ما معنى أن تكون مغربيا/ة كامل/ة المواطنة؟.
هل تستوفي المواطنة جميع الشروط بمجرد الانتماء الجغرافي لهذه البقعة من أرض الله المسماة، المغرب؟.
هل هي مجرد مشاعر تجسد لدى الإنسان الشعور بالانتماء طبقا لمواقف حساسة يمر بها وطنه أو موطنه الأصلي؟.
هل بالتواجد الفعلي في المجتمع والانخراط العملي في المجال السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي؟.
من خلال هذه الأسئلة التي توحي للقارئ بتعريف بسيط ومتواضع للوطن، أستطيع القول إن الوطن هو كل مكان أو منطقة يرتبط بها الانسان وجدانيا، وكل مكان أخذ منه هذا الانسان، مباشرة أو بالتوارث، هويته الوطنية وتاريخه الإنساني.
والمواطنة الحقة هي الانتماء الى الوطن الأم، وهذا الانتماء يجب أن يكون في نظري متبادلا، بمعنى أنه بقدر ما ينتمي المواطن لوطنه بقدر ما ينتمي الوطن لمواطنيه، ذلك أن هذا الانتماء يجب أن يكون كالسيف ذي الحدين الذي يضرب في الاتجاهين، اتجاه نحو الوطن واتجاه نحو المواطن.
نعم، إن لنا في الدستور المغربي كل الضمانات القانونية لأن نكون مواطنين ومواطنات كاملي المواطنة، لأنه دستور يكرس التعددية الثقافية واللغوية لمغرب متنوع، غني بثقافته وقيمه، دستور يمنح الأمل في تنشئة أجيال المستقبل، على أسس القيم المغربية الراسخة في الثقافة المغربية الأصيلة، المشحونة بالتسامح والتضامن والمساواة بين الجنسين والعدل والرحمة والكرامة، إلى غير ذلك من القيم الإنسانية الجميلة.
ولكن، نتساءل على مستوى الواقع، هل الدولة استطاعت أو بالأحرى نجحت بجميع مؤسساتها، ترسيخ قيم المواطنة الكاملة لفائدة مغاربة الداخل والخارج؟ وماهي الأليات أو التدابير والوسائل التي من شأنها ترسيخ هذه القيم في جينات المواطنين؟.
إن ما عاشه الإنسان المغربي منذ عقود ومازال يعيشه من استلاب فكري وهوياتي واحتقار لذاته وتشويه لتاريخه وحضارته وثقافته، دفعه إلى القيام بمحاولات متواصلة ومستمرة للرحيل والهجرة بأفكاره والارتماء في أحضان ثقافات أخرى، وهذه الهجرة غير الإرادية مردها بالأساس إلى الدور الهدام الذي لعبه البعثيون القدامى والإسلاميون فيما بعد، الذين سيطروا على مفاصل الدولة المغربية قبل وبعد الاستقلال.
نعم إن المدرسة المغربية لعبت وتلعب دورا مهما في تربية الأطفال، مستقبل هذا الوطن، وإعدادهم نفسيا وسيكولوجيا وتحويل النشأ إلى مجال خصب للاستلاب الهوياتي والإرتكان إلى ثقافة الغير والانتساب إلى أمة غير الأمة المغربية، عبر مناهج تربوية وأدوات بيداغوجية، بعيدة عن هموم الإنسان المغربي بمسافات ضوئية. مناهج جعلت أعدادا كبيرة من المغاربة منفصلين عن ثقافتهم ومتنكرين لتاريخهم ومتنمرين من حضارتهم، مناهج أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها قوالب جاهزة فرضها علينا المشرق والغرب عن طريق علاقتنا بهم غير المتوازنة، أو استوردناها منهم بمحض ارادتنا، لنملأ بها أدمغة صبايا وصبيات هذا الوطن عبر التعليم النظامي او غير النظامي داحل الوطن او خارجه.
نفس المؤاخذة تؤخذ على الاعلام الذي يتبنى أفكارا وقضايا شعوب أخرى بتبعية عمياء للمشرق والخليج والغرب، فيضع هذه القضايا في المقدمة وفي صدارة الأولويات بدل قضايا وطننا.
ومن المؤشرات الدالة على الاستيلاب وانفصام الشخصية، الإحصائيات التي قام بها اعلاميون وعلماء اجتماع، مغاربة وأجانب، أكدوا من خلالها تصدر المغاربة للجماعات المتطرفة في مناطق النزاع بالشرق الأوسط، والقيام بأنشطة متطرفة في دول أوروبا.
كيف لا وقد سمعنا ما من مرة، أصوات من جهازي الإذاعة والتلفزة تردد بأن استقلال دولة في المشرق أولى من قضية الصحراء المغربية!! أصوات نادت بذلك دون اكتراث، وبلا حسيب ولا رقيب. فالمواطنة إذن تقتضي أن تكون الدولة في الاستماع لنبض المواطن والمواطنة، والتعامل بالمساواة مع المواطنين، أفرادا وجماعات. والمواطنة تقتضي أيضا العدل في توزيع الثروات وتقسيم الممتلكات، وضمان العيش الكريم والشغل والصحة للجميع.
والوطن يجب أن يكون حاضنا لكل أبنائه وبناته، أن يحب ويغفر ويسامح.
والمواطن عليه أن يكون وطنيا لا مبتزا، نعم، المواطن الحقيقي يعارض ويعاتب وينتقد، لكن بروح الغيرة على الوطن وبحب كبير وقوي وبدون مزايدات ولا شروط.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي :
ⴰ ⵡⴰⵏⵏⴰ ⵉⵍⴰⵏ ⵔⵔⵉⵛ ⴰⴷ ⵓⵔ ⵉⵥⵉ ⴷ ⵡⴰⴽⴰⵍ
ⵓⵍⴰ ⴰⴷⵔⴰⵔ ⵍⵍⵉ ⴼ ⵉⵜⵜⵔⵓⵙ ⵉⵖ ⴷ ⵓⵔⵔⵉⵏ
بمعنى: يا صاحب الأجنحة لا تخاصم السهول ولا الجبال التي تقف عيها إن أنت عدت.
صرخة العدد 279 أبريل 2024/2974 – جريدة العالم الأمازيغي