ربيع القاطي: (طلبي من الجمهور أن يساعدنا بالكلمة الطيبة لنصل إلى بر الأمان ونحن نخوض هذه التجربة التي ليس سهلة علينا بتاتا).
هذه العبارة لفتت إنتباهي خلال لقائي بربيع القاطي الذي أُسند إليه دور البطولة في فيلم أنوال مجسدا شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي ، لكن أول شيء يشدك إلى هذا الممثل هو الشبه الكبير بينه و بين الخطابي ، لقد ورث ملامحه وتفاصيل وجهه، نعم، قد لا يختلف إثنان في هذا.. الرجلان وجهان لعملة واحدة من حيث الشكل ..
نعم الشكل مهم لأن الصورة وحدها قد تكفي لقول كل الكلمات، بيد أن اللب أولى من القشور، المضمون أهم من الشكل، حتمية الإحاطة بمضمون الشخصية من الناحية النفسية والقيادية والإنسانية، ربيع يعلم ذلك ويقر بحجم المسؤولية التي حملها، ليس من السهل نفض الغبار عن هذه الصفحة التاريخية المسكوت عنها، ليس يسيرا بالمرة خوض هذه التجربة…
لم يخْفِ ربيع القاطي مخاوفه وهواجسه منذ أن عُهِدَ إليه تجسيد شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي لأول مرة في عالم السينما، هناك حمل ثقيل يحمله الرجل على عاتقه، مشاعر متباينة، فرح وفخر وخوف وتوجس في ذات الآن …
سيتحمل القاطي العبء الأكبر، نجاح الفيلم يعتمد على نجاح الشخصية الرئيسة ذات الكاريزما الفريدة، والفشل في إقناع المشاهد هو فشل للعمل السينمائي ككل، التحدي كبير وثمرة النجاح لن تقطف من دون مغامرة وإخلاص في العمل .
خلف الكاميرا لن تخفي شجرة حماسة محمد بوزكو غابة المخاوف ، مهمة إخراج الفيلم مهمة عسيرة، لكن كان لا بد من أن يخطو أحد هذه الخطوة، هذه المسؤولية لم يحملها أحد، لم يبادر أحد لإنتاج فيلم حول الموضوع في الداخل أو الخارج .. الجميع رضي بدور المتفرج ولم يبرحوا أريكة الإنتظار، رغم ضعف الميزانية لدينا ثقة في إمكانياتنا الفنية والتقنية وفي نجاح فريق العمل ومستعدون لخوض هذه المغامرة …
السيناريست محمد نضراني المعتقل السابق هو الرجل الذي يقف وراء إنجاز هذا العمل، يقول إن كتابة سيناريو الفيلم استغرق ثلاث سنوات، يؤمن بضرورة المحاولة قد تأخرنا كثيرا، قرن مضى على موقعة أنوال، انوال لم يكن الخطابي وحده بطلها بل كل القبائل الريفية برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها لذلك لم نعنون الفيلم باسم مولاي موحند ولكن إخترت عنوان “أنوال ” تقديرا لكل المجاهدين وشهداء المقاومة …
قد لا يجيب الفيلم عن أسئلة كثيرة لكن قد آن الأوان لتسليط الضوء على جزء من تاريخنا بعد مرور مائة سنة على معركة انوال.
