في 15 دجنبر 2016، حلت الذكرى 21 لاستشهاد الزعيم والمناضل الأمازيغي مانو دياك ( مانو أك داياك)، حيث أغتيل الزعيم ومن معه في انفجار طائرته، وهو في طريقه لحضور اجتماع سلمي في عاصمة النيجر نيامي.
يحمل بنا قبل المضي عن حياة مانو، أن نأتي بكلمة يسيرة عن موطنه الأصلي بلاد الطوارق، فإن للبيئة التي ينشأ فيها الشخص ويترعرع تأثيرا كبيرا في أعماله، وباستحضارها يسهل الحكم على حياة الرجل بما يحيط به من مؤثرات. ولد “مانو داياك” في منطقة “Tafadak” بأيار Ayir شرق الطوارق والواقعة تحت نفوذ نظام النيجر.
بلاد الطوارق: الإنسان والمجال
يعيش الطوارق حاليا في الصحراء الكبرى وجزء من الساحل، ويتوزعون على شكل قبائل هي كالتالي: قبيلة (Agar- Ajar) ويمتد وجودها من أقصى الجنوب الشرقي الجزائري جبال Tasili تحديدا إلى الجماهيرية الليبية، قبيلة (Ahuggwar) ويمتد وجودها من أقصى الجنوب الجزائري إلى دولة النيجر، قبيلة (Azawad) وتستوطن دولتي النيجر ومالي، قبيلة (Ayir) موجودة بالنيجر، وقبيلة (Tadamaka) بمالي.
فطوارق الصحراء موجودون في الجنوب الجزائري ومنطقة فزان بليبيا وأهم قبائلهم Ihuggwar، وبالتحديد بمنطقة جبال Ahuggwar، ثم imeghvasenوIwraghen و Ijerfiyen بفزان، وسكان مدينة Ghdams الليبية عند نقطة الحدود مع كل من تونس والجزائر.
طوارق الساحل وهم بالأساس قبائل Ayir بصحراء Tiniri، Ilmden بمنطقة Gaw بالنيجر، وItyram و Drarمن Ilmden ilmtunn، وTadmkt حوالي (tumbuktu ومنعطف نهر النيجر بمالي…
وكلGhzaf وغيرها في منطقة Azawad, adrar d ifughas بمالي.
وكل هذه القبائل تشترك في نفس الثقافة، وفي نفس اللغة الأمازيغية «Tamacaqtالتي كانت تكتب خصوصا في الجنوب منذ أقدم العصور «Tifinaq/gh».
منطقة Agadiz هي أحد سبعة مناطق التي تكون دولة النيجر وهي تقع شمال البلاد ، تشمل المنطقة مساحة نحو 667 ألف كيلومتر مربع وتشكل بذلك أكبر مناطق النيجر. تتكونAgadiz من صحراء «Tiniri» وجبال «Ayir». تحدها من الشمال ولاية Tamanrrast الواقعة تحت نفوذ الجزائر، وتحدها من الشمال الشرقي الحدود الليبية، ومن الشرق تشاد، وتحدها من الغرب منطقة Kidal في مالي.
وتسمية الطرقي بالرجل الأزرق هي صفة مردها إلى أن اللثام الذي يضعه على وجهه يصبغ باستمرار باللون الأزرق. وتحظى المرأة في المجتمع الطرقي بمكانة خاصة ومميزة.
تينهنان: الملكة والأم الروحية للطوارق
الملكة تينهنان هي الأم الروحية للطوارق ، أو المرأة الكثيرة الترحال والسفر.. والتي تشكل بالنسبة لهم الأم الروحية أو أمهم الأولى التي استقرت بمنطقة أهكار وأسست سلالتها. ولازال ضريحها هناك، تاريخه يعود إلى حوالي القرن الرابع الميلادي، حسب الأدوات التي عثر عليها بجانب الهيكل كالمجوهرات والأواني الخاصة بالطقوس الجنائزية. وحسب بعض المصادر التاريخية فإنها تعرضت لمضايقات الأسرة الحاكمة آنذاك لتفر رفقة حاشيتها وتقطع الصحراء الكبرى لينتهي بها المطاف في تمنراست، حيث اختارت الإقامة بسبب توفر شروط الحياة بها.
الروايات تقول إن الملكة كانت فاتنة جدا وهي الأم الأولى للطوارق النبلاء، وقد هاجرت أختها “تكمات”، إلى منطقة آير بالنيجر، أين أنجبت أولاد “مدا”، وهي قبيلة معروفة بالمنطقة إلى يومنا هذا.
