بحلول يوم 30 يوليوز 2024، سيكون المغرب وصل إلى ربع قرن من حكم جلالة الملك، نعم ربع قرن من إنجازات متعددة ومتنوعة في شتى المجالات، منها ما هو اجتماعي، سياسي، اقتصادي، لغوي، ثقافي فني وهوياتي تاريخي..
منذ تولي جلالة الملك عرش أسلافه الميامين، انطلقت العديد من المبادرات وشكل خطاب العرش لسنة 2001، الشرارة الأولى التي بعثت بإشراقات مضيئة في مسار الأمازيغية، الخطاب، الذي كسر عقدة الأمازيغية لدى الكثير من المواطنين، الذين كانوا يستحون من الكشف عن أصولهم وهويتهم ولغتهم، ليليه بعده خطاب 17 أكتوبر 2001 المعروف بخطاب أجدير، نسبة إلى المنطقة التي ألقى بها جلالة الملك خطابه بحضور ثلة من مناضلي الحركة الأمازيغية، وكان هذا الخطاب المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، اللبنة الأولى لبداية مأسسة اللغة الأمازيغية بالمغرب، مأسسة تستدعي بلا شك أدوات استعمال اللغة، ومن بين الأدوات الأساسية والضرورية للاشتغال على اللغة وبها، حروف كتابتها، فكان جلالة الملك مرة أخرى في موعد مع الحدث، فصادق في 3 فبراير 2003 باعتماد حرف “تيفيناغ” حرفا رسميا لكتابة اللغة الأمازيغية، بعد رأي أعده المجلس الاداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بطلب من الديوان الملكي.
لتستمر المبادرات الملكية من خلال تدخل جلالته، لدعم مشروع إطلاق القناة الأمازيغية بتخصيص دعم مالي لإخراجها إلى الوجود، بعد أزيد من سنتين من أخذ ورد بين الحركة الأمازيغية والقائمين على الشأن الإعلامي المغربي آنذاك.
وفي خضم ثورات الشعوب والتي انخرطنا فيها في إطار حركة عشرين فبراير، تلقف جلالة الملك الرسالة فأكد في خطاب 09 مارس 2011 على التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، وهكذا توجت هذه العشرية الأولى من حكم جلالة الملك بالتنصيص في دستور فاتح يوليوز 2011 على رسمية اللغة الأمازيغية لغة رسمية لكل المغاربة بدون استثناء، باعتبارها رصيدا مشتركا لهم.
فانطلقت عشرية ثانية، اتسمت كسابقتها بانخراط جلالة الملك في استكمال مشروعه الملكي، فيما له علاقة بالأمازيغية، بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية للبرلمان بتاريخ 12 أكتوبر 2012، بخطاب مذكرا فيه جلالته الجهاز التشريعي والتنفيذي على حد سواء، بأنه “… ينبغي اعتماد القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وكذا تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة“. وأمام تعنت السلطات التشريعية والتنفيذية واستمرار صم الآذان عن هذا الخطاب، ارتأى جلالته وبحكمته إعطاء أوامره السامية لإنشاء لجنة ملكية مهمتها، الاشتغال على إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وهكذا كان، حيث عقدت اللجنة أول اجتماع لها يوم الأربعاء 11 نونبر 2015.
بعد مضي أكثر من 8 سنوات على ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور المملكة، (من فاتح يوليوز 2011 إلى شهر شتنبر 2019 و2020) أصدر القانونين، قانون تنظيمي 16/26 المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والقانون التنظيمي 16/04 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
وهكذا توجت هذه العشرية الثانية من حكم جلالة الملك بتفضل جلالته يوم 03 ماي 2023، بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية والسنة الميلادية، استجابة لمطالب شعبية قوية.
هو إذن ربع قرن من حكم جلالة الملك تميز بدينامية تفاعل المؤسسة الملكية مع مطالب الفعاليات الأمازيغية، نعم، تفاعل ملكي سامي تاريخي، قطع مع سياسة الاستلاب والاقصاء، وانفتح على سياسة البناء، بناء شخصية مغربية جذورها متجذرة في افريقيا وفروعها ممتدة شامخة لا تهاب الرياح ولا الأعاصير.
إن سياسة ملك البلاد تجاه الأمازيغية فتحت الباب للافتخار بالذات المغربية والاعتزاز بالتاريخ المجيد لوطننا، فكانت (أي السياسة الملكية تجاه الأمازيغية) محفزا ومشجعا، لمن ينبض في عروقه الحس الوطني، بأن ينخرط في هذه السياسة، وهذا كان حال فقيدة الأمازيغية الدكتورة ليلى مزيان بن جلون، التي تلقفت الرسائل الملكية واستوعبت مراميها وانخرطت، بعزيمة قل نظيرها، في نكران تام للذات، في المشروع الملكي الخاص بالأمازيغية، فكانت رحمها الله داعمة لمطالب الحركة الأمازيغية من خلال العديد من الأعمال والإجراءات والأنشطة الثقافية والفنية والبيئية، فيكفي أنها، رحمها الله، أول من أسس لتعليم اللغة الأمازيغية في مدارس “مدرسة.كوم” ببوقانا بني نصار مسقط رأسها بمدينة الناظور منذ سنة 2002، هذه المدارس، التي أشرفت عليها وأدارتها كرئيسة لمؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية، والتي فتحت أبوابها أمام أطفال وطفلات عالم القرية والجبل بالمغرب وبأفريقيا، لتسهيل استفادتهم من التربية والتكوين بمعايير علمية متطورة وبلغاتهم الأم (الأمازيغية والدارجة) مع الانفتاح على لغات العالم كالفرنسية والاسبانية والانجليزية والصينية ولغة التكنولوجيا والرقمنة.
اعترافا لما أسدته الدكتورة ليلى مزيان بنجلون، للإنسانية في العالم، من أعمال اجتماعية وثقافية، تعليمية، بيئية واقتصادية، وشحها جلالة الملك محمد السادس، بوسام العرش من درجة الحمالة الكبرى بمناسبة ذكرى عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2016.
رحمها الخالق الباري وأسكن روحها في سلام.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵜⵉⵙⵏⵜ ⵓⵔ ⴷⴰ ⵜⵙⴽⴽⴰⵔ ⴰⵛⵜⴰⵍ
Tisnt ur da tskkar actal
الملح لا ينبت الديدان أي: الأشياء بمعادنها والناس بأصولهم
صرخة العدد 282-283 يوليوز-غشت 2024/2974 – جريدة العالم الأمازيغي