قضية “إبا إيجو” والفراغ السياسي

بقلم: أحمد الدغرني

في المغرب بدأ أشخاص من الطبقة الشعبية البسيطة بخلق الأحداث، كما كان يخلقها أناس بسطاء من الفقراء مثل علال بنعبدالله الذي كان صباغا  شعبيا بالرباط قدم من نواحي كرسيف، وحمان الفطواكي الذي كان عيساويا يعيش من ألعاب فرقة عيساوة في المدينة القديمة بالدار البيضاء، قدم من قبائل اينفضوك Infedwak، والزرقطوني الذي مارس عدة مهن يدوية قدم من قبيلة ايت زرقطن Ayt Zerqten، ولقد ظهر في سنة 2013 رجل يسمى دانييل كالفان بمدينة القنيطرة ونواحيها، لم يكن أحد من المغاربة ولا الأجانب يعرفونه، فحرك القصر الملكي المغربي  ومملكة اسبانيا، وحرك الشعب المغربي حتى كاد أن يزعزع النظام بكامله، وفي أوائل سنة 2014 ظهرت امرأة من جنوب المغرب بتزنيت ونواحيها تسمى ايبا ايجو، وخلق الشخصان ضجة إعلامية، ومظاهرات واحتجاجات مفاجئة للحكم المخزني والأحزاب السياسية والنقابات وكل من يظن أنه يسيطر على عقول المغاربة وعواطفهم، وثرواتهم، وبادر “شخص غير منظم” حسب تصريح نبيل بنعبد الله في البرلمان إلى ضرب وجه رئيس حزب التقدم والاشتراكية بحجرة، بمدينة أسا كادت تفقده إحدى عينيه، وشاهد المتفرجون على شرائط الفيديو انتفاضة جمهور من سكان العيون بقصر المؤتمرات على القائمين بمراسيم تنصيب الوالي الجديد على ولاية العيون، كما شاهدوا محاصرة  المعطلين عن العمل لسيارة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ومن أمثلة هذه الأحداث نخصص هذا المقال لدراسة دور المغمورين المجهولين في خلق الأحداث وتحريك الجماهير، وتوقع مستقبل البلد، وفهم الدور الذي يمكن أن يقوم به “غير المنظمين”في تغيير نظام الحكم القائم على أوهام السيطرة وضبط الشعب والتحكم في رقابه بالقوة، وبسماسرة السياسة الذين يرفض الشعب تنظيماتهم المصطنعة، ولابد من الناحية المنهجية من التذكير بدور محمد البوعزيزي في ثورة تونس، ليصير الموضوع يتعلق بشئ هام وخطير وهو آلية تحريك الشعب الصامت الخاضع للخوف والانضباط للفساد المالي والإداري، والاحتكار الحزبي، وكان من الأمور العادية في السياسة المغربية، أن تكون آليات تحريك الشعب وتعبئته هي نداءات القصر الملكي والأحزاب السياسية والنقابات المهنية، غير أن العادة السياسية أصبحت هشة منذ 20 فبراير 2011، وتحولت آلية تحريك الجماهير الى أيادي أخرى تظهر بين الفينة والأخرى، من الفئآت الشعبية البسيطة وخاصة فئة الشباب والنساء، والمهم من دراسة هذه الظاهرة هو أن نقارن بين  نداءات زعماء الأحزاب السياسية والنقابية والحكومة والقصر الملكي ونداءات الشعب غير المنظم، فبالنسبة لقضية دانيال كالفان كان المحرك هو ضحايا اغتصاب الأطفال والعفو الملكي على مرتكب الجرائم، وهم لحد الساعة مجهولون لم تنشر أسماؤهم، ولكنهم أنجزوا حدثا تاريخيا خالدا، وقضية نبيل بنعبدالله التي يمكن إدراجها تحت عنوان “تدهور علاقة الأحزاب بالجماهير”، لم يعرف حتى اليوم صاحبها ولكنها مؤثرة جدا على مستقبل اتصال من يسمون برؤساء الأحزاب السياسية بالمواطنين، ومجموعة طرد المشرفين على تنصيب والي العيون لم يعرف اسم أي واحد منهم بالنسبة لعموم الشعب المغربي، ولكنها سجلت أول مواجهة