عندما يريد المتطرفون وغيرهم من دعاة الشرقنة هدم أسس الدولة يبدأون بالهجوم على الخصائص الثقافية لهذه الدولة، لأنها (أي الثقافة بمفهومها الشامل) من الاسس الهامة لأي مجتمع، وهدمها يزيل عنه هذه الخصوصية ويجعله بلا هوية ولا خصوصية، ومن تم يسهل ملء الفراغ الثقافي بثقافة هجينة يلبسونها لباسا دينيا ممكيجا (من الماكياج)؛ بعد هذه الخطوة يسهل إذ ذاك الإنقضاض على السلطة بدعوى إقامة دولة دينية أي خلافة إسلامية التي تعيش بعض الدول الاسلامية كوارثها اليوم.
في المغرب حاول القوميون المغاربة -سابقا- تدمير الهوية المغربية تمهيدا لإقامة نموذجهم السياسي القومي، وجردوا أجدادهم الأمازيغ من أي حضارة او ثقافة، فوصفوهم بأنهم ” بربر كانوا يسكنون الكهوف ويلبسون جلد الماعز…” إلى أن جاءتهم الشعوب الأخرى بالحضارة، لذلك نسبوا كل تراث معماري وكل مظهر من مظاهر الحضارة في المغرب إلى هذه الشعوب الغازية ليصبح المغرب أو شمال افريقيا أرضا لأقوام متوحشين تحضروا بفضل الغزاة، وهو نفس الطرح لدى غلاة الاستعماريين الفرنسيين الذين قرروا احتلال البلدان الإفريقية باسم تحضير شعوبها وتمدينهم، وهنا يلتقي دعاة القومية العربية في المغرب مع دعاة الاستعمار الفرنسي.
لكن المشروع القومي في المغرب أفشلته الحركة الثقافية الأمازيغية، كما افشلت مشروع الاسلاميين الذين اقتبسوا نفس تجربة القوميين المغاربة. فهدف المشروع القومي هو انشاء دولة قومية قطرية تحت نظام قومي سياسي طوباوي سموه الوطن العربي، وهدف الاسلاميين بمختلف تلاوينهم هو إقامة نظام سياسي اسلامي تحت ظل خليفة ما ( وهنا الاختلاف السياسي بين الاسلاميين حول شكل الخط السياسي للخليفة)؛ لذلك يبدأ التخطيط للوصول إلى الحكم بما يسميه الاسلاميون بالتربية أي “اصلاح” المجتمع وفق تصورهم الايديولوجي بالبدء بتحويل فكر وثقافة المجتمع إلى فكرهم الايديولوجي.
نفس النهج بدأه الكثير من الاسلاميين في المغرب بتوجيه سهامهم لكل مظهر ثقافي مغربي (خصوصا السلفيون والوهابيون منهم)، فحرموا المواسم ومشاركة النساء في الأفراح (أحواش النساء، أحايدوس…), وبدعوا (من البدعة) القراءة الجماعية للقرءان، والحفلات، والتصوف المغربي… وحرموا الاحتفالات الثقافية كبيلماون، وتلغنجا، وئمعشارن بدعوى أنها مظاهر وثنية… لكن أغلب محاولاتهم انكسرت أمام الثقافة المغربية الأصيلة التي اعتمدت عليها الحركة الثقافية الامازيغية في إرجاع المغاربة إلى هويتهم وثقافتهم وتميزهم الحضاري.. لذلك تراهم يكنون العداء الشديد للحركة الثقافية الأمازيغية لأنها السد المنيع الذي يقف أمام مخططاتهم الايديولوجية والسياسية وأفشلها.
لذلك ففي كل مناسبة ثقافية وحضارية يعيدون الكرة فيطلون علينا شاهرين سيوف التحريم، يحرمون علينا فرحتنا ومظاهرنا الثقافية، والهدف من وراء ذلك هو تجريد المغاربة من خصوصيتهم الثقافية باسم الدين ليصلوا إلى هدفهم السياسي وهو الوصول إلى السلطة وهدم الشرعية السياسية والدينية التاريخية للدولة المغربية التي حافظ عليها المغاربة في ظل الاسلام وقبله.
لكنهم لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا، ما دام ابناء هذا الوطن متشبثين بهويتهم ويثقافتهم المتميزة بصلبها الأمازيغي.