجب أن يحتذى به في التضامن والجدية في التعاطي مع مثل هذه الفواجع.
وجب التذكير ونحن بصدد الكلام عن قيمة التضامن التي يمتاز بها المجتمع الأمازيغي، أن نذكر بأن أغلب الدواوير بهذه المناطق شيدت على مر مئات السنين بطريقة واحدة، وهي التضامن والتعاون والتآزر بين السكان. حاليا يمكن أن تبنى كل تلك الدور والمنازل التي ضربها الزلزال بنفس طريقة الأمس. فهناك من سيقدم يد العون بالسواعد، وهناك من يتآزر مع الآخرين بالمؤونة ومنهم من يساهم بالكلمة الطيبة والدعاء الحسن.
وبما أن لكل حادث حديث، ولكل واقعة وجهان، واحد إيجابي والآخر سلبي، فمن السلبيات التي طفت على سطح أحداث زلزال الحوز وتارودانت وورززات، التعرية التي ضربت بعض النفوس الخبيثة، أصلا، كما أماط الزلزال اللثام عن الواقع المر الذي يعيشه أغلب أمازيغ الهامش، وهو ما استغله بعض صغار العقول وعديمي الضمير والأحاسيس، ممن يسمون أنفسهم مؤثرين وأشباه الصحفيين، أقول استغلال هؤلاء لمعاناة الناس شيوخا ونساء وأطفالا وطفلات، بأخذ صورهم وهم يتلقون المساعدات في منظر مذل ومهين للكرامة الإنسانية. إن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى اختلاق حكايات وقصص لا أساس لها من الصحة بغرض خلق “البوز” وجمع المزيد من “اللايكات” على حساب مآسي المغربيات والمغاربة الذين مسهم الضرر.
إن استغلال هذه الأزمة من طرف ذوي العقول الصغيرة واغتنام فرصة الاصطياد وفي نفس الوقت استدراج نساء وفتيات في ريعان شبابهن، واستغلالهن في السخرة داخل البيوت، وكأننا في أسواق النخاسة البائدة. فمثل هذه الممارسات، هي ما يطلق عليها الصيد في الماء العكر. وهو ما لاحظناه من خلال التسجيل والتصوير مع طفلات وأطفال صغار يتامى، فقدوا أولياء أمورهم. إنها بدون شك ممارسات المتطفلين والدخلاء على الصحافة الذين حولوا هذه المهنة الشريفة إلى مجال يحكمه قانون الغاب، القوي يأكل فيه الضعيف، في المقابل لا يمكن إلا أن ننوه بمبادرة جلالة الملك لتنعمه على هؤلاء اليتامى بصفة مكفولي الأمة، وهنا لا يفوتني أن أذكر مؤسسة محمد الخامس المخول لها ببذل مجهود كبير لوضعهم في بيئتهم لتلقينهم مبادئ ثقافتهم الأمازيغية وتعليهم الارتباط الوثيق بلغتهم الأم التي هي الأمازيغية.
إن مستغلي الكوارث الطبيعية ومرضى النفوس من فقهاء “الليفات والبوز” تفتقت عبقريتهم بتخويف وترهيب، ليس فقط ضحايا الزلزال، بل كافة المواطنين، وذلك بتحميلهم ذنب هذه الكوارث الطبيعية التي اعتبرت عند بعضهم “غضبا من الله” وعقابا لمن عصاه، مستغلين الوهن والهشاشة النفسية التي ألمت بالمتضررين جراء الكارثة الطبيعية، وهذا الكلام الغير منطقي والغير علمي والمناقض للأخلاق يندى له الجبين، فما هي الذنوب التي ارتكبتها العجوز المسكينة التي لم تستطع حتى إيجاد قوت يومها؟ وما الذنوب والعصيان، الذي ارتكبه ذلك الشيخ المسكين الذي يقضي يومه في البحث عما تجود به الطبيعة لعائلته وبقرته وماشيته؟ وما هي ذنوب ومعاصي الأطفال والطفلات الذين يقضون جل أوقاتهم، بعد المدرسة إن وجدت، في العمل من سقي وجني وحرث؟.
إلى هؤلاء أقول كفاكم نفاقا، وابتعدوا عن الله ولا تتهموه بما فيكم، من بغض وحقد وكراهية وانتقام. إن الله كبير ورؤوف ورحيم وبريء من أفكاركم، براءة هؤلاء المواطنين والمواطنات مما تصفونهم وتنعتونهم به. فالزلزال هو ظاهرة طبيعية تنتج عن حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية، بمعنى أن الأرض تتحرك، كما يتحرك الإنسان والحيوان والمياه في البحار والكواكب في الفضاء وكل شيء فيه روح من الخالق.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵢⵏⵉⵏ ⵅⴼ ⵓⵍⵖⵎ ⵓⵔ ⴷⴰ ⵢⵜⵜⴳⴳⴷ ⴳ ⵉⵢⴹⴹⴰⵏ
Wanna ynin xf ulghm ur da yttggd g iyDDan
راكب الجمل لا يخاف الكلاب
صرخة العدد 272 شتنبر 2023/2973– جريدة العالم الأمازيغي
تحية وتقدير واحترام استاذة أمينة إبن الشيخ على المجهودات المبذولة من أجل الضحايا زلزال الجوز لنقل الصورة الصحيحة و المنطقية و العلمية و الله يحفظكم جميعا و يوفقكم جميعا امين يارب العالمين