شعبية لبروتوكولات تنصيب العمال والولاة والوزراء، وفرقة المعطلين التي حاصرت سيارة رئيس الحكومة (بنكران) لم تعرف أسماؤها ولكنها غيرت مجرى برتوكولات أنشطة الرئيس وفرضت تشديد حراسته الأمنية على نفسه ومحل سكناه، ونصل بالتدريج إلى آخر قضية تحمل عنوان “محاربة مافيا العقار”، وفجرتها  إباايجو وهي مناسبة هذا المقال، وكلمة “ابا” Ibba تستعمل في أمازيغية نواحي تيزنيت عند عامة الناس للتعبير عن احترام المرأة، وجلالة قدرها، وتقابلها كلمة “دا” DDA بالنسبة للتعبير عن احترام الرجل ورفعة قدره، والأمور المثيرة للتعبئة الجماهيرية  الغاضبةكما وصفناها، تصنف كلها ضمن قضايا الفساد الإداري والمالي، مثل اغتصاب الأملاك العقارية، واغتصاب الأطفال، والبطالة، والفساد الحزبي، وهنا يثار مشكل التعبئة الشعبية، الذي يدل على سلبية  نتائج صناعة الأحزاب السياسية والنقابات المغربية بقوانين جائرة تفرض العتبة Le seuil في نتائج الانتخابات، وبمزاج المتحكمين في دواليب القرار السياسي، ومنع الأحزاب التي يمكن أن تعبر عن هموم الجماهير، ويقابل ظهور المغمورين في التعبئة السياسية الغاضبة سيطرة ولاة وزارة الداخلية على الأحزاب والحكومة (الشيخ بيدالله، وكبيري، والهمة، البكوري، وحصاد، والضريس...) اشتهر مع قضية ايجو بكاس Ijjou Bakkas أخو زوجها الملقب بو تزكيت Boutzguit، وهو مثلها شخصية بدوية مجهولة يمكن اعتباره من نخب البادية التي ليس لها ثقافة ولا نفوذ، ومن عائلة تحمل لقب ألوزاني هاجرت إلى سوس قادمة من نواحي وزان أغلبهم تخلى عن اسم ألوزاني، وهو من النوع الذي يمكن تسخيره من طرف النخب الحاكمة التي تنطلق من المراكز الحضرية الكبرى مثل مدينة أكادير والرباط والدار البيضاء وغيرها، لفتح أبواب سيطرة النخب المخزنية على ثروات البا دية، وتجري أحداث قضية ابا ايجو بمنطقة قبائل لخصاص (تكتب في بعض الوثائق القديمة لغساس نسبة الى قبيلة غساسة Ghisasa بالريف Ighisasen)، وهي منطقة تشتهر بانتاج أنواع الرخام Marbre، ومقالع الأحجار الصالحة للبناء والتجهيز التي تستغلها طبقة بورجوازية متوحشة تجهز بها قصور المدن، ووصلت إلى الشرق الأوسط مثل السعودية وإسرائيل ومختلف دول الخليج، ويحتمل أن تكون منطقة معدنية، وهذه هي أسباب التهافت على أراضيها من طرف مافيا العقار…واشتهرت ابا ايجو بمدينة تيزنيت التي ينسب اسمها إلى إمرأة مشهورة، تتوفر على ضريح ومزار مقدس قرب العين الزرقاء وسط سور المدينة تسمى للا تيزنيت Lalla Tiznit، ويمكن أن يكون اسمها  يدل على انتمائها إلى قبائل زناتة، وهي امرأة بنيت حوالي ضريحها مدينة  تحمل اسمها خالدا لم يستطع الذين يشوهون التاريخ أن يزيلوه، رغم أن قصة هذه المرأة حسب الرواية الشفوية هي أنهاسكنت قرب العين La source، مع عشيقها، ورفضت طقوس الزواج وبنت علاقتها مع الرجل على الحب دون زواج حتى توفيت، ولا يعرف التاريخ الذي عاشت فيه ويمكن تحديده من طرف الباحثين إذا سلكوا من أجل ذلك طرق البحث العلمي الحديث داخل ضريحها.

وأخيرا فإن بطولات الشعب التي تظهر أقوى من بطولات المال والأحزاب والمخزن، يمكن أن تقرر مصير الشعب غير المنظم.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *