أستغرب كيف يجرؤ البعض على التشكيك في مكانة الدكتور المرحوم علي صدقي أزايكو. إن هذا التصرف لا يعبر إلا عن جهل بطبيعة المرحلة، وتجاهل لتضحيات الرجال الذين كانوا أوفياء للهوية الأمازيغية حين كان الحديث عنها محرما.
إن فعل إعادة قراءة التاريخ وكتابته لم يكن ترفا فكريا، بل كان من أولى المطالب التي رفعتها الحركة الأمازيغية، وراهنت عليها منذ بداياتها الأولى. واليوم، نشهد بكل وضوح أن هذه المطالب باتت تجد صداها في مؤسسات الدولة نفسها، خصوصًا منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه، وفتح صفحة جديدة في التصالح مع الهوية الأمازيغية للمغرب، في انسجام مع عمقه التاريخي والجغرافي.
لقد شجعت الدولة المغربية في السنوات الأخيرة العلوم الأركيولوجية ووفرت لها المجال لتكشف ما حاولت بعض القراءات الإيديولوجية طمسه أو تجاهله. وهذه العلوم الحقة، التي تقوم على الدليل المادي والبحث الرصين، أصبحت اليوم تفرض نفسها كدعامة أساسية لإعادة كتابة تاريخ ليس فقط المغرب بل شمال إفريقيا، او ما يعرف في ادبيات الحركة الأمازيغية ببلاد تامازغا، وتحريره من التوظيف السياسي والانتقائي.
لكن قبل هذه المرحلة، لا بد من التذكير بأن هناك اناسا مهدوا لهذا الورش، ودفعوا ثمنا باهظا في سبيله. وفي مقدمتهم الدكتور علي صدقي أزايكو، الذي كتب مقالا علميا تاريخيا حول الهوية الثقافية والتاريخ المغربي، فحوكم وسجن بسببه. لم يكن يملك سوى قلمه ووعيه، ولم يطلب سوى الحق في التعبير والبحث في تاريخ بلاده. ومع ذلك، حوصر، واتُّهِم، وعوقب.
الدكتور أزايكو لم يحتكر الحقيقة، بل فتح باب التساؤل والمراجعة، ووضع اللبنات الأولى لنهضة فكرية تعيد للمغاربة كافة، وليس للأمازيغ فقط، وعيهم بجذورهم المشتركة. فقد آمن أن تحرير الإنسان يبدأ من تحرير ذاكرته.
اليوم، بعد أن بدأت مؤسسات الدولة نفسها تتبنى إعادة قراءة التاريخ بمنهج علمي، يتأكد أن الراحل أزايكو لم يكن متطرفًا أو منفصلًا عن الواقع، بل كان سابقًا لعصره، ورائدًا من رواد الوعي الثقافي المغربي.
رحم الله الدكتور علي صدقي أزايكو، فقد أدى رسالته بشرف، وكتب فصولًا من تاريخنا بمداد الصدق والنضال.