أعلنت حركة “طالبان” بأنها لا تنوي إقامة نظام ديمقراطي في أفغانستان، وأنها بالمقابل ستعمل على إقامة الشريعة الإسلامية، فماذا يعني ذلك؟.
ـ يعني أن هذه الحركة تعتقد بأن قوة السلاح كافية لفرض شرعية سياسية دون احترام السيادة الشعبية.
ـ يعني أيضا أنها تعتبر نفسها اختيارا إلهيا تجعل شرعيتها آتية من السماء وليس من الأرض. ما يفسر استخفافها برأي وإرادة الشعب الأفغاني.
ـ وأنها لا تؤمن بمبدأ التداول على السلطة، لأنها تعتبر نفسها قدرا نهائيا لا بديل عنه. ولهذا تفضل مجلس تسيير معين تحت وصاية زعيم التنظيم على إجراء أية انتخابات.
ـ أنها لا تؤمن بالحق في الاختلاف والنقد اللذين تعتبرهما جريمة، فما دامت طالبان تمثل القرار الإلهي فإن مخالفتها تستوجب العقاب.
ـ أنها لا تقبل بالتعددية ووجود أحزاب سياسية حتى تتمكن من فرض رأيها الوحيد الأوحد.
ـ أنها لا تؤمن بالمساواة في إطار المواطنة فهي تفضل المؤمن بدينها ومذهبها على غيره، كما تفضل الرجال على النساء في التعليم وكل مرافق الحياة العامة.
ـ أنها لا تقبل بالحريات لأنها تفرض نظاما قاسيا للوصاية يحدد للناس كيف يأكلون ويلبسون ويجلسون ويتكلمون ويفكرون، بل حتى كيف يدخلون المرحاض.
ـ أنها لا تؤمن بسموّ القانون لأنها تعتبر القانون ما نزل من السماء وليس ما يُشرّعه البشر لأنفسهم وفق مصالحهم المتغيرة. ولهذا يظل قانون طالبان ثابتا ويُجمّد معه المجتمع بكامله.
ـ أنها تعتبر الدين وسيلة للسياسة من أجل السيطرة وشرعنة الاستعباد ولهذا ترفض الفصل بينهما.
هذا النظام الذي أعلنته حركة طالبان بديلا للديمقراطية هو نفسه الذي عاش به المسلمون على مدى قرون طويلة، إلى أن استيقظوا على دوي مدافع الأزمنة الحديثة وهم في غاية الضعف والتأخر.
والغريب أن طالبان تتحدث عن “إقامة الشريعة” في زمن سقط فيه جميع من رفع ذلك الشعار من أنظمة اللاهوت والوصاية الدينية، سقطت “داعش” و”القاعدة” و”جبهة النصرة” و”ّأنصار الشريعة” و”بوكو حرام” وسقط “الإخوان المسلمون” في مصر والسودان وفشلوا في تونس والمغرب وليبيا، بل إن السعودية نفسها تغيرت بإعلان طلاقها مع الوهابية والتشدّد الديني. في هذا السياق الذي يعرف نهاية مرحلة، يأتي “طالبان” ليعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، وليصطدموا بكل عوامل السياق الراهن.
هروب طالبان من الديمقراطية هو تهريب للسلطة، بهدف إقامة نظام مغلق، لكنهم يعلمون بأن للشعب الأفغاني رأي آخر، إذا لم يتمكن اليوم من التعبير عنه بسبب الخوف فإنه سيكون قادرا على التعبير عنه غدا في سياق مغاير سيأتي بقوة الأشياء.