صرخة العدد 281 يونيو 2024/2974

إن اختيار، موضوع “تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجال العدالة” وبتنسيق مع هيئة نقابة المحامين بالرباط، وإشراك محامون ومحاميات ورجال ونساء القانون، ليس اختيارا اعتباطيا أبدا، بل لأننا نعتبر القضية مفصلية وذلك بالنظر إلى ما يحدث يوميا في المحاكم، جراء لغة التقاضي بالأساس، خاصة ما يرتبط بعملية التواصل باعتبارها شرطا أساسيا لمصداقية القضاء والمحاكمة العادلة.

ومن القصص التي يمكن اعتبارها درسا يفرض إعادة النظر في اللغات المتداولة وطرق استعمالها في محاكم المملكة، ما حكاه لي أحد الاساتذة المحامين عن واقعة جرت بمحكمة أكادير لأحد المتقاضين الذي كان يتابع بتهمة الترامي على ملك الغير، فسأله القاضي: “هل تراميت على الأرض الفلانية”؟ فكان جواب المدعى عليه: “نعم، سيدي القاضي رميغ”.

إن المدعى عليه لم يفهم من سؤال القاضي إلا ما سمعته أذنه، علما أن القاضي يطرح السؤال بلغة أقرب إلى العربية المكتوبة، وهو ما جعل المتهم يفهم من كلام القاضي وكأنه يسأله: “هل تعبت؟ بحيث يقال بالأمازيغية: ئيس ترميت؟. لأن فعل “ترامى”، الذي يعني الاستحواذ على ملك الغير بغير حق، قريب إلى فعل “ترميت” الذي يعني في اللغة الأمازيغية، “تعب”، فلم يكن الجواب بالأمازيغية إلا بنعم “رميخ”، وهو ما يعني عند المدعى عليه “نعم تعبت”، وعند القاضي “نعم تراميت”، بمعنى أنه يعترف بالمنسوب إليه، فلن يكون مصيره إلا الإدانة والعقاب.

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح ومرارة هو: أهكذا يمكن أن تحقق العدالة داخل محاكم المملكة؟

قبل الجواب لا بد أن نعرف معنى العدالة. وللبحث عن معناها بكل حيادية وبعيدا عن الايديولوجية والعاطفة نقرت نقرة خفيفة على محرك “كوكل” لأجد أن العدالة تعني “جعل الأشياء في متناول الجميع من خلال إتاحة الفرص المتساوية”.

وكذلك العدالة هي: “قاعدة اجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض، وهي بالتالي مفهوم يعني عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر، وهي رؤية إنسانیة للمحيط الذي يعيش فیه‌ کل فرد، شريطة أن ینظم هذه‌ الرؤیة، قانون وضعي یشارك فی صياغته الکل بعيدا عن التحکم”.

إن النموذج للتواصل، أعلاه، وهو بالمناسبة نموذج بسيط من بين نماذج كثيرة تمر كل يوم أمام أعين القضاة والمحامين، ورجال ونساء العدالة في أغلب المحاكم المغربية، هو حدث وواقعة تجسد مظهرا من مظاهر الاقصاء والتمييز التي من المفروض أن نكون قطعنا معها أصلا مع دستور المملكة الذي رسم الأمازيغية لكل المغاربة بدون استثناء، وفصل فيها القانون التنظيمي 16/26 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في فصله الثلاثين الذي ينص على أن: “تكفل الدولة للمتقاضين والشهود الناطقين بالأمازيغية، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية والتواصل بها خلال اجراءات البحث والتحري بما فيها مرحلة الاستنطاق لدى النيابة العامة، واجراءات التحقيق واجراءات الجلسات بالمحاكم بما فيها الأبحاث والتحقيقات التكميلية والترافع وكذا إجراءات التبليغ والطعون والتنفيذ. تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين والشهود. يحق للمتقاضين، بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية. ومن أجل ذلك، تعمل الدولة على تأهيل القضاة وموظفي المحاكم المعنيين لاستعمال اللغة الأمازيغية”.

وهذا الإجراء يدخل ضمن الإجراءات التي يجب أن تفعل في أجل عشر سنوات على الأكثر الذي يبتدئ من تاريخ نشر القانون التنظيمي رقم 16/26 في الجريدة الرسمية، أي من تاريخ 12 سبتمبر 2019، إلى تاريخ حلول سنة 2029.

إن بلادنا فتحت ورش إصلاح منظومة العدالة، ولكن للأسف، يتم تغييب الأمازيغية، اللغة الرسمية لجميع المغاربة بدون استثناء بمنطوق الدستور أسمى قانون في البلاد، من هذا الورش الإصلاحي المهم. علما أن من المبادئ الأساسية لدولة الحق والقانون “مبدأ استقرار واستثبات الأمن القانوني تحقيقا للثبات النسبي للقوانين، لذلك فإن القوانين لا تتغير كل سنة ولا كل خمس سنوات ولا حتى كل عشر سنوات، مما يفرض علينا، الآن، وليس غدا ولا بعد غد، الأخذ بعين الاعتبار معطى رسمية اللغة الأمازيغية، عند كل تعديل لأي قانون كيفما كان، في تناغم وتلاؤم تام مع منطوق الفصل الخامس من دستور المملكة الذي ينص على أن الأمازيغية لغة رسمية لجميع المغاربة بدون استثناء.

وقديما قال الحكيم الأمازيغي:

ⴰⴽ ⵎⴰⵢ ⵜⵙⵙⵉⴼⴼⵜ ⴰ ⵎⴰⵎⵎⴰ ⴷⴰ ⴷⴰⵙ ⵏⴰⵍⵙ
Ak may tssifft a mamma da das nals

بمعنى: سنعيد غربلة كل ما غربلته يا أماه

صرخة العدد 281 يونيو 2024/2974 – جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974

يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *