محمد بوداري
صادق مجلس النواب، في جلسة عمومية مساء الاثنين 10 يونيو الجاري، بالإجماع، على مشروع القانون التنظيمي رقم 26-16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك بعد حوالي ثلاث سنوات على إحالته على لجنة التعليم بمجلس النواب، أكتوبر 2016.
وأثار هذا الحدث، من جديد، ردود فعل قوية من طرف نشطاء الحركة الامازيغية وعموم الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الانسان بالمغرب، وذلك بسبب ما جاء فيه من مقتضيات تعاكس مطالب الحركة الامازيغية، وعدم أخذها بعين الإعتبار لاقتراحات وتعديلات الفعاليات والجمعيات الامازيغية.
مشروع القانون، وإن كان قد اعتبر مكسبا مهما بالنسبة للبعض، بالنظر إلى ما يمثله من أهمية في مجال تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية، وتحصين هذه الأخيرة قانونيا، إلا أن العديد من مناضلي الحركة الامازيغية اعتبروا أن المشروع لا يرقى إلى مستوى انتظارات هذه الحركة التي ناضلت منذ سنين من أجل دسترة الامازيغية، المهددة بالاندثار في ارضها، بشكل يضمن لها وضعا يليق بقيمتها وتاريخها .
وضمن الانتقادات التي وجهت لمشروع القانون هذا، إلتفافه على مفهوم “اللغة الامازيغية” التي اعتبرها “مختلف التعبيرات اللسنية الامازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة”، وذلك في ضرب للفصل الخامس من الدستور الذي يتحدث عن ترسيم اللغة الامازيغية وليس تعبيراتها أو تلاوينها، كما ان الأمر يتعلق بتراجع على ما تحقق في مجال توحيد ومعيرة اللغة الامازيغية، وضرب لما تراكم من مكتسبات في هذا المجال.
وتميزت مقتضيات المشروع بكثير من الغموض واللبس، والتخبط حتى، حيث تحدث مثلا في مجال الإعلام على أن الدولة تعتمد “مبدأ التكافؤ والتوازن بين اللغات والتعبيرات المغربية”! ضمن معايير توزيع الدعم العمومي، وهو ما يطرح سؤال: ماذا يقصد المشروع باللغات، إذا كانت غير العربية والامازيغية؟ ولماذا الحديث عن التعبيرات المغربية، ما دامت التعابير الامازيغية المختلفة هي نفسها اللغة الامازيغية كما يحددها المشروع؟
ومن بين الإنتقادات الموجهة للمشروع: آجال هذا التفعيل، حيث ينص المشروع على آجال تتراوح بين 5 و10 و15 سنة، لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في قطاعات مختلفة. وكذا سلم الاسبقيات و آليات تتبع مراحل التفعيل… ويتحدث المشروع مثلا عن “إمكانية إحداث مسالك تكوينية ووحدات للبحث المتخصص بمؤسسات التعليم العالي” وحدد لها 10 سنوات، في وقت يتسم إحداث هذه الوحدات بطابع الاستعجال، وذلك لما لها من اهمية في تكوين المكونين والمختصين الذين سيواكبون تدريس الامازيغية في المستويات الابتدائية والاعدادية والثانوية …
فبعد تماطل امتد لأكثر من 7 سنوات، ها هو المشروع يزيد في تمطيط زمن التفعيل لاكثر من 15 سنة أخرى، وهو ما اعتبره مناضلو الحركة محاولة أخرى للتسويف وربح الوقت في افق إفشال تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية والتشكيك في إمكانياتها وقدراتها على تدارك ما لحقها من تهميش ونسيان على مدى قرون.
وفي هذا الإطار، حدد مشروع القانون التنظيمي أجل 5 سنوات على الأكثر للشروع في تدريس الأمازيغية تدريجيا في التعليم الأساسي، وفي برامج محو الأمية والتربية غير النظامية، واستعمالها في جلسات البرلمان، ولجنه، ونقلها مباشرة مترجمة فوريا في القنوات والإذاعات الأمازيغية، وكذا إدماجها في مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة، وإدماجها في مناهج التكوين الثقافي والفني بمؤسسات التكوين. وداخل الأجل نفسه، سيتم توفير بنيات الاستقبال والإرشاد ومراكز الاتصال بالأمازيغية، واستعمالها في اللوحات وعلامات التشوير.
ومنح المشروع أجل 10 سنوات على الأكثر، من أجل التعميم التدريجي للأمازيغية في مستويات التعليم الثانوي التأهيلي، وإمكانية إحداث مسالك تكوينية ووحدات للبحث المتخصص بمؤسسات التعليم العالي، وإصدار نسخة من الجريدة الرسمية للبرلمان بالأمازيغية. وكتابة بيانات الوثائق الرسمية ومختلف الشواهد والأوراق النقدية والطوابع البريدية، وأختام الإدارات باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، وكذا إدراج الأمازيغية في المواقع الإلكترونية الإخبارية للإدارات، فضلا عن إدراجها في مجال التقاضي.