أعتقد أنه من الطبيعي جدا أن يستأثر تصوير فيلم سينمائي بكل هذا الاهتمام ويثير كل هذا الجدل، ليس فقط لأنه فيلم يصور جزءا من تاريخ منطقة الريف إبّان فترة الإحتلال الإسباني ولكن لأنه يجسد و لأول مرة في تاريخ السينما شخصية فذة ذات مكانة ورمزية عابرة للحدود المكانية والزمانية شخصية شيخ المجاهدين محمد بن عبد الكريم الخطابي، الأكيد أن الفيلم سيحقق نسب مشاهدة عالية، لكن النجاح يجب أن يكون نوعيا لا كميا …
من حق الجميع أن يطرح تساؤلات ويوجه انتقادات لهذا العمل السينمائي، هل سيحقق الهدف منه ألا وهو إماطة اللثام عن تاريخ المقاومة في بلاد الريف؟ ألن يساهم ضعف الإنتاج في تقزيم معركة أنوال المجيدة وسيقلل من شأن وقدر رموز المقاومة؟ هل ستسمح ميزانية الفيلم المحدودة بإنجاز فيلم في مستوى الحدث؟ وماذا عن اللغة الأصلية المستعملة في الفيلم؟ (رغم أن إمكانية ترجمة العمل مسألة واردة وطبيعية في الأفلام التاريخية).
كلها تساؤلات مشروعة وعلى أصحاب الفيلم تقبلها بصدر رحب، لكن الأمور التي لا يمكن تقبلها هو الانتقاد من أجل الإنتقاد ، لم تمر إلا أيام قليلة على بداية تصوير الفيلم حتى أمسك البعض من أصحاب الأحكام الجاهزة معاول الهدم لينقض بها على من بادر وساهم في إخراج العمل من دائرة العدم ..
بالنسبة لي ألتمس العذر لفئة أخرى لم تخرج بعد من قوقعة الصدمة، لأول مرة سيشاهدون بن عبد الكريم (أو شبيهه) بالصوت والصورة، قد يعصف المشهد بالصورة الحقيقية الملتصقة بمخيلتهم، نعم لقد شاهدوه في بعض الافلام الوثائقية ولكن الأمر مختلف الآن، من سيشاهد الفيلم السينمائي سيعيش ما عاشه الزعيم من أحداث ووقائع، ربما سيضغط على زر كاتم الصوت والاقتصار على تتبع حركات الخطابي وستترسخ صورة الممثل في الذهن كما ترسخت من قبل صورة أنطوني كوين (عمر المختار رحمه) وصورة عبد الله غيث رحمه الله (حمزة رضي الله عنه)، لذلك فهامش الخطأ هنا بالنسبة لصناع الفيلم يجب أن يكون ضئيلا بل ضئيلا جدا ..
الفيلم لا يتحدث عن تاريخ المقاومة كله بل يسلط الضوء على أحداث فترة زمنية محددة ما بين سنتي 1907 و 1921 أي الفترة ما قبل وأثناء معركة أنوال، ويتطرق الفيلم أيضا إلى جزء من حياة مولاي موحند إنطلاقا من دراسته بجامع القرويين وعمله صحافيا ومعلما ومترجما وتعيينه من طرف الاسبان قاضيا للقضاة بمدينة مليلية، ثم يعرج الفيلم إلى فترة التحول في فكر وقناعة الرجل بضرورة جهاد المحتل والقتال في سبيل تحرير الأرض من ربقة الاستعمار عبر توحيد القبائل وقيادة المجاهدين إلى النصر في ملحمة أنوال.
من نافلة القول نرجو النجاح لفيلم أنوال والتوفيق لطاقم التصوير، فالأمر يتعلق بقامة إنسانية ذات مكانة وطنية ودولية، نحن في حاجة إلى أعمال سينمائية تعرف برموزنا .. اليوم الخطابي والعقبى غدا للمجاهد موحا اوحمو الزياني في فيلم يحمل عنوان “معركة لهري” أو أحمد الهيبة أو عسو أوبسلام أو الشريف أمزيان وغيرهم كثير من رجال ونساء المقاومة رحمهم الله أجمعين …
هذه بعض الانطباعات الشخصية عن هذا العمل السينمائي بعد زيارتي لموقع التصوير وإلقاء نظرة على كواليس الفيلم والتحدث إلى القائمين على إنجازه، ليس من سمع كمن رأى، فلا يمكن إطلاقا الحكم على أي عمل كيفما كان قبل إتمامه، وإن غدا لناظره لقريب…