تين هينان (Tin Hinan) هي ملكة قبائل الطوارق، وقد حكمت في القرن الخامس الميلادي، وإليها يستندون في تنظيمهم الإجتماعي الذي يستمد السلطة ـ حتى الآن ـ من حكمة المرأة.
تين هينان ملكة متفردة، فالروايات التاريخية تثبت أنها كانت تدافع عن أرضها وشعبها ضد الغزاة. وقد عرف عنها أنها صاحبة حكمة ودهاء، نصبت ملكة بسبب إمكانياتها وقدراتها الخارقة للعادة. قدمت تين هينان ذات زمن من منطقة «تافيلالت» الواقعة بالجنوب الشرقي للمغرب الأقصى .
ويروى بأن تين هينان سيطرت سياسيا على منطقة مزدهرة وقتها وحكمت عددا كبيرا من القبائل تنحدر منها مختلف قبائل الطوارق الحالية في بلدان الصحراء الكبرى الإفريقية، والتي تتوزع حاليا بين الجزائر وليبيا وموريتانيا والنيجر ومالي وتشاد. كما تروى الروايات كثيرا عن شجاعتها وأوصافها الروحية ومشاعرها القلبية، وهي صفات جعلت سكان أهكار ينصبونها ملكة عليهم. ولعل على هذا الأساس نفهم سبب انتقال صفات النبل عن طريق النساء في المجتمع الطوارقي، حتى أن الأطفال في العائلات النبيلة ينسبون لأمهاتهم وليس لآبائهم كما هو الشأن في المجتمعات الأخرى.
الطوارق: بين الإستعمار الفرنسي والحكم العسكري النيجري
في أواخر القرن التاسع عشر، قامت فرنسا بغزو النيجر وفي عام 1904 أصبحت النيجر جزءا من إفريقيا الغربية الفرنسية، لكن قبائل الطوارق ظلت تقاوم الاحتلال الفرنسي حتى عام 1922 عندما حولت فرنسا البلاد إلى مستعمرة فرنسية.
وفي عام 1946 أصبحت النيجر واحدة من الأقاليم الفرنسية، فيما وراء البحار، ولها مجلسها التشريعي الخاص بها، ولها تمثيل نيابي في البرلمان الفرنسي.
في 23 يوليو 1956؛ اتخذت السلطات الفرنسية قرارا بإعادة النظر في هيكل مستعمرات ما وراء البحار الخاضعة للحكم الفرنسي؛ تبعه إعادة تنظيم البرلمان الفرنسي في أوائل 1957 ومن ثم إصدار قرار بشأن إلغاء التفرقة في الإدلاء بالأصوات داخل البرلمان ومنح ممثلي الأقاليم الخاضعة تحت الحكم الفرنسي حقوقا مساوية لأعضاء البرلمان فرنسي الجنسية ومن ثم المشاركة في تشريع القوانين سواء الفرنسية أو تلك المختصة بشؤون أقاليم ما وراء البحار، الأمر الذي ساعد العديد من الدول الواقعة تحت السيادة الفرنسية على التمتع بشئ من الحكم الذاتي والقدرة على تكوين نواة لحكومات وطنية تدير شؤون البلاد. وكان للنيجر حظ في ذلك؛ حيث تمتعت بالحكم الذاتي تحت الوصاية الفرنسية بعد قيام الجمهورية الخامسة بفرنسا في 4 دجنبر 1958 حتى نالت النيجر استقلالها التام في 3 غشت 1960.
منذ اليوم الأول للاستقلال وحتى أربعة عشر عام تلت ذلك؛ خضعت النيجر لحكم مدني أحادي الحزب تحت رئاسة هاماني ديوري والذي استمر في حكم البلاد حتى عام 1974، حافظ خلالها ديوري على علاقات وطيدة مع فرنسا والتمس مساعدتها على بداية إنتاج اليورانيوم عام 1971. حتى عصفت بالبلاد أزمة جفاف شديدة القسوة تزامنت مع العديد من الاتهامات والاعتقالات من جانب الحكومة تجاه أعضاء المعارضة وحملات مكثفة ضد من وصفتهم الحكومة بالفاسدين، الأمر الذي أدى إلى قيام انقلاب عسكري بقيادة رئيس الحكومة آذاك العقيد ساني كونتشيه، حيث تمت الإطاحة بنظام ديوري واعتلاء كونتشيه سدة الحكم. وظلت النيجر تحت طائلة الحكم العسكري حتى وفاة كونتشيه عام 1987 وقع خلالها على اتفاقية للتعاون المشترك مع فرنسا عام 1977، كما قام بخصخصة جزئية للشركات المملوكة للدولة وذلك نتيجة لوقوع جفاف آخر بالبلاد وزيادة مديونية الحكومة خاصة أسعار اليورانيوم عالميا.
