أصدرت منظمة تاماينوت فرع أيت ملول في إطار سلسلة شعر ضمن مشروع تالا للبحث والإبداع الأدبي الأمازيغي عملا شعريا جديدا للشاعر الأمازيغي إبراهيم أكيل، تجربة شعرية تسافر في عوالم المتخيل والميثاث الأمازيغية، نص واحد اختار كتابة سيرة شعرية لحمو أونامير وهو يهبط إلى العالم المعاصر ويسير في البلاد الأمازيغية ويذرع الشوارع ومسالك القرى العزلاء في بلاد الأطلس، يقوده ” الأمارك ” بكل كثافته الدلالية ويتذكر أنداده العائدين إلى الأرض وأشباهه المرتابين والممسوسين بلوثة الترحال والمنجذبين إلى غوايات العوالم السفلى، عمل يجمع بين الأتوبيوغرافي والرسالة والكتابة الرحلية لسرد تفاصيل العودة إلى الزمن الأرضي، موجها بالرغبة في استعادة طفولته الأولى، يتأمل أونامير التراجيديا البشرية وهشاشة الكائن وتمزقه في العالم ومكابداته من أجل المعنى، ساخرا من كل أشكال الجد الزائدة عن الحد، وفي معابره يكاد يشبه الشعراء الجوالين في حلهم وترحالهم من بلاد إلى بلاد، تفيض تأملاته بسخاء نادر، يسم شخصية أونامير التي تسكن جل النصوص والسجلات الأدبية الأمازيغية.
في هذا الحوار نحاول أن نقترب مع الشاعر إبراهيم أكيل من تجربته الشعرية الجديدة وسياقاتها
وأسئلتها .
– ككل شاعر يحمل في تاريخه الشخصي حكايته الخاصة مع كتابة الشعر وإبداعه، حدثنا عن علاقاتك بالكتابة؟ وما طبيعة الوشائج التي جعلتك تقتحم عوالم الكتابة الشعرية باللغة الأمازيغية؟
ارتبطت علاقاتي بالشعر الأمازيغي منذ الطفولة، من خلال الاستماع لأغاني الروايس والأهازيج الأمازيغية في الإذاعة الجهوية والوطنية، كان المذياع الوسيلة الوحيدة المتاحة في غياب الدواوين الشعرية الأمازيغية وقلتها ومحدودية انتشار ما نشر منها، لم نكن نعرف في تلك الفترة أن هناك كتبا تنشر باللغة الأمازيغية، كان المذياع الوسيلة الوحيدة لسبر أغوار المتن الشعري الأمازيغي والاستمتاع به، كنا نقضي الليالي لقراءة القصائد المغناة من قبل الروايس بعد نسخها، ما مكنني من حفظها عن ظهر قلب، ألفنا هذه الطريقة.
كان للمجال الذي عشت فيه، أثر كبير في صقل تجربتي الشعرية، منطقة المزار معروفة تاريخيا برصيد فني أتاح لنا فرصة التأثر به، عرفت المنطقة بتاريخها الموسيقي الزاخر من لهضرت ن تمغارين والروايس ن أوسارك وإعيساوين، هذه التعبيرات الفنية، كانت موسمية، وكنا ننتظر بشغف كبير الحضور فيها، عرفت المنطقة في مجال إكسمين بالموسيقى، أيت المزار هم أيت أومارك، أرض النعناع والشعر، عوامل متعددة زرعت شوكة الإبداع وحقنتني بالشعر، في الثانوية منتصف الثمانينات درست على يد أساتذة في ثانوية حمان الفطواكي بإنزكان، كانوا أيضا شعراء، أتذكر الأستاذ عبد الله الحاوفي وأتذكر حصصه التي كانت حصصا متميزة إذ يقرأ علينا الشعر الحديث، أتذكر حصص الفرنسية والشعر الفرنسي والأعمال السينيمائية الخالدة عند الأستاذ مبارك المغفور، كان جيلنا محضوضا بتلك القامات.