وهناك أجل 15 سنة لتفعيل بعض الإجراءات الأخرى، وهي نشر النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصبغة العامة في الجريدة الرسمية، ونشر القرارات التنظيمية ومقررات ومداولات الجماعات الترابية، في الجريدة الرسمية لهذه الجماعات باللغة الأمازيغية. وتوفير المطبوعات الرسمية والاستمارات الموجهة للعموم ووثائق وشهادات ضباط الحالة المدنية، ووثائق وشهادات السفارات والقنصليات المغربية باللغتين العربية والأمازيغية.
وبخصوص آليات تتبع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، نص المشروع على إحداث لجنة وزارية دائمة لدى رئيس الحكومة يعهد إليها بمهام تتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. وبخصوص القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والهيئات الدستورية، فإنها ستكون ملزمة بوضع مخططات عمل من قبل القطاعات الوزارية والجماعات الترابية، تتضمن كيفيات ومراحل إدماج الأمازيغية تدريجيا في ميادين تخصصها داخل أجل 6 أشهر من دخول القانون حيز التنفيذ.
وتم قبول بعض التعديلات المحدودة على النص الأصلي، ومن أبرز هذه التعديلات التنصيص على استعمال حرف تيفيناغ، الذي كان مثار نقاش وعارضه حزب العدالة والتنمية وكان يراهن على إعادة النقاش حول “حرف الكتابة”، وهو ما رفضه مناضلو الحركة الامازيغية، إذ ان قضية حرف الكتابة تم حسمها باعتماد تيفيناغ، وتم إقراره منذ سنة 2003 بقرار ملكي بعد مشاورات خصت في المرحلة الأولى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفي المرحلة الثانية الوزير الأول ورئيس مجلس النواب والمستشارين والأمناء العامين للأحزاب السياسية.
ومن بين التعديلات المقبولة أيضا، التنصيص في موضوع التقاضي أمام المحاكم على أن تكفل الدولة للمتقاضين والشهود الناطقين بالأمازيغية، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية والتواصل بها خلال إجراءات البحث التمهيدي، وإجراءات الاستنطاق لدى النيابة العامة، وإجراءات التحقيق، وإجراءات جلسات المحاكم والبحث التكميلي، وكذا إجراءات التبليغ والتنفيذ. وأن تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة إلى المتقاضين. ويحق للمتقاضين، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية. وتعمل الدولة على إدماج الأمازيغية في مجال التكوين الأساسي والمستمر للقضاة وموظفي المحاكم المعنيين لاستعمال اللغة الأمازيغية.
وفي مجال التعليم، تم التنصيص على أن تعمل السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والتعليم العالي بتنسيق مع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على اتخاذ التدابير الكفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص، وإلزامية تدريس اللغة الأمازيغية، وتعميم تدريسها في كل التراب الوطني وعلى جميع أسلاك التعليم بكيفية تدريجية، وتسعى الدولة إلى “ضمان حق تعلم المغاربة المقيمين بالخارج للغة الأمازيغية”، وفق البرامج الوطنية المخصصة لهم.
وفيما يخص الإدارة، تم التنصيص على أن تعتمد اللغة الأمازيغية في معاهد تكوين الموارد البشرية لفائدة الإدارات العمومية. وفي البرلمان، تم التنصيص على أن تعتمد اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية كلغة للاستعمال، في إطار أشغال الجلسات العمومية واللجان البرلمانية بمجلسيه ومكتبيهما، ويتعين توفير الترجمة الفورية لهذه الأشغال من اللغة الأمازيغية وإليها. وتنقل جلسات البرلمان وجوبا بمجلسيه مباشرة على القنوات التلفزيونية والإذاعات العمومية الأمازيغية، مصحوبة بترجمة فورية لأشغالها إلى اللغة الأمازيغية. كما تضمن باقي القنوات العمومية الناقلة لجلسات البرلمان الترجمة الفورية للتدخلات باللغة الأمازيغية إلى اللغة العربية.
وفي مجال الإعلام تم التنصيص على أن تعمل الدولة على إدماج وحماية وتنمية اللغة والثقافة الأمازيغيتين في مختلف وسائل الإعلام العمومية، وتلتزم الدولة بتأهيل القنوات التلفزيونية والإذاعية الأمازيغية العمومية لتأمين خدمة بث متواصلة ومتنوعة، تغطي كافة التراب الوطني، مع تيسير استقبال هذه القنوات خارج المغرب.
كما تعمل الدولة “وجوبا”، حسب ذات المشروع، على الرفع من حصة البرامج والإنتاجات والفقرات باللغة الأمازيغية في القنوات التلفزيونية والإذاعية العامة أو الموضوعاتية في القطاعين العام والخاص، بما يتناسب ووضعها كلغة رسمية. وتعتمد الدولة مبدأ التكافؤ والتوازن بين اللغات والتعبيرات المغربية ضمن معايير توزيع هذا الدعم العمومي. وتعمل على إعداد وتكوين وتأهيل الموارد البشرية العاملة في قطاع الإعلام باللغة الأمازيغية. كما “تحرص الدولة على دعم وتحفيز الإنتاج بالأمازيغية في مجال الإعلام والصحافة”.