يعتبر المغرب مرجعا ونموذجا يحتدى به مقارنة بجميع بلدان شمال إفريقيا في التعاطي مع القضية الأمازيغية ومطالب الحركة الأمازيغية، يلاحظ ذلك في السنوات الأولى للعهد الجديد، مع تولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الحكم. وعلى عكس دول المنطقة التي تعاملت مع مطالب الحركة الأمازيغية بالحديد والنار، من خلال القمع والاعتقالات والاغتيالات، كما جرى في الجزائر مع “الربيع الأمازيغي” أو ما يسمى بالربيع الأسود الذي انطلق في أبريل سنة 2001 إثر مقتل الشاب ماسينيسا كّرماح على يد دركي. وانطلقت مع هذا الحدث مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، ما أسفر عن مقتل 126 شخص، وجرح أكثر من خمسة آلاف آخرين.
اختار المغرب سلك طريق الاستماع والاستجابة والتفاعل مع مطالب الحركة الأمازيغية بالكثير من الرزانة والرصانة، وهو ما يستنتج من خلال الخطاب التاريخي لجلالة الملك في أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001، والذي فتح الأبواب أمام تصور جديد بخصوص الهوية المغربية والاستجابة لمطالب الحركة الأمازيغية، التي ما فتئت تطالب بالوحدة في إطار التنوع وبصون التعدد الثقافي واللغوي ببلادنا. وأكد حينها جلالته بأن “الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر، شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية”، مبرزا أنه “يولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية“.
كما أكد جلالة الملك بأن “النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية. كما أنّ عليها، انطلاقا من تلك الجذور، أن تنفتح وترفض الانغلاق، من أجل تحقيق التطور الذي هو شرط بقاء وازدهار أيّ حضارة“. وهنا يظهر جليا مدى حكمة تفاعل الدولة المغربية مع مطالب الحركة الأمازيغية، عكس ما جرى في الجزائر، وكذلك في ليبيا التي اختار نظامها السابق لغة القتل والاعتقالات لمواجهة كل صوت ينادي بحقوق الأمازيغ، وكذلك مع النظام التونسي الذي لم يختلف عن باقي الأنظمة الموجودة في شمال إفريقيا “تامازغا” والتي اتفقت على وأد كل مطالب الحركة الأمازيغية وشيطنتها، ووصفها بكل الأوصاف الممكنة، إلى أن فرضت الحركة الأمازيغية في الجزائر القضية على النظام الذي أقرها أخيرا لغة وطنية في الدستور، واستمرار المعركة النضالية للأمازيغ في ليبيا وتونس في سبيل الاعتراف الرسمي بحقوقهم الكاملة.
فإذا كانت المطالب الأمازيغية تعتبر ” طابوها” في سبعينات القرن الماضي، مع بداية تأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وبسبب ما عاشته مع ما يسمى “الحركة الوطنية” والأحزاب “القومية والإسلاموية” فإن العهد الجديد الذي يقوده جلالة الملك بحكمة وتبصر، قطع مع هذا الماضي، واستشرف مستقبلا مزدهرا لوطننا ولأمتنا ولتنوع ثقافتنا وتعدد لغتنا وتلاحمنا، وأحدث تحولا تاريخيا في توجه علاقة الدولة بالمطالب الأمازيغية، وجعل المغرب محور الأمازيغية في بلدان “تامزغا”.
ومنذ تولي العاهل المغربي مقاليد الحكم في المغرب، أبدت الجهات الرسمية مرونة في تفاعلها مع المطالب الأمازيغية، انطلقت مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001 وإدراج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين سنة 2003، ثم ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، وصولا لإخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل طابعها الرسمي سنة 2019، رغم الاكراهات و”مسامر الميدة” وبعض العقليات التي لا تزال تعرقل تفعيلها في المؤسسات ودعمها لممارسة وظيفتها الدستورية، ضدا في الالتزام الملكي والتفاعل الحكومي، وما الاعتراف الملكي بالسنة الأمازيغية كعطلة رسمية للمغرب والالتزام الحكومي، إلا تأكيد على مسار المصالحة مع التاريخ والهوية والحضارة المغربية العريقة.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵉⵥⵓⵚⴰⵏ ⵏ ⵓⴳⵊⵊⵉⴼ ⴰⴷ ⵉⵜⵜⴰⵔⵓⵏ ⵜⵉⵢⵢⵏⵉ
IZuRan n ugjjif ad ittarun tiyyni
جذور النخل من يلد التمر
صرخة العدد 275 دجنبر 2023/2973 – جريدة العالم الأمازيغي