منذ تشكيل الهيئة الوطنية المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والتي تميزت هذه المرة بالتنوع، ومؤطرة برسالة ملكية، رسمت خريطة الطريق للوصول إلى الهدف العام من الورش الوطني، وتم عقد جلسات الإستماع مع كل الفرقاء من المؤسسات العمومية، وأحزاب سياسية، وجمعيات نسائية، وحقوقية من مختلف المشارب والإنتماءات والتوجهات والإديولوجيات.
وتسلمت الهيئة العديد من المذكرات، ومشاريع مقترحات وملاحظات وتوجهات، ورافق ذلك نقاش مجتمعي كبير في الأوساط الإجتماعية والحقوقية والسياسية، من خلال ندوات وموائد مستديرة في مواضيع ذات الصلة بالمدونة الحالية، مع ابراز نقط قوتها وضعفها، ومقترحات المشروع المنتظر، إضافة إلى نقاش فيسبوكي كبير، إنخرط فيه عدد كبير من رواد هذه المنصات والمواقع، بتأثير من قيادات القوى المختلفة والمؤثرة في الشأن الوطني .
ومن خلال متابعة هذا النقاش العمومي، تبين أن هناك طرفين في النقاش، أحدهما حداثي ربما يملك الأغلبية اللازمة في التأثير في المشروع المقبل، مع وجود وزير العدل وما يحمله من مواقف تخدم الحداثة في مدونة الأسرة المنتظرة في الصيغة الجديدة، وربما تسانده الأغلبية الحكومية في الموضوع، والحركة النسائية التي انخرطت بشكل كبير ومعقلن، ومؤطر ومؤسساتي، في التعريف بارائها ومواقفها، وتبسيط أسباب الدعوة إلى بعض التغيرات في مشروع المدونة، والدليل عدد الأنشطة المنظمة من طرف جمعيات، وتنسيقيات وتحالفات واقطاب نسائية، وإعداد مذكرات وتقارير في محاسن وسلبيات المدونة.
وأخر محافظ، يتشكل من حزب سياسي، سبق له أن كان قائدا لحكومتين، وجمعيات بمرجعية دينية تحوم في فلكه، وحركة إسلامية رغم وجود اختلافات في الموافق قد تجمعهم وحدة الصف في قضية المدونة لمواجهة المد الحداثي بالمغرب .
والدليل خرجات رئيس الحزب السياسي بمرجعية دينية، ومحاولة التأثير على الرأي العام ، والبحث عن إصطدام مفتعل مع الحداثيين حول مناقشة تعديلات بالمدونة.
وفي إنتظار المشروع والذي سيحال على الملك، ثم إلى الغرفة الأولى والثانية، ثم إلى المجلس الحكومي للمصادقة عليه وإستصداره في الجريدة الرسمية، يحاول كل طرف فرض مواقفه وافكاره ، والبحث عن الداعمين والمساندين، والتأثير على الرأي العام من أجل تبني مواقفه واراءه.
وإن كان هؤلاء الاقطاب من المجتمع ، وعنه يدافعون ، كل في موقعه وحسب إيديولوجياته ، ومرجعيته ، إلا أن قلة الإنخراط في الفعل السياسي والمدني، واعتبار مثل هذه القضايا بالنسبة لعموم المجتمع، قضايا تهم الساسة والجمعيات والشخصيات العمومية، تفرض تكتيف الجهود من طرف الجميع لإيصال الفكرة والطرح المعتمد.
وأمام تراجع المد الإسلام السياسي مع هزيمة حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات البرلمانية والجماعية الأخيرة، وما يشكله من ضعف في التأثير السياسي داخل المؤسسات المنتخبة، مازال الفعل المدني الاسلامي ( حركة العدل والإحسان ، حركة التوحيد والإصلاح) يعرف انتعاشا وقوة، جسدها تعاطيها مع قضية غزة عبر مسيرات ووقفات احتجاجية ناجحة بعدد من المدن والمداشر.
وقد يكون هذا مؤشرا إلى إمكانية إعادة نفس سيناريو 2003 م بين قوى الحداثة والمحافظين الإسلاميين عبر مسيراتين وطنيتين في موضوع مدونة الأسرة .
وإن كان من اللازم، والواجب اليوم، أن يتم تجاوز المرجعية والايديولوجية الفكرية والدينية، والعمل على إنقاذ الأسرة من مخاطر تهددها، أهمها التفكك ، وغياب المساواة، وشبه العبودية، وهضم الحقوق، وإستمرار إنتاج الفقر والهشاشة .