وخلف كونتشيه في الحكم رئيس حكومته العقيد علي سايبو الذي تبنى نظام حكم معتدل أحادي الحزب في محاولة منه للسيطرة على الأمور السياسية . ومع بداية عام 1991 تم الترخيص لتأسيس الأحزاب والجمعيات الأهلية، الأمر الذي ساعد على إقامة مؤتمر للمصالحة الوطنية في يوليو 1991 تمهيدا لتبني العديد من التشريعات القانونية التي من شأنها إقامة حياة سياسية جديدة. كما أصدر المؤتمر برئاسة أندريه ساليفو قرارا بتجريد سايبو من سلطاته وتعيين حكومة انتقالية لإدارة شؤون البلاد حتى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية.
استمرت الحكومة الانتقالية في إدارة شؤون البلاد من نوفمبر 1991 وحتى انهيارها في أواخر عام 1992، وسط مشاكل اقتصادية، ما جعل الطوارق يطالبون بالاستقلال في شمال البلاد.
وفي عام 1994 تم توقيع اتفاق سلام مع طوارق الشمال، حيث تم منحهم حكما ذاتيا محدودا.
مانو داياك: الزعيم المغتال
ولد “مانو داياك” سنة 1949 في منطقة “Tafadak” بآير Ayir شرق الطوارق والواقعة تحت نفوذ نظام النيجر.
ومانو ينتمي إلى قبيلة “Ifughas”، بدأ دراسته بمدرسة فرنسية متنقلة خاصة بالرحل ب ” Azal”، ثم بالمدرسة الإبتدائية بمنطقة Tighzrin، ثم أنتقل إلى مدينة “Agdz-Agadiz” ليكمل دراسته الإعدادية فالثانوية في مدينة “نيامي”، قبل أن يتم تجنيده عسكريا من طرف النظام القائم.
وفي سنة 1969، سافر إلى الولايات المتحدة للدراسة العليا بنيويورك وحصل على شهادة الفن من جامعة أنديانا، ثم شهادة في اللغة الإنجليزية.
عام 1973 سافر إلى باريس ودرس في المعهد التطبيقي للدراسات العليا التقنية والانثروبولوجية الثقافية والإجتماعية للعالم الأمازيغي، كماحصل على دكتوراة فخرية في العلوم السياسية من جامعة السوربون.
مانو الأب لطفلين، بعد عودته إلى النيجر اشتغل دليلا سياحيا في الصحراء مع وكالة أسفار فرنسية ثم أنشأ وكالته الخاصة “تيمت أسفار”، تزعم رابطة المقاومة المسلحة وقاد انتفاضة الطوارق في تسعينيات القرن الماضي ضد الجيش النيجري.
كان سياسيا ومحاربا ورمزا من رموز الطوارق، واستطاع ونبوغه الثقافي والسياسي الإلتزام بالقضية الطوارقية، وبناء روح نضالية وكفاحية، من أجل تحرير أرض أزواد الطوارق، ليتحول إلى لاجئ سياسي في فرنسا، إلا أنه عاد لينشئ “جبهة تحرير تموست”، وهي حركة ثقافية اجتماعية تسعى لنشر الوعي بقضية الطوارق، وتعمل على توعية المجتمع الطوارقي، ثم أنشأ الجبهة الشعبية لتحرير الصحراء في يناير 1994. حيث كان أيضا مثقفا وكاتبا، وألف كتابين باللغة الفرنسية أحدهما بعنوان “الطوارق والمأساة“، والثاني بعنوان “ولدت وفي عيني الرمل“.
وفي 15 دجنبر 1995، أغتيل الزعيم ومن معه في انفجار طائرته من نوع (Cessna 337) وهو في طريقه لحضور اجتماع سلمي في عاصمة النيجر نيامي. ويرجح أن يكون الحادث مدبرا من النظام النيجري بتواطؤ مع فرنسا ونظام معمر القذافي.
بقلم: سعيد باجي