المسافة ضرورية بين أخلاق العناية وسياسة الرعاية
الآن وبعد إنقاذ حيوات المضربين عن الطعام تبدأ معركة التأهيل الطبي والنفسي، فالتداعيات ستكون أفظع إذا لم تراع شروط استرجاع ما ضاع ، وأول الشروط الاهتمام بالمعنويات وضمان الاستقرار والنقاهة ، ويبدو أن المطالب المحققة ، رغم جزئيتها ، تحتاج إلى تحصين بعقلانية ومسؤولية وجدية.
ولعل التمسك بالحق في الحياة وبكرامة أكبر مكتسب ، وفي انتظار استرداد الحرية ، هناك زمن لا مناص من استحضار تفاصيله كعمر افتراضي ، ويصعب تجاهله أو حرق لحظاته ومراحله ، اللهم باستثماره بالدراسة والتكوين من أجل اكتساب مزيد من المعارف والمهارات ، كل حسب مستوياته ، فلكل من المجتمع والأسرة الصغيرة والعائلةالكبرى انتظاراته ورهاناته ، ثقافيا وسياسيا واقتصاديا ، وللذاكرة وقعها وللوقائع آثارها ،الآنية والبنيوية والمستقبلية فبدون تقييم من أجل التقويم لن نستخلص لا دروس ولا عبر في العلاقة مع قانون ” لا تكرار في نفس الأمر ” والذي ينبغي تمثله جيدا ما دام الصمود موضوعيا أو ، إن شئنا ، سياسيا ، حيث أكدت التجربة أنه لا يعقل أن يكون فقط صمودا ذاتيا او إرادويا محضا .
ومن باب التذكير في سياق تحصيل الحاصل وجبت دعوة ” رعاة ” القضايا الإنسانية إلى تعليم المواطنين كيفية الدفاع عن مصالحهم وتحصين حقوقهم في الواقع ، عوض الاتكالية والتراخي والمظلومية ، وبدل النضال بالوكالة عنهم في العالم الافتراضي والتقارير والخطابات .
وكمجربين وجب اقتسام بعض ملامح التجربة وأعطابها ، فالتجميع لا يعني سوى توحيد الإمكانيات وتنسيق المجهودات لإعادة ترتيب الأولويات بشكل جماعي وتشاركي ، لأن الحياة الجماعية ، بفضل حسن تدبير الحق في الاختلاف بضمان التعددية ، تقوض كل نزعات تضخم المبادرات الفردية ، وإرادة تكريس التميز القسري للمقاربات الشخصية.
رغم الانخراط الإفتراضي في ” ذاكرة الإعتقال المشترك بسبب الحراك ، وفي ذلك انتصار حقيقي على القرينة القوية المغرضة التي تزعم تعسفا فشل عقيدة الولاء للفكر المشترك ولثقافة الانتماء السياسي والانضباط التنظيمي لفكرة التحرر والديموقراطية الجنينية .