كان أيضا لتجربة المرحلة الجامعية من خلال الممارسة النضالية في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فضل كبير علي، ساهمت في تراكم الوعي وتوسيع مجال الإبداع والانفتاح على الأدب العالمي،كان مجال التخصص الأدبي حافز للاطلاع على الأدب الكوني، كنا ننتقي المقروء، بسبب الأفكار التي كنا نؤمن بها كطلبة قاعديين، اطلعنا على زريقة وعبد الله راجع وسعيدة المنبهي ودرويش ومظفر النواب وناظم حكمت وأحمد فؤاد نجم…
– نشرت ديوانك الشعري الأول “تيلمي واضو ” في بداية العقد الأول من الألفية الجديدة، اشتغلت فيه على الميثاث والرمزيات الخاصة في الثقافة الأمازيغية، بعد عقدين من الزمن، كيف تتمثل تلك التجربة الآن؟
تعتبر التجربة الأولى فرصة الانطلاق في مجال شاسع،يستوجب الإتيان بما هو أجود، ويتطلب أن يكون المنتوج الإبداعي في المستوى، لأنه سيكون بين يد القارئ، خضت تلك التجربة للمساهمة في التراكم الإبداعي في المجال الثقافي الأمازيغي، كتبت ذلك الديوان بالحرف اللاتيني، أما السبب الثاني فهو الشغف، بعد مرور عشرين سنة على نشره، أقول إنها تجربة، مستواها الفني، قد يعبر عنه الفاعل النقدي، من خلال دراسته. عشرون عاما مرت في لمح البصر ، مرت من حياة ” كايا ” ومرت من حياة الديوان، ولو أن عمر الشعر يقاس بالقراءة، فإن تلك السنوات هي طويلة، يقول المثل ” تيغزي ن زمان أكيد إسكناون اياغاليم ، ماش اغباهرا ايكنا يان إيقاند ايسلوم أكال ” أعتقد أن عود القصب ما يزال أخضر، بالرغم من كل شيء.
– أصدرت عملا شعريا جديدا هذه الأيام، حبذا لو تحدثني عن آهات المخاض، عما قبل النشر، قلت ذلك لأن الكتابة في جذرها اللغوي تمتاح دلالتها من طقوس الولادة؟
التجربة خلاصة رؤية شخصية لواقع مرتبط وممتد، مرتبط بجذوره التاريخية في ذاكرتنا المتعددة الأبعاد، ولا زالت تمارس بكل أشكالها المعرفية من خلال رموزها التي تتشكل في الواقع بتمظهراتها المختلفة، فالعمل قراءة للواقع من خلال موروثنا في شكل إبداعي ورمزي يتوخى نفض الغبار عن المسكوت عنه،فالشعر مجال القول والإبداع والبوح عن خلجات النفس، يتيح فهم ماهو غامض، لأن المتلقي في حاجة إلى هذا الإبداع الممتلئ بهذه الرموز والأساطير ليتعرف عليها في أشكال إبداعية جديدة، لكي لا تنسى.
حمو أونامير واحد من هذه الرموز، من خلالها تم استنطاق الواقع الاجتماعي، فهو المعبر بشكل صريح عن آمال وألام الشعوب، التي تتوخى الانعتاق ، فكان صريحا في انتقاد حالهم وأوضاعهم الاجتماعية والطبقية…
– يبدو أنك تقدم شخصية حمو أونامير الكثيفة من ناحية رمزياتها، كما لو أنه مناضل طبقي، بأي معنى اخترت من شخصية أونامير هذا الملمح؟
أونامير هو ما ينبغي أن يكون متوفرا في حامل الوعي المستنير، فرغم رمزية أونامير في حكايته، فإنه مرتبط بالأرض رمزا للتشبث بالمادي، الذي ترك الحياة المثالية والفردوسية والاستجابة لإلحاح أمه والعودة إلى الأرض، والقطع مع فكر وواقع لا ينتمي إليهما، ما فعله أونامير كان يتوخى منه تغيير واقع أفسدته التقاليد التي جعلت الحب جريمة وجعلت الفقيه يتدخل في شؤون المجتمع بشكل كبير، إن المناضل الطبقي هو مغامر مثل أونامير، التضحية لديه هي غاية للتعبير عن صدق إيمانه وليست مجرد وسيلة..
– قارئ العمل سيكتشف أنك قدمته بتصدير لرقية تالبنسيرت،لماذا تالبنسيرت ولماذا الشعر الأمازيغي الشفهي الغنائي تحديدا؟
تالبنسيرت قامة شعرية أمازيغية، إمرأة، والمرأة مقصية رمزيا في ثقافتنا، رغم ضلوعها في الشعر ومستواها الكبير، واختياري لها نابع من قيمة عملها، من يعود لحياة لالة رقية، يجد أنها هربت من بيتها وغادرت زوجها الذي فرضته عليها القبيلة، هربت مثل أونامير لتبحث عن ذاتها المفقودة…
إعداد وتقديم: أحمد بوزيد