يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، والتي تضع المغرب في موقعٍ متقدم ضمن الحضارات الإنسانية.
هذه الإكتشافات التي تتنوع بين ما هو متعلق بالإنسان، والمعمار والصحة والفن، والزراعة، تشكل مجتمعةً دليلًا واضحًا على أن المغرب كان بالفعل مهدًا للبشرية وحاضنًا لحضارات متعاقبة عبر العصور.
فالبداية كانت مع اكتشاف أقدم جمجمة للإنسان العاقل بأدرار ن إيغود، قرب مدينة آسفي، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 315 ألف سنة، مما يعيد رسم مسار تطور الإنسان ويدعم فكرة أن المغرب كان نقطة انطلاق أساسية في تاريخ البشرية.
إلى جانب هذا، تم العثور على أقدم عملية جراحية دقيقة على الرأس، وهو اكتشاف أثري يعكس معرفة طبية مبكرة، فضلاً عن العثور على أقدم حُليّ أثري، مما يبرز تطور الفنون والممارسات الثقافية والروحية في المغرب منذ آلاف السنين، دون نسيان اكتشاف مدن وقرى وحضارات مادية ولامادية تعتبر مفخرة واعتزاز كل مغربي ومغربية.
إلا أن عجلة الإكتشافات لم تتوقف عند ما سبق ذكره، فقد أُضيف إليها اكتشاف حديث في المجال الزراعي في منطقة واد بهت، قرب العاصمة الرباط. هذا الإكتشاف قاده عالم الآثار يوسف بوكبوط وفريقه، حيث تم الكشف عن أنشطة زراعية قديمة تعود لآلاف السنين.
يُظهر هذا الإكتشاف أن الأمازيغ كانوا من رواد الزراعة في شمال إفريقيا، وأنهم طوروا أنظمة زراعية متقدمة، بما فيها تقنيات الري البدائية التي تعكس قدرة الأمازيغ على التكيف مع بيئتهم الطبيعية واستغلال الموارد بطرق مبتكرة.
ما يجمع بين هذه الإكتشافات، من جبل إيغود إلى واد بهت، هو أنها تعيد النظر في تاريخ المغرب وتؤكد أن هذا البلد لم يكن مجرد موقع عابر في مسار التاريخ البشري، بل كان محوراً للحضارة والابتكار منذ آلاف السنين.
هذه الإكتشافات تدعم نظرية أن المغرب ليس فقط مهدًا للإنسان العاقل، بل أيضًا مركزًا حضاريًا استمر عبر العصور في إحداث تأثير كبير على مسارات الزراعة، الطب، والثقافة.
تعكس هذه الإكتشافات أن المجتمعات الأمازيغية كانت جزءًا لا يتجزأ من هذه الأرض، مع قدرة فريدة على التكيف مع هذه الارض والابتكار فيها أوبها، إن اكتشاف الأنشطة الزراعية في واد بهت يأتي ليكمل صورة المغرب كحضارة شاملة ومتنوعة امتدت عبر العصور، وأثبتت أن هذه المجتمعات كانت رائدة في تطوير الأنظمة الزراعية المبكرة، مما ساهم في بناء هياكل اجتماعية متطورة تعتمد على التنظيم وتؤسس لقيمتي التعاون والتضامن.
هذا التراث العريق، سواء في الزراعة أو الطب أو الفنون، يُظهر أن المغرب كان وما يزال شاهداً على تاريخ إنساني غني وعميق، والاكتشافات التي تم التوصل إليها حتى الآن تفتح الباب لمزيد من الأبحاث، مما يجعلنا على يقين بأن هناك الكثير مما لم يُكتشف بعد، وأن المغرب سيظل مهدًا لاكتشافات جديدة تضاف إلى رصيده الحضاري الكبير.
بفضل هذه الاكتشافات المتعددة والمتنوعة، يمكن القول بكل ثقة إن المغرب يمتاز بتاريخ طويل ومتجذر، وأن هذه الأرض كانت، ولا تزال، حاضنة للبشرية وحضاراتها منذ آلاف السنين.
كل اكتشاف جديد يعزز هذه الحقيقة، ويضع المغرب في طليعة الدول التي تسهم في إعادة كتابة تاريخ البشرية.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⵉⵖ ⵜⵥⵕⵉⵜ ⵜⵓⴹⴼⵉⵏ ⴳ ⵉⵙⴽⴼⴰⵍ, ⵜⵙⵙⵏⵜ ⵉⵙ ⵍⵍⴰⵏ ⵢⵉⵔⴷⵏ ⴳ ⵜⵙⴳⴳⵉⵡⵉⵏ!
Igh tZRit tuDfin g iskfal, tssnt is llan yirdn g tsggiwin
بمعنى: إن ترى في الدرج نملا، فاعلم أن في العلالي قمحا
صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974– جريدة العالم الأمازيغي