كثيرا ما نحمل صور نمطية عن أناس نجهل معدنهم، ونحكم عليهم من خلال تمثلات المخيال الجماعي، وصور الترويج السينمائي الغربي، السلبي أحيانا، لفئة من المجتمع.
الصورة الهوليودية المسوقة في الأفلام حول أصحاب الدراجات النارية، لمجموعة شبه عسكرية بأجساد ضخمة وأوشام تعبيرية عن ماوراء الحياة، خارجين عن القانون، يجتمعون حول الحانات مستعدون لإصطناع الشجار والمعارك ويتحالفون ضد من سقط في فخ مناوشاتهم. أسياد الطرقات مختبؤون داخل خودة الرأس ونظارات سوداء ولباس جلدي داكن مخيف ‘كالباطمان’، يمرون بضجيج مزعج كالبرق من كل الاتجاهات على الطرق السيارة، متباهين بالمحركات الضخمة.
أحيانا يصعب تصحيح الصورة حين تعشش في مخيلنا، وتؤكدها تصرفات بعض الشباب المتهور في سياقة الدراجات. ولا يكاد يمحيها سوى المخالطة، التعايش عن قرب مع الآخر، والمعاملة القريبة مع هذه المجموعة.
الحديث عن تجربة مع دراجين مغاربة من نوع آخر، مجموعة صامتة ينتمون لجمعية دراجو المغرب، مالكي الدراجات النارية الكبرى، يجولون عدة مناطق بالمغرب العميق بدون ضجيج لتشجيع السياحة الداخلية، ويساهمون في الأعمال الخيرية والإجتماعية دعما منهم للتنمية القروية. على سبيل المثال يوزعون قفف رمضان على المحتاجين، يساهمون في التحسيس عن السلامة الطرقية بالمؤسسات التعليمية، ويتبرعون بالدم في حملات عن نقصان خزان المستشفيات.
الدراج مغامر مسالم، عاشق للحرية، محب للسفر والإستكشاف، أبتلي بهواية ركوب الدراجة النارية الضخمة، وجعل منها وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة.
لذا في داخل كل واحد منا دراج. عاشق للحرية، محب للمغامرة، فاعل خير. للأسف تظل هذه الرغبة دفينة عند غالبتنا، لعدة أسباب منها قلة الإمكانيات وضعف اللإرادة. وإستطاع مالكي الدراجات النارية الكبرى تفجيرها بعشق وهدوء ونظام.
في عطلة ذكرى المولد النبوي، نظمت جمعية دراجو المغرب، بتنسيق مع جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله بإقليم تارودانت، زيارة سياحية تضامنية لتوزيع اللوازم المدرسية على أزيد من 550 تلميذة وتلميذ بكل من السلك الإبتدائي والإعدادي، إضافة للتعليم الأصيل بأعالي جبال الأطلس الصغير، بمنطقة أيت عبد الله، لمحاربة الهدر المدرسي بالعالم القروي، وخاصة دعم تمدرس الفتاة. كما ساهمت بأواني مطبخية حديثة، منها عجانة بسعة أزيد من 20 كلغ، لتجويد صناعة الخبز، المادة الأساسية في التغذية، بالمؤسسة الإيوائية للمدرسة العتيقة حيث يدرس أزيد من 120 طالب مقيم.
الهدف من التجربة هو تبديد الصورة النمطية حول الدراج، وتشجيع التمدرس بالمغرب العميق، والسياحة الجبلية والتعرف عن قرب عن الساكنة النائية. لتجمع كل هذه الأهداف، وتختار السفر بعيدا عن الأهل خلال مناسبة ذكرى المولد النبوي، يجب أن تكون دراجا منتمي لجمعية دراجو المغرب. أناس تجمعهم روح التضحية والمغامرة وحب الإستكشاف، وتفرقهم الإنتماءات الإجتماعية، والمهن ودروب الحياة. إختاروا السفر لأكثر من 1600 كلم ذهابا وإيابا لتقديم يد المساعدة، والتخفيف من معانات الساكنة الجبلية مع الظروف المعيشية الصعبة. سافروا حاملين الأمل للنفوس البعيدة، مؤمنين أن التغيير للأفضل يمر عبر التعليم، والترقي الإجتماعي للأسر الهشة يبدأ بالمدرسة، والتنمية القروية محورها تكوين قدرات الأشخاص، والتربية على القيم بإعطاء المثل الأعلى.
لا يسعنا إلا أن نحيي دراجو المغرب عن وطنيتهم، وتضحياتهم وعن نبل قيمهم وأخلاقهم العالية. قدمتم درسا للحاضر والغائب حول الوطنية والتضامن والتآزر، بإختصار درسا عن معنى تمغربيت.
للتغيير ضريبة الصبر ولجني الثمار قوة إنتظار موسمها، والتضحية مغامرة والعمل الجمعوي شجاعة وممارسة ميدانية، وليس أصوات إفتراضية وراء الهواتف الذكية، أو أفكار نمطية متجاوزة.
صدق أبو القاسم الشابي حين قال: “من لم يحب صعود الجبال ### يعش أبد الدهر بين الحفر.”