نظم منتدى الحداثة والديمقراطية مؤخرا بمدينة طنجة ورشة تكوينية لفائدة أكثر من 40 شابا وشابة، حول موضوع”مدونة الأسرة، أية حصيلة بعد 15 سنة”.
استهلت أشغال الورشة بكلمة افتتاحية أكدت على أهمية تنظيم هذا اللقاء الذي يأتي لتقييم حصيلة تطبيق مدونة الأسرة بعد مرور 15 سنة على صدورها، باعتبارها واحدة من أهم الاصلاحات التشريعية التي عرفها مغرب الألفية الجديدة، والتي خرجت الى حيز الوجود بعد مخاض عسير، كما تم تسليط الضوء على أهداف هذا اللقاء .
استهلت أشغال الورشة الأولى بمداخلة المحامية نعيمة الكلاف والتي سلطت من خلالها الضوء على السياق التاريخي لصدور مدونة الأسرة كنتاج نضال طويل قادته الحركة النسائية المغربية، حيث وقفت المتدخلة على عدة محاولات سابقة لرفع طابع التقديس على نص مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، كانت أولاها خلال فترة التمانينات حيث أخفقت الحركة النسائية في تعديل مدونة الأحوال الشخصية، ثم تعديل 1993 والذي اعتبرته تعديلا تقنيا لم يطل الأسس والمفاهيم والفلسفة العامة التي قامت عليها المدونة السابقة والتي كانت تكرس المواطنة الناقصة للمرأة، ولا تعترف بشخصيتها القانونية، إلا ككائن تابع للرجل.
ثم توقفت المتدخلة على السياق التاريخي لصدور مدونة الأسرة والتي أتت بعد نقاش عمومي موسع وغير مسبوق عرفه المجتمع المغربي مند الاعلان عن خطة ادماج المرأة في التنمية والمسيرتين الكبيرتين التي نظمتا في كل من مدينة الرباط والدار البيضاء والتي عكست الجدل الموجود حول نطاق التعديل المرتقب للقانون المنظم للشأن الأسري.
وأكدت المتدخلة أن السياق الحالي يشجع بدوره على تعزيز مطلب التعديل الجذري لمدونة الأسرة، لأسباب عديدة منها صدور دستور 2011، والذي كرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي، والموقف المتقدم للمغرب في تعامله مع الاتفاقيات الدولية خاصة بعد رفع التحفظات على اتفاقية السيداو والمصادقة على بروتوكولها الاختياري، ناهيك عن التحولات المجتمعية المتنامية التي تشهدها البلاد والتي جعلت المرأة شريكا في التنمية الى جانب زميلها الرجل، مؤكدة أن أي قانون لا يمكن أن يتنكر للواقع، ولسنة التغيير.
وتواصلت أشغال الورشة بمداخلة الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب والباحث في قضايا الأسرة والطفولة والنوع الاجتماعي، والتي خصصها لموضوع الإشكاليات العملية لتطبيق مدونة الأسرة، واستهلها بالتأكيد على أن الانتقادات الموجهة الى مدونة الأسرة بعد سنوات من تطبيقها لا يمكن أن تحجب أهمية هذا الإصلاح التشريعي الذي يبقى ثورة في زحزحة بنيان العلاقات البطريركية المبنية على التراتبية والتي لم تكن تتمتع فيها المرأة بالشخصية القانونية المستقلة، مؤكدا على أن جزءا من الاختلالات التي عرفها النص في التطبيق مرده عدم الالتقائية في الاصلاحات التشريعية، وعدم مواكبة النص بآليات التنزيل، متوقفا عند عدد من العراقيل التي واجهت تجربة أقسام قضاء الأسرة، من قبيل ضعف الموارد البشرية والمادية، وغياب التخصص والتفرغ لعدد كبير من المشتغلين فيها، وهو ما أثر سلبا على نجاح الصلح في النزاعات الأسرية، فضلا عن الصعوبات التي تواجه المتقاضين في ولوج العدالة.
من جهة أخرى تناول المتدخل الاشكاليات العملية التي تثيرها بعض القضايا في مدونة الأسرة من قبيل النزاعات المتعلقة بالنسب، والطلاق والتطليق، وتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، وقضايا مغاربة المهجر، وتزويج القاصرات، ودعاوى ثبوت الزوجية، وأشار إلى أهمية الاستمرار في تطوير الاجتهاد الذي أنتج مدونة الأسرة، للتصدي للاشكاليات التي أفرزها التطبيق، مؤكدا على أن حلولا كان يقدمها الاجتهاد القضائي في إطار مدونة الأحوال الشخصية وكانت مرفوضة باسم النظام العام، أصبحت مقبولة في اطار مدونة الأسرة نتيجة تطوير الاجتهاد ومبدأ المرونة، من قبيل الاعتراف بعقود الزواج التي يبرمها مغاربة المهجر أمام ضباط الحالة المدنية، والاعتراف بالطلاق والتطليق الذي يتم أمام سلطات قضائية أجنبية رغم تخلف شرط الاسلام، والاعتراف بنسب الأطفال المزدادين خلال فترة الخطوبة، وهي أدلة تؤكد على خاصية التغيير التي لا يمكن أن تستثني القانون المنظم لمدونة الأسرة.
أشغال الورشة عرفت نقاشا مستفيضا بين الشباب تمحور أساسا حول سؤال مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي، نطاقه وحدوده، واختلاف الاجتهاد القضائي بين محاكم الموضوع التي تصدر أحيانا اجتهادات مبدئية لحماية حقوق الأطفال أو النساء، والتي سرعان ما يتم الغاؤها من طرف محكمة النقض التي تتشبث بحرفية النصوص، واشكالية تفاوت السلطة التقديرية للمحاكم، ومدى تأثير قناعة القضاة وتكوينهم على صياغة الأحكام القضائية، ونطاق وحدود الاجتهاد القضائي، واشكالية الاعراف والتقاليد التي تحد من امكانية تنزيل الاصلاحات التشريعية، ومدى جدوى اعمال المقاربة الزجرية في مدونة الأسرة، وسؤال المرجعيات في الاصلاح المرتقب.